جمعة تطبيق الشريعة الدستور.. وما أدراك ما الدستور.. مواد ومسودات.. انقسامات وتوافقات.. تحالفات ومليونيات، والدستور يسير حثيثاً نحو النور.. يحاول الخروج من عنق الزجاجة رغم كل الأزمات. بعيداً عن موعد ظهور الدستور، الذي طال انتظاره، سواء خلال الأيام وربما الساعات القليلة القادمة، أو حتي تأجل لأسبوعين أو أكثر عبر إعلان دستوري، يصدره الرئيس محمد مرسي، لمد أجل عمل الجمعية، إلا أن مليونيات رفض الدستور، وإن اعتبرها الكثيرون -وخاصة الداعين لها-، بمثابة رفض مجتمعي لما ستسفر عنه أعمال الجمعية التأسيسية، إلا أن الواقع يؤكد أن كل الثورات التي شهدها العالم لن تأتي أبداً بدستور يتوافق عليه الجميع. الليبراليون يرونه دستوراً إسلامياً، فخرجوا في مليونية "مصر مش عزبة" للمطالبة بعدم "أسلمة" الدستور، والإسلاميون يرونه دستوراً ناقصاً لا يعبر عن الإسلام، فخرجوا في مليونية "نصرة الشريعة" يطالبون بتطبيق أحكام الشريعة في الدستور الجديد، وبينهما ظل أعضاء التأسيسية ثابتين علي موقفهم "لا تراجع ولا استسلام"، جميعهم يعمل من أجل دستور لكل المصريين، رغم كل الخلافات بما فيها الخلافات بين أعضاء الجمعية وبعضهم. ربما تؤكد المليونية الأخيرة التي قادها "الزمر" ورفاقه، نظرية أن الدستور الجديد لن يرضي أحدا، وهو ما اعتبره الكثير من الخبراء نجاحا في حد ذاته يحسب لأعضاء الجمعية، كما أكد لنا الدكتور عمرو عبدالهادي، عضو لجنة المقترحات بالجمعية التأسيسية للدستور، والذي يري أنه مهما بذلت الجمعية من جهد لإقناع الجميع أن الدستور يعبر عن كل المصريين فلن يرضي أحدا. عبدالهادي قال أيضاً إن فكرة إصدار دستور يرضي أحد أطراف القوي السياسية بالمجتمع بنسبة 001٪ ما هو إلا ضرب من ضروب الخيال، وإن حدث ذلك، فوقتها فقط سنثبت للجميع أن الدستور سيطر عليه فصيل واحد، فوضعه كما أراد دون أن يعترض عليه، في الوقت الذي يرفضه بقية التيارات السياسية. علي الحياد علي الحياد، وعلي غير المعتاد، وقفت جماعة الإخوان المسلمين، وأعلنت عدم مشاركتها في مليونية الإسلاميين لنصرة الشريعة، وربما تلك هي المرة الأولي التي تتخلي فيها الجماعة، ولو بشكل رسمي، عن الإسلاميين وترفض أن تتفق معهم. غير أن عددا من أعضاء الجماعة شاركوا بالفعل في عدد من الوقفات في المحافظات، ولكن ليس بشكل تنظيمي من قبل الجماعة، وأكدوا أن نجاح مليونية تطبيق الشريعة في ظل عدم مشاركة الإخوان أو السلفيين، هو ما يؤكد أن تطبيق الشريعة أصبح مطلبا شعبيا. وأكد د.صابر أبوالفتوح، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، أن مليونية تطبيق الشريعة، رسخت أمام الجميع أن الشعب المصري يريد تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك بدون دعم جماعة الإخوان المسلمين أو التيار السلفي.. وقال، إن عدم مشاركتنا كان هدفها إحباط محاولات القوي المطالبة بإسقاط التأسيسية، في أن جماعة الإخوان تضغط علي الجمعية التأسيسية لصياغة دستور موال لها، ويحقق أهداف الجماعة والحزب. بينما علق القيادي بجماعة الإخوان المسلمين علي عبدالفتاح، علي مليونية الشريعة الإسلامية قائلاً، إن المشهد في المليونية حمل عددا من المعاني التي تؤكد أن الشعب المصري هويته إسلامية، ويصر عليها، رغم مناداة العلمانيين بعكس ذلك. فيما أكد د.محمود غزلان، المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، أنه تم إضافة مادة مفسرة للمادة الثانية من الدستور الذي تم الإبقاء عليها، كما كانت في دستور 1971في المسودة التي نشرتها الجمعية التأسيسية لوسائل الإعلام. واستطرد غزلان قائلاً، إنه عقب ذلك كان أصحاب الاتجاهات الأخري قد رفضوا التغيير وأصروا علي بقاء المادة الدستورية كما هي، وكان لابد من إعادة النظر في تفسير المحكمة الدستورية، ودارت حوارات ومناقشات طويلة، طرح فيها عدد من الاقتراحات لتوضيح المقصود بعبارة "مبادئ الشريعة" وانتهي الأمر إلي توافق بين كل التيارات علي إضافة مادة في فصل الأحكام العامة في مشروع الدستور الجديد. أنصار الشريعة وخرج أنصار الشريعة لنصرتها، فأعلن الشيخ طارق الزمر، المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية، عن الحشد للمليونية، خرج الآلاف من السلفيين والإخوان دون صبغة رسمية، في مليونية جمعة تطبيق الشريعة، وأعلن الزمر أن مليونية "نصرة الشريعة" ليست للسلفيين ولا الإسلاميين، وإنما هي دعوة لكل المسلمين المصريين الرافضين لتغييب الشريعة، وضياع الدين، وعدم العمل بأحكام الشرع. كما طالب الزمر بإسقاط النائب العام، وقال: "إننا لا نطمئن علي أولادنا ولا أموالنا إلا بإسقاط النائب العام، لأن النظام السابق مازالت له بقايا موجود بعضها حتي الآن مثل النائب العام. وأكد الدكتور صفوت عبد الغني، أحد قيادات الجماعة الإسلامية، أن الإعلام يضلل مليونية تطبيق الشريعة، وقال "لقد كلفنا الشيخ طارق الزمر لنبين للإعلام أنه مناقض لنفسه"، كما وجه رسالة إلي اللجنة التأسيسية للدستور بأن الشريعة الإسلامية خط أحمر ولن يقترب منها أحد. بينما قال الدكتور سيد العربي، أحد أقطاب الدعوة السلفية، إن مسودة الدستور الحالية فيها من الكره والخيانة ما يجعلنا نرفضها وندعو الناس للتصويت ضدها. وأكد العربي أن أعضاء التأسيسية يأخذون أمر تطبيق الشريعة بميوعة، مضيفاً: "أناشد كل مسلم في الجمعية التأسيسية أن يقف في مواجهة الليبراليين والعلمانيين الداعين إلي العري. وشن الشيخ محمد الصغير، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البناء والتنمية، هجوماً حاداً علي القوي الليبرالية والعلمانية، وجميع المعارضين لتطبيق الشريعة الإسلامية، قائلاً: "التيار اليساري يردد أنهم يحبون الفقراء، وعندما جاء نص الزكاة في الدستور رفضوا ذلك"، مطالباً برفع راية الشريعة الإسلامية. وأضاف الصغير، خلال خطبته بميدان التحرير، في جمعة "نصرة الشريعة"، موجهاً حديثه لجموع المسلمين، "ارفعوا راية الشريعة الإسلامية، فهناك بعض الناس يعتقد أن دوره انتهي بانتخاب رئيس ذي مرجعية إسلامية، فنحن مطالبون بالسعي لتطبيق الشريعة". وهدد الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، بالحضور إلي ميدان التحرير الجمعة القادمة، والاعتصام هناك، وذلك إذا لم يتم تعديل المواد المتعلقة بالشريعة الإسلامية في مسودة الدستور، قائلاً: "قد نأتي الجمعة القادمة ولن نعود لبيوتنا مرة أخري، فنحن لا نغضب مرة واحدة ونهدأ، ولكننا سنستمر في غضبتنا حتي نقيم شرع الله". ضغط إسلامي في المقابل أثارت مليونية تطبيق الشريعة، حفيظة عدد من القوي المدنية التي أكدت رغبة الإسلاميين في الضغط علي الليبراليين، للقبول بالحد الأدني من الحقوق والحريات داخل الجمعية التأسيسية للدستور. فقال حسين عبد الرازق، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع، إنه من حق أي فصيل أو تيار ممارسة الضغط الديمقراطي لتأييد وجهة نظره، وقال إنه من الواضح أن هناك إجماعا بين قوي تيار الإسلام السياسي علي محاولة فرض وتطبيق الشريعة الإسلامية خلال الدستور الجديد، واستبداله بدلاً من النص الذي أقحمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات في دستور 1791 مشيراً إلي أن هذه المليونية ليست ضد التيار المدني فحسب، وإنما هي ضد تيار وقطاع عريض من الشعب المصري. من جانبه أكد الدكتور أيمن أبوالعلا، عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي، أن القوي الإسلامية تحاول تشويه صورة القوي الليبرالية، ووصفها بمصطلح العلمانية من ناحية، ومن ناحية أخري تحاول إظهار أن الليبراليين لا يرغبون في تطبيق الشريعة، رغم أن العكس صحيح تماماً، ولكن الخوف كل الخوف هو تطويع الشريعة للحصول علي مصالح شخصية تخدم فصيلا دون الآخر، خاصة أن هناك جزءا كبيرا منها قائماً علي القياس والاجتهاد. وأضاف أبوالعلا أن الضغط بالمليونيات، إحدي الوسائل التي تستخدمها التيارات الإسلامية للضغط علي المدنيين والليبراليين، للقبول بالحد الأدني من الحقوق والحريات داخل الجمعية التأسيسية. وقال حسام مؤنس، المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي، إن وصف المظاهرات التي دعت إليها الجماعة الإسلامية بميدان التحرير من أجل المطالبة بتطبيق الشريعة بالمليونية مبالغ فيه. وأشار مؤنس إلي أن القوي السلفية ممثلة بنسبة كبيرة في تأسيسية الدستور رغم تظاهرهم بميدان التحرير اليوم من أجل تطبيق الشريعة طبقاً لدعوتهم، موضحاً أن تطبيق الشريعة ليس محل خلاف في الدستور.