محاولات تصدير الثورة باءت بالفشل! وصلتني بيد الشكر آخر مؤلفات صديقي الصحفي الكبير عبده مباشر والتي وصلت 25 كتابا كان آخرها: (إيران.. تاريخ من أحلام العظمة) ويحتضن في صفحاته التي بلغت 436 صفحة من القطع الكبير دراسة في غاية الأهمية، عندما رصد المؤلف تاريخ الدولة الإيرانية وعلاقاتها بجيرانها، وسياستها الخارجية، ومخططاتها، وقراءة جديدة في ملف ثورتها، وأطماعها، والتبشير في أرض مؤامراتها وتحليل لسياستها الخارجية، وإبحار عميق في مشروعها الفارسي إلي قنبلتها النووية كمحور من محاور الصدام والصراع مع الولاياتالمتحدةالأمريكية! بعد أن تمكن آية الله الخميني من التربع علي قمة السلطة في إيران مرشدا وموجها وقابضا علي مقاليد الأمور بعد أن حققت الثورة نجاحها، كان طبيعيا أن يعيد صياغة الأساليب والمناهج المتبعة في صناعة السياسة الإيرانية داخلية كانت أم خارجية علي ضوء أفكار الثورة ومبادئها وتحت ضغوط التيار الهادر للمصالح الجديدة التي ترتبت علي وصول الثوار لمقاعد الحكم وكان مفهوما أن تتبني الثورة منهجا متشددا. وأطلق الثوار الأكثر تشددا حملات متوالية من العداء ضد كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وأصبحت الأولي تعرف باسم الشيطان الأكبر أما الثانية فأطلق عليها الشيطان الأصغر؟ وفجر الملالي وحلفاؤهم براكين الغضب ووثب الشيعة إلي مقدمة الصفوف واحتلوا السفارة الأمريكية، وبالتعاون مع النظام السوري عثر الثوار علي موطيء قدم في لبنان. كل ذلك كان يجري خلال الأشهر التي أعقبت نجاح الثورة في ربيع عام 1979. وفي نفس الربيع كانت مصر وإسرائيل توقعان اتفاقا للسلام بدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبكل قوة تبنت الثورة الإيرانية مبدأ قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تعقد سلاما مع إسرائيل. ورفع الملالي الشعار، ووضعوه موضع التنفيذ مع مصر! ولم تفعل إيران أكثر مما تفعله قمة بغداد العربية، فقد انعقدت القمة وقررت عزل مصر ونقل مقر الجامعة العربية إلي تونس لا مجرد قطع العلاقات معها. ولم يكن لما فعلته إيران وزن مؤثر علي مسيرة الأحداث لا داخليا ولا خارجيا. وكان واضحا أن هذا التوجه في سياسة العالم العربي والثورة الإيرانية يتعارض مع التوجه العام العالمي الذي رحب بهذه الخطوة السلامية بل وقرر دعمها بالمساعدات الاقتصادية. ولقد كانت هناك عوامل أخري تدفع الملالي للنقمة علي مصر. ولم يكن استقبال السادات للشاه سوي (التكأة) أو المبرر لمعاداة مصر فلقد كان للثورة والثوار أهداف ومصالح لايمكن تحقيقها في وجود مصر القوية، ومن هذه الأهداف السيطرة علي منطقة الخليج ونشر المذهب الشيعي وتصدير المباديء الثورية! وبالنسبة لهذه تقف مصر كالسد الذي يحول دون تحقيقها أو علي الأقل كعقبة رئيسية، فمصر هي القوة العسكرية والسياسية والمعنوية والبشرية التي تحول دون انطلاق إيران بقوة باتجاه دول منطقة الخليج. أما نشر المذهب الشيعي فدونه وجود الأزهر قلعة السنة والفكر السني. أما المباديء الثورية فتتكسر أمواجها علي الشاطيء المصري. وبالنسبة للمباديء فقد أفرغتها إيران من مضمونها بسياساتها! المهم أن سفينة مقاطعة مصر وسواء كان الربان عربيا أو فارسيا قد مضت تبحر عكس التيار، في حين مضت مصر تستعيد أرضها المحتلة مرحلة إثر أخري بنجاح، أي أن العمل السلبي الرافض كان يمضي في طريقه. والعمل الإيجابي المصري كان يشق طريقا نحو المستقبل والسيادة الكاملة علي كل الأرض المصرية المحتلة. ومع كل نجاح مصري، كان الرفض العربي يتخلخل حتي انهارت قوي الرفض. بل وانتهي بها الأمر إلي اللحاق بقطار السلام أو فلنقل بالعربة الأخيرة لهذا القطار والتي نعرفها في مصر باسم (السبنسة) أي أنهم قفزوا إلي مسيرة السلام في الدقيقة الأخيرة من الساعة الرابعة والعشرين! ولم تمارس مصر ولا شعبها الشماتة في هؤلاء الذين تنبهوا مؤخرا إلي صواب القرار المصري، خاصة وهم يلومون أنفسهم علي أنهم كان يمكن أن يحققوا الأفضل فيما لو لم يقعوا في الخطأ. وأيضا لم تدر مصر ظهرها لهم، بل وضعت كل خبراتها لدعم مسيرتهم السلامية ووظفت كل طاقاتها لتحقيق أكبر قدر من التقدم علي طريق السلام. ومصر التي لم تشمت أو تدر ظهرها للقوي العربية التي سبق أن حاولت عزلها لم تحاول توجيه اللوم لإيران للتناقض في مواقفها السياسية، فإيران التي سارعت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، هي نفس الدولة التي سعت بكل قواها لدعم علاقاتها مع تركيا صاحبة العلاقات الوثيقة والقوية مع إسرائيل! ولم يكن ذلك هو التناقض الوحيد، فقد أدي تساقط الأنظمة الشيوعية وتفتت الاتحاد السوفيتي إلي نيل عدد من الدول التي تقطنها أغلبية إسلامية لعضوية منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذه الدول منها دول تجمع بينهما وبين إيران عامل أو أكثر من عوامل اللغة والجوار والمذهب. أمثال دول أذربيجان وكازاخستان وطاجيكستان وقيرقزيا، بالإضافة إلي ألبانيا والبوسنة والهرسك، اعترفت بإسرائيل وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي، ولم يترتب علي ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية معها، بالرغم من استمرار رفع الشعارات الإيرانية، وتبني نفس السياسات المتشددة، هذا التناقض بين الشعار والتطبيق لم يكن يليق بثورة ترفع رايات الإسلام.