لم يكن للآباء وجود يذكر في أفلامنا الحديثة.. حتي بدا الأمر وكأن أبطال السينما المصرية كلهم من الأيتام، وإذا ظهر للبطل أب أو أم فذلك كي يعرقل زيجته أو ينكد عليه، أو يقول كلمتين ويروح لحاله! ولكن كما يحدث كل شيء فجأة في حياتنا.. اكتشف كتاب السيناريو، أن جيل الآباء يمكن أن يضيف ثراء لحياة الأبطال علي الشاشة، فبدأ التفكير في التعامل مع نجوم السبعينيات، كي يقدموا هذه الأدوار، ولاشك أن محمود يس رغم قصر دوره، إلا أنه كان من أهم مميزات فيلم الجزيرة، الذي لعب بطولته أحمد السقا، كما كان ظهور محمود حميدة في دور والد أحمد حلمي في فيلم آسف للازعاج نقطة مفصلية للغاية! ويبدو أن شهية كتاب السيناريو قد اتسعت علي آخرها، فقرروا استدعاء جيل الأجداد، ربما وجدوا فيه فرصة للعب علي المتناقضات بين أكثر من جيل! جدو حبيبي كان أول فيلم يقدم علاقة متشابكة ومؤثرة من الحفيدة "بشري"، والجد "محمود يس"، وكان نجاح الفيلم متواضعا، ثم كان تيتة رهيبة الذي كتب له السيناريو "يوسف معاطي" ليعود به محمد هنيدي للشاشة بعد فترة غياب امتدت لثلاث سنوات! ولكن الفيلم كان بعيدا عن عالم سامح عبد العزيز، الذي اشتهر به مع أفلامه الأخيرة الأكثر نضجاً ونجاحاً، وهنا تكتشف أن نجاح هذا المخرج أو ذاك لاعلاقه له بإبداعه الشخصي، ولكن بمدي ترابط السيناريو والموضوع الذي يطرحه، بمعني أدق أننا نفتقد للمخرج صاحب الرؤية المبتكر، الخلاق ! يوسف معاطي كاتب السيناريو لفيلم تيتة رهيبة، قدم العام قبل الماضي مسلسلا للسيدة سميرة أحمد، باسم ماما في القسم، وحقق درجة واضحة من النجاح، وكانت الشخصية الرئيسيه في الحدث، لامرأة متسلطة، صعبة المزاج، حادة الطباع، لاتخشي في الحق لومة لائم، حتي إن علاقتها بأبنائها وأحفادها ساءت وتهشمت، لإصرارها علي أن تقومهم رغم أنهم تجاوزوا مرحلة الطفولة وصاروا رجالا أو نساء لكل منهم حياته الخاصه! ولكنها لاتتوقف عن إسداء النصح الذي يصل في كثير من الأحيان، إلي صدام حقيقي! كانت الشخصية ثرية ومرسومة بعناية إلي حد كبير، وقدمت سميرة أحمد دور الأم والجدة بحرفنة، تصدقها حين تغضب وتزأر، وتصدقها حين تلين وتضعف! ولكن وضع تحتها أي عدد شئت من الخطوط ،كان من الصعب جدا، أن تصدق أن الجدة سميحة أيوب، يمكن أن تخفي خلف سلوكها الصارم وتعمدها المستمر إيذاء مشاعر حفيدها رؤوف (محمد هنيدي) أي مشاعر ود صادقة، أو أي لمحة حنان! وهذا هو أكبر نقطة ضعف في سيناريو فيلم "تيتا رهيبة". فرق كبير بين الصرامة والجدية، والاستهانة بمشاعر الإنسان وتعمد سحق آدميته، والإصرار علي تشبيهه بالحيوان، ليس لأنه ارتكب خطأ أو فعلا ما يستوجب التهزيء، أم لا؟؟ الجدة هنا، تستمتع في أداء سادي مقيت ب"مرمطة" حفيدها، سواء كان طفلاً، أو رجلا في الأربعين! وسواء كان هذا التهزيء علي مسمع ومرأي من الناس، أو في غرفه مغلقة! الحكاية تبدأ مع طفولة" رؤوف "الذي فقد أبويه، ولم يعد له في الحياة إلا جدته البغيضة، وجده الطيب "عبد الرحمن أبو زهرة"، ولسبب غير مفهوم كانت الجدة، التي كان مفروضاً فيها الطيبة والحنان علي طفل يتيم، تكيل له الشتائم، والإهانات ولا تكف عن وصفه بالحيوان، ولسبب غير مفهوم أيضا، وغير مبرر علي الإطلاق تسافر الجدة إلي ألمانيا، وتترك الصبي في رعاية جده، يشب الصبي ويصل لمرحلة الرجولة، وتظل شخصيته تعاني من ارتباك نتيجة تربيته الصارمة وافتقاده للحنان، يصل إلي سن الأربعين دون أن يمر بتجربة حب واحدة، ويبدو أن يوسف معاطي استلهم بعض مواقف من الفيلم الأمريكي "العذراء الأمريكي" The American virgin المهم أن رؤوف "محمد هنيدي" يرتبط بقصة حب سريعة مع زميلته في العمل، إيمي سمير غانم ويقرر الارتباط بها، وهنا تعود الجدة المزعجة، قاسية القلب من ألمانيا ولا نعرف سبب عودتها، ويبدو أنها كانت بتكمل تعليمها هناك، فلم يهتم السيناريو بشرح أسباب سفرها وغيابها في ألمانيا، طوال هذه المدة! كل ما يعنينا أنها عادت بنفس الجبروت، ونفس الرغبة في مرمطة حفيدها الوحيد، وإهانته أمام زوجته الشابة، والتدخل في حياته، لدرجة اقتحام غرفة نومه، وبعد أن يرهقه تصرفها، يضطر أن يثور عليها في النهاية ويلجأ للقضاء ليفصل بينه وبينها، ويقسم شقته معها بحيث يكون لكل منهما خصوصيته فلا تعود تزعجه أو تتعرض لحياته! ولكنها في المحكمة وياغرابة الموقف، تتحدث عن معزة ولد الولد، وحب الجدة لحفيدها الوحيد، وطبعا لايمكن أن تصدقها أو تتعاطف معها، فهناك فرق شاسع أن يؤدي الممثل دور شخص مفتقد للعاطفة، وأن يكون هو نفسه مفتقداً لها! فأنت يمكن أن تتعاطف مع الأم الصارمة أمينة رزق، التي قدمت ابنتها المراهقة لرجل في مثل سن جدها، في فيلم أين عمري، ويمكن أن تتعاطف مع زكي رستم رغم قسوة ملامحه، وتقتنع أنه يحمل قلبا طيبا خلف تلك الملامح، ويمكن أن تتفهم سيطرة فاتن حمامة وتسلطها علي حياة أبنائها في فيلم إمبراطورية ميم، ولكن من الصعب جدا، أن تصدق أن سميحة أيوب تملك قلبا يعرف الحب والحنان؟ كما بدت في فيلم تيتة رهيبة، فقد قطعت الشعرة الرقيقة التي تفصل الحقيقة عن التمثيل! ومع ذلك يعتبر الفيلم من أفضل ما قدمه هنيدي في السنوات الأخيرة، قياسا بما فات، وهو أي الفيلم يقدم إضافة لإيمي سمير غانم، ولكنه بلاشك اكتشاف لمواهب باسم سمرة في الكوميديا، فربما يكون الوحيد بين أبطال الفيلم الذي كان مفاجأة لجمهوره! غير هذا لاتبحث عن أي عناصر تميز، أو إبداع!