نموذج مشرف لكل امرأة مصرية. اختارت الكيمياء كواحد من أصعب العلوم لتتخصص فيه وتنجز أبحاثاً متميزة في مجال الكيمياء الخضراء التي تستهدف الحفاظ علي البيئة، انحني لها العلماء حول العالم تقديراً واحتراماً، فاستحقت عن جدارة حصدها مؤخراً لقب سيدة العالم في الكيمياء وهو اللقب الذي منحته لها منظمة اليونيسكو وسوف تظل تحمله العالمة المصرية الشابة د.زينب أبوالنجا (المدرس بقسم علم الحيوان في كلية العلوم جامعة المنصورة) لمدة مائة عام. حول أبحاثها في جامعة "جاكوب" الألمانية والتي اكتشفت من خلالها مستخلصات كيميائية مكافحة للحشرات بطريقة آمنة وصديقة للبيئة، وعن تطلعاتها وما تطمح إليه مستقبلاً التقتها "آخرساعة" وكان هذا الحوار. ❊ "سيدة العالم في الكيمياء".. كيف جاء حصولك علي هذا اللقب العالمي وما الجهة التي رشحتك له؟ - سُمي العام 2011بعام الكيمياء الدولي حيث توافق هذه السنة ذكري مرور أول مائة عام علي أول سيدة حازت جائزة نوبل في الكيمياء وهي العالمة الفرنسية الجنسية البولندية المولد ميري كوري Marie Curie نظراً لاكتشافها تأثير اليورانيوم المشع علي الغازات التي يتكون منها الغلاف الجوي، إضافة إلي أنها وزوجها "بيير كوري" كانا أول من اكتشفا العنصر المشع يورانيوم Uranium الذي استخدم بعد تخصيبه في صناعة القنبلة الذرية أحد الأسلحة المدمرة التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). وبعد ما ألحقته الكيمياء من دمار للطبيعة والتوازن البيئي ظهر في عصرنا الحديث اتجاه مستدام في دراسة الكيمياء البحثية والتطبيقية للحد من الآثار السلبية التي جلبتها الكيمياء المصنعة علي البيئة والصحة، وتشجيعا لهذا الاتجاه أعلنت منظمة اليونسكو UNESCO عن دعم الباحثين في مجال الكيمياء المستدامة أو الكيمياء الخضراء وبخاصة الباحثون الذين يعملون في هذا المجال من النساء، نظراً إلي كونه مجالاً ليس بالسهل مزاولته بالنسبة للمرأة، ومن هنا كنت أحد المرشحين من دار النشر وايليWiley لأنها هي المختصة بنشر أبحاثي العلمية دولياً. ❊ بالتأكيد هناك أبحاث مهمة لكِ في مجال الكيمياء الخضراء.. حدثيني عن ذلك؟ - بالطبع، فمجال اهتمامي البحثي يرتكز علي البحث عن مركبات كيميائية طبيعية وفصلها وتعريفها بعد التأكد من فاعليتها العالية في مكافحة بعض الحشرات الضارة والتي من غير المستحب استخدام مبيدات تقليدية معها علي سبيل المثال تم تسجيل فاعلية بعض المستخلصات الكيميائية الطبيعية ضد حشرات الحبوب المخزونة وحشرة البعوضة المنزلية والتي تعتبر اقتصاديا آفة طبية خطيرة علي صحة الإنسان، نظراً لنقلها أمراضاً خطيرة ومُعدية، كما أهتم أيضاً بمعالجة تلوث الموارد المائية بالمبيدات الحشرية التقليدية باستخدام تكنولوجيا معالجة خضراء وآمنة علي البيئة والصحة العامة. ❊ هذا اللقب يأتي بعد مرور مائة عام علي حصد ميري كوري جائزة نوبل في الكيمياء عام 2011هل تطمحين في الجائزة ذاتها مستقبلاً؟ - طموحي بلا حدود وبكل تأكيد الوصول إلي أعلي درجات التقدير والتكريم يتطلب عملاً مميزاً وغير تقليدي وينفع المجتمعات البشرية. أدرك تماماً أن هذا المجال البحثي سيكون له صدي عالمي عن طريق الاكتشافات إذا قورن العمل باكتشاف ال"دي.دي.تي DDT- حيث حاز مكتشفه هيرمان ميلر Hermann Müller جائزة نوبل لعام 1948، نظراً لتأثيره القاتل السريع علي البعوض, السبب الرئيسي في انتشار مرض الملاريا وقتذاك. وبالنسبة لي حصولي علي لقب سيدة العالم في الكيمياء هو إنجاز كبير بعد سلسلة أبحاث مهمة ولكن تلك هي مجرد البداية لمزيد من العطاء بإذن الله. ❊ كيف كان شعورك حينما علمت أن هذا اللقب سيظل مرافقاً لكٍ طيلة مائة عام.. ألم يحملك ذلك مزيداً من الأعباء والمسئوليات؟ - الحمدلله. إنه شعور رائع يدعو إلي الفخر ويدفع بي قُدماً إلي الأمام، وفي الوقت ذاته هو إحساس بالمسئولية الكبيرة تجاه أعمالي البحثية والحفاظ علي المبدأ والسعي وراء اكتشاف الأفضل والأنفع. سوف يظل هذا الإنجاز حافزاً وداعماً قوياً لي في طريقي حتي أبلغ أهدافي العلمية بمشيئة الله تعالي. ❊ اكتشافك لمركبات مكافحة للبعوض أبرز حيثيات منحك اللقب.. ما الجديد الذي تشتغلين عليه الآن وهل سيكون في مجال الكيمياء أيضاً أم البيولوجي باعتباره تخصصكِ الأصلي؟ - بكل تأكيد سأواصل عملي البحثي في مجال الكيمياء وتطبيقاتها الحيوية والتكنولوجية. من وجهة نظري ليس هناك حدود بين العلوم الأساسية، لأنه كلما زادت نسبة التكامل بين التخصصات العلمية المختلفة، كانت للبحث قيمة علمية أكبر وفرصة أعلي نحو التطبيق، وكما تعلمنا من حضارتنا الإسلامية منبع وأساس العلوم الأساسية أن أول من مارس الكيمياء عملياً هو جابر بن حيان والذي لُقب ب"أبو الكيمياء" فإنه برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعادن والفلسفة والطب والصيدلة، فليس بالغريب أبداً أن يرتبط علم الأحياء بعلم الكيمياء، فالكيمياء هي أساس الحياة. وعلي وجه الخصوص فإن أحد أسباب حصولي علي هذا اللقب المشرف كما ذُكر نصاً "الربط غير التقليدي بين الكيمياء وعلم الأحياء في الاتجاه التطبيقي للحصول علي مبيدات حشرية صديقة للبيئة". "By making the unusual combination of zoology and chemistry, she has developed a career with natural products from organisms to find new targets for environmentally friendly insecticides". ❊ عموماً ما الذي دفعك لاستكمال دراستكِ في مجال يبدو صعباً وبخاصة بالنسبة للسيدات وهو مجال الكيمياء؟ - عشقي للعلوم وإيماني بدور الكيمياء في حياتنا، هما الدافع القوي الذي حفزني لدراسة هذا المجال، كما يرجع الفضل في دعم هذا الدافع إلي العالم الجليل الدكتور مصطفي محمود (رحمه الله) الذي كان يتحدث دائماً عن العلوم المختلفة وسبل الربط فيما بينها جميعاً بأسلوب راق ومبسط وشيق. ❊ في ظل استخدام الصراعات العسكرية لأسلحة لها تأثيرات ضارة جداً بالبيئة هل تتوقعين أن يحقق علماء الكيمياء إنجازات حقيقية في الحصول علي بيئة نظيفة؟ - العالم كله يسعي إلي تغيير ما صنعه الإنسان قديما والعودة إلي الطبيعة والحفاظ عليها، مثلما نجحت أوروبا في تغيير اتجاهات الصناعة لديها وثقافات شعوبها نحو استدامة البيئة والحفاظ عليها بعدما كانت القارة الحاضنة لعهد الثورة الصناعية وما خلفتة من دمار للطبيعة وآثار سيئة علي صحة الإنسان، وإيماناً بعدم وجود حدود للأمان البيئي بين بلدان العالم تسعي أوروبا ومنظمة اليونسكو إلي دعم ونشر مبدأ الاستدامة البيئية في البلدان النامية حتي نحقق أعلي نسبة أمان بيئي لكوكب الأرض. ❊ كنت أيضاً ضمن المرشحين لنيل لقب سيدة العالم لعام 2011من بين 10 سيدات علي مستوي العالم. ماذا عن تفاصيل هذا الترشيح؟ - نعم كنت مرشحة في استفتاء موقع "ياهو مكتوب" الإلكتروني للقب سيدة عام 2011ضمن عشر سيدات من دول مختلفة حول العالم، كل واحدة متميزة في مجالها، وفازت باللقب في المركز الأول الناشطة اليمنية الحائزة علي جازة نوبل للسلام توكل كرمان، بينما جاءت في المركز الثاني الملكة رانيا زوجة العاهل الأردني، لما تتمتع به من شهرة ونفوذ كبيرين وتلتها الناشطة أسماء محفوظ ثم أنجلينا جولي، وجئت أنا في المركز الخامس وحلت من بعدي كيت ميدلتون زوجة الأمير ويليام. والحقيقة أن التصويت الجماهيري كان العامل الوحيد في عملية الفوز، لكنني في النهاية سعيدة بمن اختاروني أكثر لأنني تابعت التعليقات التي نشرت في المواقع الإلكترونية المختلفة حول ترشيحي، وكنت أشعر بكلماتهم الصادقة ومشاعرهم الطيبة التي أكن لها كل تقدير. ❊ نجاح المرأة العربية في مجال علمي نادر الحدوث وبخاصة في مجال صعب كالكيمياء. كيف كنت توفقين بين أبحاثك من ناحية وأسرتك وأبنائك من ناحية أخري؟ - بفضل الله، أنا محظوظة لأنني ألقي دعماً قوياً من جانب عائلتي. لدي طفلة واحدة فقط (زينب) الآن في مرحلة الدراسة الابتدائية، وأنا أتابع بعناية تعليمها لأنها ذكية جداً. عندما أسافر، كانت تفضل البقاء مع أمي وأبي فهي مرتبطة بهما وتحبهما كثيراً. ❊ لمن توجهين رسالة شكر وعرفان علي تشجيعك في مسيرتك العلمية التي كُللت بهذا اللقب العالمي؟ - ثمة كثيرون أولهم والدي ثم يأتي بعد ذلك دور جميع أساتذتي، حيث تعلمت منهم الكثير علي المستويين العلمي والإنساني، وأخص بالشكر أستاذي الألماني البروفيسور نكولاي كونرت Professor Nikolai Kuhner الذي منحني فرصة السفر إلي ألمانيا وعلمني الكثير وساعدني في إنجاز رسالة الدكتوراه، وذلك عن طريق توفير الإمكانيات المعملية والبحثية اللازمة لإنجاز أبحاثي. هناك أيضاً الدكتور مفيد بهاديرMüfit Bahader رئيس مشروع الإدارة المستدامة للمياه في البلدان النامية والذي اختارني لشرف تمثيل المشروع بجامعة المنصورة. خالص الشكر لجميع الزملاء المشاركين لي في أبحاثي لأن العمل البحثي ما هو إلا نتاج عمل جاد من فريق بحثي له هدف وغاية. لن أنسي أن أوجه الشكر لعائلتي الصغيرة التي أكن لها كل الاحترام والتقدير.