الإعلان عن المرشحين من جامعة عين شمس لمنح المبادرة المصرية اليابانية للتعليم    تراجع أسعار صرف الدولار أمام الجنيه وارتفاع «اليورو» و«الإسترليني»    40%.. بشرى سارة من الحكومة بشأن الأسعار    عيد تحرير سيناء.. تعرف على جهود تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    رئيس قناة السويس يبحث التعاون مع ترسانة هيونداي لبناء السفن والوحدات البحرية    أوكرانيا: طائرات مسيرة ضربت مستودعي نفط مملوكين لشركة روسية    قصة حب انتهت بالزواج ثم القتل لسبب صادم.. جريمة تهز المحلة    مصر تفوز بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الإفريقية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتزم نشر قوات جديدة في غزة    نائب وزير الإسكان يفتتح معرض إدارة الأصول في نسخته الخامسة    الأرصاد تنصح المواطنين بشرب السوائل وارتداء غطاء للرأس    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    رئيس "سلامة الغذاء" يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى 42 لعيد تحرير سيناء    مروان عطية يصدم الأهلي قبل مواجهة مازيمبي الكونغولي    بعد عودة الشناوي.. تعرف على الحارس الأقرب لعرين الأهلي الفترة المقبلة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24-4-2024 والقنوات الناقلة    "لا يرتقي للحدث".. أحمد حسام ميدو ينتقد حكام نهائي دوري أبطال آسيا    محفظة أقساط شركات التأمين تسجل 8.38 مليار جنيه خلال يناير 2024    ريانة برناوي أول رائدة فضاء سعودية ضيفة «يحدث في مصر» الليلة    وكيل تعليم بورسعيد: الامتحانات مهمة وطنية يحب أداؤها على أكمل وجه    الكونجرس الأمريكي يقر قانون حظر تيك توك    تفاصيل الحالة المرورية بالمحاور والميادين صباح الأربعاء 24 أبريل    اليوم.. استكمال محاكمة المتهمين باستدراج طبيب وقتله بالتجمع الخامس    مصرع مُسنة دهسا بالقطار في سوهاج    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    طرح فيلم ANYONE BUT YOU على منصة نتفليكس    نجوم الغد .. أحمد ميدان: هذه نصيحة السقا وكريم لى    بسبب الحرب على غزة.. كل ما تحتاج معرفته عن احتجاجات الجامعات الأمريكية    دعاء الحر الشديد.. 5 كلمات تعتقك من نار جهنم وتدخلك الجنة    تكذيبا للشائعات.. إمام عاشور يغازل الأهلي قبل لقاء مازيمبي بدوري الأبطال| شاهد    تقديم خدمات طبية لأكثر من 600 مواطن بمختلف التخصصات خلال قافلتين بالبحيرة    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    رئيس «المستشفيات التعليمية»: الهيئة إحدى المؤسسات الرائدة في مجال زراعة الكبد    تجديد منظومة التأمين الصحي الشامل للعاملين بقطاعي التعليم والمستشفيات الجامعية بسوهاج    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    متحدث "البنتاجون": سنباشر قريبا بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة    تاريخ مميز 24-4-2024.. تعرف على حظك اليوم والأبراج الأكثر ربحًا للمال    مفوض حقوق الإنسان أكد وحدة قادة العالم لحماية المحاصرين في رفح.. «الاستعلامات»: تحذيرات مصر المتكررة وصلت إسرائيل من كافة القنوات    اليوم.. «خطة النواب» تناقش موازنة مصلحة الجمارك المصرية للعام المالي 2024/ 2025    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    الصين تعارض إدراج تايوان في مشروع قانون مساعدات أقره الكونجرس الأمريكي    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفايات .. خطر قاتل !
ومن الإلكترونيات ما قتل.. نفايات للبيع
نشر في آخر ساعة يوم 27 - 08 - 2012

هواتف، بلاي ستيشن، آلة فاكس، كاميرات، تلفزيونات، آلات حاسبة، أجهزة كمبيوتر، أقراص مدمجة، آي بود، آي باد، آي فون.. هذه ليست دعاية، بل تعداد لبعض أجهزة تحيط بنا أينما كنا، والتي تضاعفت مبيعاتها خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن التأقلم مع التكنولوجيا الحديثة، لكن لم يخطر علي بالنا مقدار الخطورة التي تكمن فيها بعد انتهاء عمرها الافتراضي وتحولها إلي "نفايات إلكترونية".
ازدياد أعداد تلك الأجهزة سيخلق مشكلة بيئية اقتصادية، وذلك بحسب تقرير الأمم المتحدة للبيئة الذي يشير أن العالم سيشهد استفحالاً لمشكلة "النفايات الإلكترونية" خصوصاً أن نموها يزداد بحوالي 40 مليون طن سنوياً، مقابل صعوبة تدويرها نظراً لتعقد صناعتها وتعدد المواد المستخدمة فيها.
مما يدفع الدول المتقدمة بتصديرها للدول الفقيرة؛ فتكاليف دفنها أو تدويرها غالية جدا بدرجة تفوق شحن السلعة الجديدة بالسوق، فضلا عن خداع سكان العالم النامي بالمعادن النفيسة التي تحملها النفايات الإلكترونية، وغيرها من المغريات المقدمة التي تغفل بعمد المخاطر الداهمة علي البيئة.
علي الرغم أن مصر لا يوجد بها مدافن للمخلفات الخطرة سوي مدفن الناصرية بالإسكندرية وهو صغير للغاية؛ يستوعب حوالي 1٪ من حجم النفايات الصلبة، إلا أنها مازالت تستوردها بسعر رمزي أو مجاناً.
ويحصل المستوردون عليها مجانا من دولها، ويغيرون بياناتها بما يسمح بدخولها إلي مصر بالمخالفة للقانون رقم 770 لسنة 2005 بألا يزيد عمر المنتج علي 5 سنوات لدخول الأجهزة المستوردة، ويبررون ذلك بأن متوسط دخل المستهلك المصري لايمكنه تدبير آلاف الجنيهات لشراء جهاز حديث.
لا توجد في مصر سياسة محددة فيما يتعلق بمجال الاستفادة من النفايات الإلكترونية؛ فيتم بيعها في سوق الجمعة، والذي أصبح سوقاً سهلاً للحصول علي أجهزة كاملة أو مجمعة أو قطع غيار رخيصة الثمن" هكذا قال الدكتور ياسر البارودي، الخبير في مجالات التدوير، ويضيف: أخطر ما في تلك النفايات هي الدوائر الإلكترونية الموجودة داخل أجهزة الكمبيوتر؛ فهي مواد سامة غير قابلة للتحلل، وبالتالي تبقي علي حالها بالتربة مما يمثل تهديداً كبيراً، حيث يلجأ تجار جملة الأجهزة المستخدمة إلي التوسع في استيرادها، وتصنف إلي: أجهزة صالحة للاستخدام الآدمي، وأخري تالفة يتم التخلص منها سواء بالدفن تحت التربة أو بالحرق بطريقة غير بيئية، وفي كلتا الحالتين تتصاعد أبخرة سامة ضارة علي الصحة والبيئة.
ويحذر البارودي من الذبذبات الصادرة عن النفايات الإلكترونية المنتهية الصلاحية المؤثرة علي العين و المخ، لما تحتويه من عناصر سامة مثل الرصاص والذي تبلغ نسبته 400 جرام في كل شاشة كمبيوتر- ترتفع إلي 2 كيلو جرام في كل شاشة تليفزيون- والزئبق وبعض المركبات المسرطنة الناتجة عن حرق الأجزاء البلاستيكية.
فيما يطالب د. طه عبد العظيم الصباغ، أستاذ الكيمياء البيئية بمعهد الدراسات والبحوث البيئية، بأن تقل المدة التي تمر علي الأجهزة المستعملة المستودة من الخارج إلي سنتين أو ثلاثة علي الأكثر لتقليل المخاطر الصحية والبيئة الناتجة عنها.
ويتابع: العمليات التجارية التي تجري علي النفايات تكون علي ثلاثة مستويات؛ الأول رسمي وهو الاستيراد والبيع، والثاني شبه رسمي من خلال تجار الجملة وإعادة البيع والشراء بين المالك والتاجر، والمستوي الثالث غير رسمي وهو طحن هذه النفايات وفصلها يدوياً لاستخراج معادن وأجزاء بالية ليتم حرق أو دفن النفايات الناتجة عنها.
ويؤكد علي افتقاد مصر منظومة التعامل مع المخلفات الصلبة، وعدم وجود جهة تتولي جمعها وتركها في قبضة تجار الخردة، فمثلا جهاز الكمبيوتر متوسط وزنه 29.6 كيلو جرام، وبه 17.3٪ مكونات إلكترونية، أي ما يعادل 5.120 كيلو جرامات، أما التليفزيون به 330 جرام إلكترونيات، مما يلزم وجود منفذ لتجميع الأجهزة التالفة، وإنشاء مصنع للتدوير واستخدام النفايات.
وعبر الصباغ عن استيائه من حالة الفراغ التشريعي التي تعيشها مصر، بينما وضعت الهند قانوناً خاصاً بالنفايات الإلكترونية بعدما دخلت الشركات سباق اللانهاية في إنتاج الأجهزة الحديثة خاصة في المحمول والكمبيوتر، حتي أصبحنا مضطرين بمواكبة التطور العلمي والمظاهر الاجتماعية؛ بالتخلص من أجهزتنا القديمة وشراء الحديثة المتطورة.. وعن شاشات الكمبيوتر يقول الدكتور هشام عبد الغفار، عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للحاسبات العامة والبرمجيات، أن هناك ثلاثة أنواع من الأجهزة الإلكترونية يتم استيرادها وهي شاشات وأجهزة كمبيوتر وطابعات.
ويصنف الشاشات إلي نوعين: CRT وهي ضارة جدا بالبيئة. ولايمكن إعادة تدويرها والاستفادة منها سوي في روسيا لاحتوائها علي مواد مشعة، لذا فلابد من الحد من استيرادها نهائيا واستبدالها ب LCD شاشات صديقة البيئة والتي تنتمي إلي التكنولوجيا الجديدة، كما أن الطابعات بها أحبار ومعادن تسبب التسمم مثل الرصاص.
أما المحمول فيحتوي علي أكثر من 40 وحدة سامة والتي يمكنها أن تلوث 600 ألف لتر من المياه الصافية، لذلك تعتبر النفايات الإلكترونية من أكبر فئات النفايات في العالم حيث تبلغ نسبتها ما يفوق 40 مليون طن في العام.
شعار الباعة: الذنب علي من سرق وليس من اشتري
أجهزة إلكترونية لعلاج الفقر في »سوق الجمعة«
الخوف من تحطيم »الكاميرا« هو ما دفعني لإخفاء هويتي قبل دخولي إلي سوق الجمعة الذي أخذ اسمه من يوم انعقاده، ويصب فيه مجموعة من الأسواق المتجاورة وهي: »سوق السيدة عائشة، وسوق الإمام، وسوق البساتين، وسوق القلعة« مقتطعاً مساحة كبيرة من جنوب القاهرة.
بانوراما شعبية تمتد وسط القبور؛ لتبدأ من ميدان السيدة عائشة بطريق صلاح سالم إلي كوبري التونسي، علي طريق الأوتوستراد، وحتي جبل المقطم، تضمن سوق طيور الزينة والأسماك، وسوق الكلاب والثعابين، وعلي بعد أمتار سوق الملابس والأطعمة، ومن خلفها سوق الكمبيوتر والأجهزة، ثم الأنتيكات والتحف.. بدأت رحلتي من أمام مسجد السيدة عائشة مع صوت أذان الجمعة حيث الفوضي العارمة بين البائعين، وهناك حذرني أسامة - بائع عصافير- من عدم الذهاب إلي سوق الإمام، خوفا من الاحتكاك ببلطجية لا يضمن التعامل معهم، خاصة بعد نشوب معركة بين بائعي الأجهزة الإلكترونية في ذلك اليوم بسبب الاختلاف علي تسعيرة بضائعهم.
❊❊❊
كنت أول راكب في الميكروباص المتجه إلي الإمام، ليتقافز بجانبي بسطاء بملابس قديمة ووجوه مغبرة، في طريقهم لتسوق ما يناسب جنيهاتهم القليلة، يتخلصون من ملل الطريق بالحديث عن نصب الباعة وفساد منتجاتهم، وعن زحمة يتسللها لصوص يسرقونهم، ليقطع كلامهم صراخ امرأة عجوز لا تملك مالاً لدفع الأجرة، لتنتهي المشاجرة مع السائق بتطوع أحد الركاب بدفع الأجرة نيابة عنها.
حياة كاملة أمامك تشاهدها وسط القبور، أناس حياتهم داخل مقابر، وأطفال يلهون بصنع كحك من الطين أو عظام الموتي(!)، ونساء بملابس سوداء وكأنهن في حداد دائم، أما الرجال فهم في السوق يبيعون الخردة والملابس القديمة و(الأطعمة الفاسدة).
❊❊❊
استقر بنا السائق علي ناصية أحد شوارع السوق ليتفرق الجميع باحثاً عن احتياجاته .. ما فعلته مراقبة ما يحدث والتحدث بحذر مع باعة يرمقونني بقلق. وبعدما تجاوزت نصف السوق دلوني علي بائعي الأجهزة الإلكترونية، ووجدت ضالتي، في رجل خلف بضاعته وبجواره زوجته يصفون علي منضدة أجهزة متعددة: تليفزيونات، ريسيفيرات، فيديوهات، بلاي ستيشن، بينما زملاؤه البائعون حوله، وأمامهم أكوام خردة من نافيات إلكترونية تحيطهم من كل جانب.
مايهمني التقاط صور ترصد ذلك، ترددت في إخراج "الكاميرا"، تذكرت أن: التصوير بالموبايل احيانا أفضل من الكاميرا تجنبا لخلق المشاكل، لكن لقطات المحمول ليست بالجودة، ما أنقذني وجود بائع للكاميرات؛ فادعيت عيبا في كاميرتي قد يستطيع معالجته، فتمكنت من التقاط صوري، والبائع لم يخذلني، وعرض لي كاميرات فيلمية قديمة يراها أفضل من الرقمية التي معي، سألته عن سعرها ففاجأني بسعر ماركة عالمية مشهورة بين 57إلي 051جنيها، فأمهلته حتي أكمل زيارة السوق.
اتجهت إلي خالد- بائع نفايات موبايلات - وقد تجمهر حوله زبائن كثيرون، لأجد محمد يعتب عليه من تعطل بطارية الموبايل التي اشتراها منه الجمعة الماضية، فيطلب منه خالد استبدالها بأخري، ويبدأ عرض بضاعته؛ أغلي موبايل لديه "تاتش" سعره 07جنيها، و يبيع كافة أنواع البطاريات المتهالكة، فسألته عن موبايل أرخص أهديه لأخي، فأجابني باسم أشهر ماركات بسعر 03جنيها فقط، طلبت منه إلتقاط صور للموبايلات كي يختار أخي ما يشاء، ولم يمانع.
❊❊❊
اختراع القصص كان وسيلتي لالتقاط الصور والتحدث مع الباعة، فقلت لبعضهم إنني طالبة بكلية الهندسة وأرغب في تصوير الأجهرة لتوثيقها ضمن بحث أعكف عليه؛ هناك من رحّب، ومن رفض بشدة، لتبدأ الكاميرا في التقاط تليفزيونات قديمة، أجهزة راديو، وأطباق (الدش)، وشاشات كمبيوتر، وسي ديهات، وأجهزة تليفونات، وشواحن موبايل وشرائط فيديو.
وعند بائع الريموت كنترول تهجم علي زميله يتهمني بأني من الذين يفضحونهم علي النت لتشويه صورة مصر، أقنعته بهويتي الزائفة، فسمح لي بالتقاط صور عديدة وكشف لي عن مصدر هذه النفايات التي يجهل أضرارها، وقال إنها إما مسروقة ويقومون بإصلاحها وبيعها للناس، أو غير صالحه للاستعمال (روبابكيا)، ويضرب لي مثالاً بصديقه فهمي الذي يسرق الكلكسات من أجل بناته الخمسة، ليبدأ باقي الباعة في الاعتراف علي أنفسهم بسرقة بضاعتهم من مصادر مختلفة، فما يجمعهم هو الفقر.
❊❊❊
لم أكن أعلم أن هناك من يراقب خطواتي منذ أول صورة، يهمس في أذني بغتة "ليس هذا بالمكان المناسب لك، ماذا تريدين؟!"، رعبي من طريقته، جعلني أكشف عن هويتي الصحفية، فنصحني أيمن "بائع نفايات إلكترونية" بالتزام الصمت حتي لا يضرني أحد، وتحدث عن غلابة يبحثون عن بضاعة رخيصة، دون النظر إلي مصدرها، حتي لو كانت مسروقة، رافعين شعار "الذنب يقع علي من سرق وليس علي من اشتري بضاعة مسروقة"!!
وتعد "أجهزة الكمبيوتر ومكوناتها" أكثر النفايات إقبالا عليها، خاصة من الشباب وأصحاب مراكز الصيانة والطلاب ومهندسي الكمبيوتر، من المحافظات المختلفة وكل منهم له غرض يبحث عنه، فهذه المكونات منها السليم ومنها ما لايصلح للعمل، ومع ذلك هناك من يُقبل عليها لإصلاحها أو لاستخدامها كقطع غيار واسعارها حسب حالة القطعة ونوعها.
يمضي معي أيمن - لمغادرة السوق بعد انتهاء عملية البيع والشراء - شاكياً تدهور حاله بعد الثورة، وسيطرة كبار التجار علي البائعين، خاصة أصحاب مخازن الخردة الذين يمتلكون جبالاً من النفايات الإلكترونية، ليتوقف أمامنا ميكروباص يتصارع عليه الركاب ليعود بنا إلي السيدة عائشة.
مواد سرطانية تفتك
ب »عروس البحر المتوسط«
الناصرية .. مدفن واحد لا يكفي (!)
في مدينة السحر والجمال "الإسكندرية" تتجمع يومياً سموم وإشعاعات في مدفن يعجز عن استيعاب آلاف الأطنان من النفايات المكتظة بالروائح الكريهة والمواد المسرطنة، لتتحملها عروس البحر المتوسط وحدها لأكثر من عشر سنوات، عندما قررت عام 2000م احتضان أول مشروع لمعالجة المخلفات الخطرة غير العضوية وهو "مدفن الناصرية".
بوصولك إلي "مدفن الناصرية" تجده محاطا بسور من الطوب من جميع الاتجاهات بطول 500 متر وعرض 300 متر وبارتفاع 3 أمتار وله بوابتان بعرض 5 م، ويتكون من مبني إداري عبارة عن دور أرضي علي مساحة (250 م2) به 6 مكاتب إدارية ومعمل كيميائي وحجرة ميزان ، ومبني للحملة الميكانيكية والجراج يشمل مكتباً وورشة لحام كاوتش وجراجاً للوادر وسيارتين نقل إحداهما للسوائل والأخري للمخلفات الصلبة.
ويوجد مدفن مبطن بطبقات عازلة يشغل مسطح 14000 م2 بعمق 2 متر، وذلك تمشيا مع ما هو متبع في النظام الأوربي بهذا المجال، فضلا عن بحيرات التبخير وعددها أربع بمساحة 5000 م2 وهي مبطنة بنفس تتابع الطبقات العازلة ومتصلة بالمدفن بواسطة أنابيب.
إضافة إلي محطة غسيل من أجل تنظيف مركبات نقل المخلفات عقب تسليم المخلفات وقبل مغادرة المنشأ، ووحدة المعالجة الكيميائية الفيزيائية، ووحدة تخزين المخلفات غير العضوية، ووحدة تصليد المخلفات، وبئر لرصد المياه الجوفية بعمق 50 متراً، وغرفة توزيع كهرباء ملحقة بغرفة الأمن في الجهة البحرية الغربية ، ومكبس لكبس البراميل الصاج بعد معالجتها ومجرشة لإعادة تدوير البلاستيك، ووحدة معالجة المخلفات المحتوية علي زئبق (لمبات الفلوروسنت).
وعن اختيار الإسكندرية تحديداً لإنشاء المدفن بها، أرجع د. ضيف سليمان، مدير عام إدارة النفايات الخطرة بالمحافظة، السبب لكونها تضم 40٪ من الصناعة و50٪ من الصناعات البترولية في مصر، فضلا عن صلاحية الموقع من الناحية البيئية حيث تم عمل مسح طبوغرافي للموقع بمعرفة شركة استشارية، وتحليل التربة بمعامل كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، والتي أوضحت أنها ذات نفادية منخفضة للسوائل (10-8 سم/ثانية)، مما يمثل معياراً إضافيا لسلامة احتواء المدفن للمخلفات.
وأكد سليمان دفن 2128 طنا سنوياً من المخلفات الصناعية الخطرة الصلبة والسائلة والحمئة والعضوية، مشيرا إلي أن المخلفات الطبية الخطرة يتم دفنها في المدافن المخصصة لها في منطقة الحمام للوادر بمحافظة مطروح، بينما تدفن المخلفات الصناعية الخطرة الواردة من جميع الأنشطة الصناعية علي مستوي الجمهورية في مدفن الناصرية.
وأضاف: يوجد تعاقد بين المحافظة وشركة النظافة الفرنسية (فيوليا)، والمعروفة سابقاً باسم أونكس، لمعالجة المخلفات الطبية الواردة من المستشفيات والوحدات العلاجية عن طريق التعقيم أولا قبل معالجتها بالدفن، لأنها تعد مواد باسيولوجية، كما أن المدفن يستقبل المخلفات الطبية المتمثلة في الأدوية منتهية الصلاحية والعبوات الدوائية الملوثة، وذلك بناء علي موافقة وزارة الدولة لشؤون البيئة، علي أن يتم حرقها بمحرقة المركز بعد معالجتها حراريا في خلية الدفن الموجودة.
وتابع: المدفن يتسع ل 40 ألف طن من المخلفات الطبية، بالإضافة إلي وحدة »فيزيوكيميائية« لمعالجة المخلفات السائلة الخطرة، ووحدة أخري لمعالجة المخلفات السائلة الشديدة القابلية للذوبان، فضلا عن محرقة لترميد المخلفات التي تحتاج إلي درجات حرارية عالية لمعالجتها قبل الدفن.
وأشار سليمان إلي أن تأثير المدفن علي البيئة ملحوظ حيث يتم تداول المخلفات الخطرة بصورة أفضل، وتحليل المياه الجوفية كل 6 أشهر للتأكد من عدم تلوثها، موضحاً إنشاء المدفن علي أسس علمية واشتراطات بيئية وصحية 100٪ والدليل أن المشروع تعاون مصري فنلندي وحصل علي موافقة من الجهات المسؤولة: جهاز شئون البيئة بالقاهرة، وزارة الدفاع، وزارة الزراعة، جهاز حماية أملاك الدول، منطقة آثار غرب الدلتا، الإدارة العامة للتخطيط العمراني، وزارة الإسكان، كما أن فنلندا لديها ضوابط وأصول متبعة في مثل هذه الأمور.
بينما حذر د. هشام صادق ، الأستاذ بجامعة الإسكندرية، من خطورة المدفن وتأثيره المستقبلي علي المياه الجوفية وإعاقته حركة الامتداد العمراني، مما يلزم نقل المدفن إلي مكان بالصحراء غير المستغلة، قائلا: الزحف السكاني قادم لا محالة إلي غرب الإسكندرية.
وأوضح أن قضية "مدفن الناصرية" أثيرت قديماً أكثر من مرة، وتبين عدم استعداد الدول المتقدمة لدفن المخلفات الخطرة في أراضيها، بينما تتصدي لهذه المهمة الدول الفقيرة والنامية رغم خطورتها.
ويري د. جهاد أحمد عطا أستاذ الصحة المهنية بقصر العيني أن مدفن الناصرية لا يستوعب سوي 1٪ من حجم المخلفات الصلبة في مصر التي تبلغ 43.8 ألف طن يوميا، منها 10.8 ألف في القاهرة وحدها، و4.6 في الجيزة، و3.8 ألف في الدقهلية، و3.4 ألف في القليوبية، و2.6 في الإسكندرية.
وقال عطا إن سكان مصر ينتجون 20 مليون طن مخلفات صلبة و20 مليون مخلفات زراعية و4 ملايين مخلفات هدم، و130 مليون طن مخلفات طبية، مشيرا إلي أنه ليست هناك أي ضمانة آمنة للتعامل مع هذه المخلفات لما لها من تأثير خطير علي الهواء والماء والتربة والبيئة ونشر المزيد من الأمراض.
ولفت إلي خطورة المخلفات البلاستيكية؛ نظرا لاحتوائها علي معادن ثقيلة شديدة السمية مثل النحاس والرصاص والكروم والكوبلت والكادميوم، وهذه المعادن تسبب الأنيميا، فضلا عن مركبات الدايوكسين التي تسبب السرطان وتؤثر علي الجهاز التناسلي لدي الجنسين، وتتلف جهاز المناعة وتؤثر علي إفراز الحيوانات المنوية وظهور سرطان الخصية والبروستاتا، كما تسبب التهابات في البطانة الداخلية لرحم المرأة ولا يوجد معدل آمن للتلوث به، مما يجعلها تهدد الحياة لأن التعرض ولو لكمية ضئيلة منها يسبب السرطان.
مخلفات طبية تصنع الموت
المستشفيات تنشر الأوبئة بين المصريين
يتعالج المريض بالمستشفي دون أن يشعر بانتقال مرضه سواء معديا أو غير معد لغيره؛ فكل ما استخدمه من حقن وشاش وغيارات ملوثة بدمه، تعد "نفايات طبية" تحمل الأمراض والأوبئة لكل مَن يتعرض لها بطريقة مباشرة كالأطباء وطاقم التمريض والعاملين بالمرفق الصحي، لكن الخطورة لم تتوقف عند هؤلاء، بل لحقت بكل المصريين، نتيجة لوجود مافيا استغلت عدم التزام بعض المستشفيات والعيادات بالتخلص الآمن من مخلفاتها بإعادة تصنيعها مرة أخري في مصانع غير مرخصة لتدخل في مستلزماتنا اليومية.
"محاولة فاشلة" أرددها قبل توجهي للاطلاع علي محارق مستشفي الدمرداش والبحث حول أزمة إدارة المخلفات الطبية، اختصرت الطريق بالذهاب مباشرة إلي وحدة مكافحة العدوي، ليخبرني مصطفي عرفة رئيس الوحدة عن استعداده الكامل في إرشادي لهذه المحارق وكيفية معالجتها للنفايات، بشرط حصولي علي موافقة من رئيس المستشفي، وبمجرد دخولي إلي مكتبه أشار السكرتير إلي صعوبة التحدث مع أحد عن مخلفات المستشفي دون موافقة رئيس عام مستشفيات جامعة عين شمس د. عادل الناظر، رغم أن إجابته ستكون بالرفض.
وبالصدفة قابلتني "أم محمد" العاملة التي تقوم بنقل أكياس النفايات الطبية والتي تصنفها إلي: (الكيس الأسود) يحتوي علي مخلفات عادية كالعلب البلاستيكية وغيرها، و(الكيس الأحمر) لمخلفات بقايا الأنسجة ومخلفات الولادة، أما المخلفات الحادة كالمشارط والسرنجات توضع فور استخدامها في صندوق الأمان المصنوع من الكارتون المقوي الصعب اختراقه.
"أم محمد" التي تجاوزت الخمسين من عمرها، كانت ضحية لشكات السرنجات التي توضع بالأكياس بدلا من صندوق الأمان، تعتقد أنها ربما تكون أصيبت بفيروس سي " الالتهاب الكبدي الوبائي c" الذي ينتقل عن طريق المشاركة في الإبر المستخدمة في الحقن الوريدي، وخز الإبر أو نقل العدوي بواسطة العاملين والمرضي إذا لم يتم مراعاة قواعد الأمان، وحينما أرادت أن تشكو حالها جاءها الرد "معلش" علي الرغم أن المادة31 من اللائحة التنفيذية لقانون البيئة تلزم الجهة المستشفي بتوفير الشروط اللازمة لوسيلة النقل أو مكان التخزين لتلك المواد بما يضمن عدم الإضرار بالبيئة أو بصحة العاملين أو المواطنين .
أما في مستشفي سمنود العام المركزي، فتنتشر النفايات الطبية من " مشارط وسرنجات وشاش ورباط ضغط والغيارات الطبية الملوثة " بدلا من الورود في حدائق المستشفي، مما يهدد حياة الآلآف من أهالي المناطق المجاورة، وفق تقرير حالة البيئة الذي أكد أن التعرض المباشر لتلك النفايات له تأثيرات مؤقتة مثل الدوار والصداع والغثيان، وتأثيرات دائمة مثل السرطان والعجز "الجزئي والكلي" بالإضافة إلي أمراض الجلد والجهاز التنفسي المزمنة.
ويقول حسن علي - أحد سكان المنطقة المجاورة للمستشفي - أنه قدم العديد من الشكاوي والفاكسات إلي مجلس مدينة سمنود وهيئة وزارة الصحة بالغربية دون أي استجابة أو تحرك ملموس من قبل المسئولين عن متابعة القطاع الطبي الصحي، مشيراً إلي أن التقصير في مجال مكافحة العدوي والوبائيات المرتبطة بالمستشفي خطر كبير علي حياة المرضي و آلاف الأسر من أهالي سمنود.
وأضاف محمد المصري، باحث كيميائي من أبناء مدينة سمنود، أن تلك المخلفات مصدرها المريض وقد تحتوي علي مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، والمعروف عن هذا النوع من المخلفات أنه أكثر خطورة من أي نوع آخر من المخلفات لما قد تسببه من أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار، ولفت إلي ضرورة تقديم إرشادات حول نقل هذه المخلفات وطرق التخلص منها دون تدمير وتلويث البيئة المحيطة للمرفق الصحي، فضلا عن التوعية بسلامة الحقن بالإبر عند التعامل مع المرضي أو في حملات التطعيم مع الإشارة إلي الطرق السليمة للتخلص منها.
وحسب تقديرات وزارة الصحة فإن كميات النفايات الطبية تقترب من 391 طناً يوميا، ويعد 75- 90 ٪ من هذه المخلفات غير خطرة بينما 10-25 ٪ منها مخلفات خطرة وقد تكون مشعة أو سامة أو معدية؛ مما يعني أن المخلفات اليومية الخطرة والمعدية قد تصل إلي حوالي 100 طن يوميا تحمل آلاف الفيروسات والأمراض المعدية التي يمكننا تجنب أخطارها في حالة التخلص بشكل آمن ووفقا للمنظومة المتكاملة لإدارتها ومراحلها بداية من "الفصل والجمع ، النقل، التخزين، المعالجة وأخيرا الدفن الصحي".
هذه النفايات والتي تنتج من المنشآت الصحية والتي اقترب عددها ل 165 ألف منشأة في مصر من مستشفيات، عيادات، مراكز ومعامل؛ أنتجت لنا مافيا تقوم بإعادة استخدام الحقن البلاستيكية الطبية بدلا من إعدامها بالحرق والتخلص منها نهائيا، حيث يستغلها عمال النظافة بالمستشفيات ويبيعونها لبعض التجار الذين يشترونها ملوثة ويبيعون المائة حقنة منها ب 5 و 10 جنيهات، وتعد منطقة المعتمدية بالجيزة موطناً لتجار يشترون الحقن من عاملي النظافة بالمستشفيات لإعادة تصنيعها بطرق عديدة فإما طحنها وتسييحها وإعادة صناعتها علي هيئة (ملاعق - علب كشري علب زبادي وغيرها)، ومنها من يغسل ويتم تعبئتها من جديد وتباع في الصيدليات علي أنها حقن جديدة.
التقينا ب "أبو أيمن" تاجر نفايات طبية منذ أكثر من 45 عاما، والذي أوضح أن مهمتهم هي شراء وإحضار الحقن والمخلفات الطبية مثل جراكن الغسيل الكلوي أو أكياس الدم الفارغة، ويقع العبء الأكبر بعد ذلك علي زوجته وأولاده في البيت ليقوموا بعمليات الفرز والتصنيع، مشيراً إلي زجاجات الأدوية التي تباع لمرضي فيروس سي ومرضي الكبد حيث تصل سعرها إلي 1200 جنيه تقريبا، فيأخذها فارغة من المستشفيات ب 200 جنيه وتعبأ بدواء آخر من أي نوع ويعاد طرحه بالأسواق علي أنها من نفس نوع الدواء الغالي وتباع ب 1200 جنيه، ويقول إن هذه المهنة مصدر رزق لهم ولأجدادهم منذ سنوات ربما تصل لنصف قرن.
وتأتي العيادات الخاصة علي قائمة المتورطين في أزمة النفايات الطبية، فمعظمها لا تلتزم بعملية نقل مخلفاتها، بل تلتزم ورقيا فقط من خلال التعهد أمام وزارة الصحة بالتخلص الآمن لتحصل علي تصريح مزاولة المهنة حسب وصف د. وحيد إمام رئيس الإتحاد النوعي للبيئة لذلك فالعيادات تمثل خطراً كبيراً خاصة النفايات الفيروسية التي تنتج عن غرف العمليات والتي يصعب التخلص منها بسهولة.
ويواصل: أستطيع أن أدعي أنه هناك أكثر من 90٪ من العيادات لا تسجل نفاياتها يوميا، ولكن غياب الرقابة والتفتيش يساهم في تفاقم المشكلة، بخلاف عدم التزام كثير من المستشفيات بالتخلص الآمن من نفاياتها، علي الرغم من وضوح القانون وعقوبته، فنحن لا نتعدي نسبة 50 ٪ للتخلص الآمن من النفايات الطبية التي كانت سببا في انتشار أمراض كالايدز والالتهاب الكبدي الوبائي بين المترددين علي المستشفيات.
الطريقة الأساسية المستخدمة في التخلص من النفايات في مصر عن طريق المحارق تظهر أنها غير آمنة تمامًا في دراسة للدكتورة مني جمال الدين أستاذة كيمياء وبيولوجيا البيئة والتي أكدت أن المحارق الموجودة حاليًا لا تعمل تحت ظروف التشغيل السليمة في درجة حرارة تتراوح من 900 -1200 درجة مئوية ولكن الواقع الفعلي يؤكد أن المحارق تعمل في درجة من 400 -500 درجة مئوية فقط ما ينتج منه عدم إتمام عملية الحرق للمخلفات، إضافة إلي انبعاث مادة الديكستين المسببة للسرطان ومرض السكري، فضلاً عن تدمير الجهاز المناعي لدي الإنسان، كما ثبت أن 90٪ من مادة الديكستين المنتشرة في العالم ناتجة من المحارق الخاصة بالمستشفيات، هذا بخلاف انبعاث غازات بالغة السمية، وتشمل الغازات الحمضية وتلك المنبعثة من المعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص والزرنيخ والزنك والمركبات وأول أوكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت.
وفي تقرير صادر عن وزارة البيئة أكد وجود عجز في عدد المحارق بمصر مما يزيد من تفاقم الأزمة، فيصل عددها في القطاع الحكومي والخاص والجامعي إلي 150 محرقة، علي الرغم من أن العدد المطلوب حوالي 410 محرقات ما يعني وجود عجز 260 محرقة، فضلا عن تعطل بعض المحارق مثل محرقة مستشفي القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية والمتعاقدة مع عيادات كثيرة تلقي فيها النفايات الطبية الخطرة، اخر ساعة تتسائل "أين تذهب هذه النفايات رغم تعطل المحرقة؟!".
خدعوك
فقالوا:
الصحراء الغربية ملجأ النفايات الأمريكية
بنقرة واحدة علي محرك بحث "جوجل" ستجد العديد من الروايات المنسوبة إلي مصادر مجهولة الهوية؛ تفيد بتحويل الصحراء الغربية إلي مقابر واسعة لدفن النفايات النووية الأمريكية والإسرائيلية في عهد النظام البائد، ورغم أن الدول المتقدمة تصدر نفاياتها إلي العالم الثالث، ومنها الدول العربية، إلا أن مصر تصدت للمؤامرات الصهيو أمريكية، ومنعت دخول أي نفايات إلي أراضيها، لما لها من آثار سلبية علي البيئة والإنسان، خاصة مع وجود بحيرة من المياه الجوفية تحت رمال الصحراء الغربية والتي تكفي للزراعة المستديمة لأكثر من 300 عام.
وبنفس محرك البحث تتعرف علي المقابر الأصلية للدول المتقدمة، حيث تلقي أمريكا - وفق Greenpeace المنظمة الدولية لحماية البيئة بهولندا - بنفاياتها التي تبلغ 70 مليون طن سنوياً بالمحيطات، ونشرت مجلة "إيكونوميست" في تقرير لها قيام الحكومة الأمريكية بدفن نفاياتها النووية المتمثلة في اليورانيوم المنضب في أراضي الخليج العربي خلال فترة حرب الخليج الثانية وما بعدها، وتحويل العراق إلي مكب للمواد الخطرة.
أما إسرائيل - الدولة الوحيدة المالكة لأسلحة نووية في منطقة الشرق الأوسط فمن أكثر الدول تصديرا للنفايات النووية، حيث تقوم بدفن نفاياتها النووية في الأراضي العربية المحتلة - حسبما ذكرت جريدة أخبار النقب - وفي أماكن مأهولة بالسكان، مثل أراضي الجولان السوري المحتل وفلسطين وجنوب لبنان وقريباً من الحدود الأردنية.
وفي عهد النظام البائد؛ طالبت الحكومة الأمريكية السلطات المصرية بإقامة مدافن لنفاياتها في الصحراء الغربية، لتكون قريبة من محطة الضبعة النووية لتستغل تلك المدافن أيضا لدفن أي نفايات مشعة تنتج عن تشغيل المحطة، وذلك مقابل زيادة المعونات الأمريكية المقدمة لمصر سنوياً.
مما يستلزم البحث وراء هذه الروايات للتأكد من مدي صحتها، بالعودة إلي هيئة الطاقة الذرية - الجهة الأولي المناط بها أي موافقات تخص النفايات أو المواد المشعة وبعد أسبوع من المحاولات في أخذ أي تصريح يوضح الحقيقة، قال د. ياسر توفيق، متخصص في هيئة الطاقة الذرية، إن هناك سيناريو مخيفا إذا دفنت نفايات الدول المتقدمة في مصر دون دراسات، فيمكن أن تتسرب إلي المياه الجوفية والسطحية، وينتقل الإشعاع إلي الكائنات الحية لتتركز في أجسام الحيوانات و الأسماك والطيور عبرالمسارات البيئية والجيولوجية والسلسلة الغذائية، وعندما تصل إلي الإنسان يتعرض لجملة من المخاطر، أيسرها الإصابة بالأنيميا (فقر الدم).
ومن المخاطر الأخري، كبح نشاط جهاز المناعة في الجسم، وبالتالي التعرض المتكرر للإصابة بأمراض متعددة لا يصاب بها الإنسان في حال نشاط جهاز المناعة.
أما أخطر آثار التعرض للإشعاع فهو الإصابة بالسرطان، خاصة سرطان الجلد، وعلي المدي البعيد يمكن أن يؤدي الإشعاع إلي الإصابة بالعقم، والي إحداث تحورات في الجينات الوراثية تؤدي إلي تشوهات خلقية.
وبينما يحدث فقر الدم في غضون أيام أو أسابيع قليلة من التعرض للإشعاع، فإن الإصابة بالسرطان تحدث بعد زمن أطول عدة شهور أو سنوات تبعًا لمقدار الإشعاع، أما الاشعاعات عالية المستوي فتسبب الوفاة، والأكثر عرضة لذلك العمال في المدافن النووية. وإذا حدث ذلك في مصر ستكون كارثة علي الإنسان والبيئة والمياه؛ فمن المستحيل علي دولة نامية معالجتها لأنها مكلفة وغير مضمونة، لذلك فكل الرويات التي تقول إن الصحراء الغربية تحولت إلي مكب للنفايات النووية الأمريكية والإسرائيلية ليس لها أي أساس من الصحة؛ فلا تستغني الدولة الغنية عن النفايات عالية الإشعاع أو الوقود المستنفذ لما يحتويه علي أثمن المعادن (اليورانيوم) المستخدم في صناعة القنابل والأسلحة النووية.
ويضيف: من حسن الطالع أن معظم النفايات النووية ذات مستوي إشعاعي منخفض، والمتبع في معظم المفاعلات في العالم تحويل تلك النفايات إلي كتلة صلبة بخلطها مع الأسمنت، ثم وضعها في أسطوانة من الحديد، ووفقًا للتعليمات الدولية، تلقي أسطوانات الحديد المحتوية علي عادم نووي في مياه لا يقل عمقها عن أربعة كيلومترات، وعلي بعد مائة كيلومتر من الشواطئ في أي اتجاه، ولا تفي بهذه الشروط إلا المحيطات الكبري، ولذلك فإنها المستودع العالمي للنفايات النووية.
ويشير توفيق إلي وجود محطات رصد لسواحل مصر خاصة الحدود مع إسرائيل، للكشف عن أي عمليات تهريب للمواد المشعة أو دخول سفن محملة بالنفايات النووية إلي الأراضي المصرية، وأيضا المحافظات لتتبع أي تسرب إشعاعي إلي المياه الجوفية والتربة، ويتم أخذ عينات من وقت لآخر لتحليلها والتأكد من سلامتها.
وهذا ما أكد عليه د. محمد عبد الجليل، رئيس قسم دورة الوقود النووي بمركز الأمان النووي، بعدم وجود نفايات مشعة من خارج البلاد داخل الحدود المصرية وفقا للقانون النووي لعام 2010، وتقوم الدولة بإعادة النفايات النووية التي تنتج من المصادر التي نستوردها للطب والعلاج إلي البلد المستورد منها.
وعن مصدر النفايات النووية بمصر أوضح أن هناك كميات مهولة منها تولد من استعمال النظائر المشعة في العديد من مجالات الحياة الطبية والزراعية والصناعية والبحثية، ففي مجال الطب يتم استخدام هذه النظائر في تشخيص العديد من الأمراض مثل: فحوص الغدد، الفحوص الكلوية، فحص القلب، الفحوص المعوية، الفحوص الرئوية، فحوص الكبد والبنكرياس، فحوص إلخ، وفي علاج السرطان حيث تخترق أشعة جاما المنبعثة من النظائر الأنسجة وتقتل الخلايا السرطانية.
وتتولي هيئة الطاقة الذرية تسلم هذه النفايات ومعالجتها بمركز المعامل الحارة بأنشاص، ويقوم مركز الأمان النووي بالرقابة والتأكد من إدارتها بطريقة آمنة بإشراف مجموعة من المتخصصين.
ويتم التخلص من النفايات إما عن طريق الترسيب الكيميائي أو التبادل الأيوني، حيث تحاط المواد المشعة بعد تبريدها بطبقة من الإسمنت ويتم وضعها في كونتينر (حاوية للحفظ مصنوعة من الخرسان) وتدفن في مقابر علي أعماق كبيرة في باطن الأرض وفي أماكن بعيدة عن العمران والمياه الجوفية، ويسمي ذلك تخزين طويل الأمد.
ويقسم د. محمود علي، أستاذ مساعد كيميائي إشعاعي بمركز المعامل الحارة، "العادم النووي" Nuclear Waste من حيث النشاط الإشعاعي إلي ثلاثة مستويات : العادم النووي المستوي المنخفض، وهو الذي يصدر عنه نشاط إشعاعي لا يتجاوز مائة كوري لكل متر مكعب من العادم، والعادم ذو المستوي المتوسط، وهو الذي يصدر عنه نشاط إشعاعي لا يزيد علي عشرة آلاف كوري لكل متر مكعب أما العادم ذو المستوي العالي، فهو الذي يصدر عنه نشاط إشعاعي يصل إلي عشرة ملايين كوري لكل متر مكعب.
ويوضح أن دول العالم النامي غير منتجة للنفايات الصلبة عالية المستوي الإشعاعي لكن يوجد بها المستويان الآخران، ففي مصر ينتج مفاعل البحث الأول والثاني نفايات خطيرة يصعب التخلص منها؛ ويتم تخزينها وتسميتها بالوقود المستنفذ، رغم وجود مدفن للنفايات قليلة الإشعاع فقط بأنشاص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.