يقول د. سالم عبد الجليل »وكيل أول وزارة الأوقاف لشئون الدعوة« إنها سميت بليلة القدر لعدة أسباب الأول لشرفها وعلو قدرها فالعبادة فيها أفضل من العبادة في 38 سنة.. والثاني لأنها تقدر فيها مقادير العام الذي يليها فيفصل من اللوح المحفوظ إلي كل ملك أوكل إليه القيام به في كل عام، فملك الموت علي سبيل المثال يعلم في ليلة القدر الأرواح التي سيقبضها في العام التالي وهذا معني قوله تعالي: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم) سورة الدخان.. والسبب الثالث لأن الأرض في هذه الليلة تضيق رغم اتساعها لكثرة نزول الملائكة إلي الأرض في هذه الليلة ويكون القدر هنا بمعني الضيق. وحول تسميتها بالليلة المباركة يواصل د. سالم عبد الجليل حديثه بأن الله جل وعلا سماها مباركة كما قال سبحانه: »إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ« ومن بركاتها أن الملائكة تتنزل فيها من السماء كما قال سبحانه: ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا«.. والروح هو جبريل عليه السلام. وقد صح عنه [: (إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصي) ومن بركاتها ما صح عنه صلي الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. تحري ليلة القدر ويحار الكثيرون حول الموعد الدقيق لليلة القدر وهنا يقول د. سالم عبد الجليل: وردت أقوال عديدة في تعيين ليلة القدر مع اتفاقهم أنها في العشر الأواخر من رمضان، لأنه صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان إذا دخلت العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله وكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها (صحيح البخاري) وكان صلي الله عليه وسلم يقضيها معتكفاً في المسجد منقطعاً لعبادة ربه (متفق عليه) وعلل العلماء ذلك بالتماسه لليلة القدر.. واتفق العلماء أيضًا علي كونها في الوتر من العشر الأواخر, لما صح عنه صلي الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" سر اختلاف العلماء وحول كونها ثابتة أم متنقلة في كل عام يتابع فضيلته: اختلف العلماء في ذلك، لكن أصح الأقوال أنها تتنقل في الوتر من العشر الأواخر، فسنة تكون ليلة إحدي وعشرين وسنة تكون في غيرها من ليالي الوتر, كما صح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: "أريت ليلة القدر فنسيتها وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين" (متفق عليه).. ويقول الصحابي راوي الحديث: فمطرنا ليلة إحدي وعشرين فخر المسجد فصلي بنا النبي صلي الله عليه وسلم الصبح فسجد في ماء وطين.. وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: "تحروا ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين" . وصح عنه صلي الله عليه وسلم: "»التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين" وقوله: "تحروا ليلة القدر فمن كان متحريها فليتحرها في ليلة سبع وعشرين".. ليلة سبع وعشرين وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره إني لأعلم أي ليلة هي.. هي الليلة التي جمع فيها النبي صلي الله عليه وسلم أهله والناس أجمعين فصلي بهم حتي الصبح ليلة سبع وعشرين, ففي تلك السنة كانت ليلة القدر ليلة سبع وعشرين.. وصح عنه صلي الله عليه وسلم: "التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من ليالي رمضان" (اخرجه البخاري) أي ليلة تسع وعشرين. فكل تلك الروايات الثابتة عنه صلي الله عليه وسلم تدل بوضوح أنها لا تلزم ليلة السبع والعشرين في كل السنين بل ربما كانت في سنة في ليلة إحدي وعشرين وفي سنة أخري في ليلة ثلاث وعشرين وهكذا إلي تسع وعشرين.. ولما كان دخول شهر رمضان غير قطعي فرب ليالٍ نعدها أوتاراً هي في واقع الأمر شفعاً ليست بوتر وإذا كان الأمر كذلك فإن العاقل لا يقصر نشاطه علي الأوتار من العشر بل يجتهد العشر كلها مقتدياً في ذلك برسول الله صلي الله عليه وسلم: قدوة الرسول الحسنة »لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً«. وعن الاعتكاف طلبا لليلة القدر يشير د. سالم عبد الجليل إلي أن الاعتكاف سُنة نبوية في العشر الأواخر من رمضان، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر طلبًا لليلة القدر. والاعتكاف سنة مؤكدة، واظب عليها النبي صلي الله عليه وسلم حتي توفاه الله، واقتدي به في ذلك أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين فهو أفضل وسيلة لترصّد ليلة القدر والتعرض لها، ومن لم تسمح له الظروف فليكثر المكوث في المسجد في هذه العشر، وليشهد صلاة القيام حيث تقام في المسجد، فمن حرم فضل هذه الليلة فقد حرم خيرًا كثيرًا. أمارات الليلة وتثير علامات ليلة القدر فضول الكثيرين، وفي هذا السياق يقول فضيلته: إن لليلة القدر أمارات وعلامات صح بعضها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم. ولم يصح بعضها.. وما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أن السماء في صبيحة ليلة القدر تكون صافية من السحب والشمس لا شعاع لها فتأتي بيضاء كالقرص لا شعاع لها.( صحيح مسلم).. وثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة، ورواه الطيالسي أيضاً في مسنده، وهو حديث سنده صحيح، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة).. كما ثبت عند الطبراني بسند حسن، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( إنها ليلة بلجة أي: منيرة مضيئة، لا حارة ولا باردة، لا يرمي فيها بنجم) أي لا تري فيها الشهب التي ترسل علي الشياطين. ويتابع فضليته أن هناك حديثا رواه أحمد في مسنده، عن عبادة بن الصامت، وهو حديث طويل وعجيب في ذكر بعض خصائص ليلة القدر.. قال فيه النبي صلي الله عليه وسلم: ( إنها ليلة صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً، وهي ليلة ساكنة صاحية، لا حر فيها ولا برد، ولا يحل لكوكب أن يرمي فيها، والشمس تطلع صبيحتها مستويةً لا شعاع لها مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ) لأن عادة الشيطان أن يخرج مع الشمس كما في الحديث الصحيح: (تطلع الشمس بين قرني الشيطان).. وفي ليلة القدر فإنه لا يحل للشيطان أن يطلع مع الشمس، أو يجعل قرنيه باتجاه الشمس بحيث تطلع بين قرنيه، والحديث لا بأس بإسناده في الشواهد. وحول العلامات التي لا أصل لها يشير د. سالم عبد الجليل إلي أن بعض أهل العلم ذكروا علامات أخري لا أصل لها وليست صحيحة، كما ذكر الطبري عن قوم أنهم قالوا: من علامات ليلة القدر أن الأشجار تسقط حتي تصل إلي الأرض، ثم تعود إلي أوضاعها، وهذا لا يصح.. وكذلك ذكر بعضهم أن المياه المالحة تصبح حلوةً في ليلة القدر، وهذا أيضاً لا يصح.. وذكر بعضهم أن الكلاب لا تنبح فيها، وهذا لا يصح.. وذكر بعضهم أن الأنوار تكون في كل مكان حتي في الأماكن المظلمة، وهذا لا يصح.. وكذلك قالوا إن الناس يسمعون التسليم في كل مكان، وهذا لا يصح. كنوز ليلة مباركة ويلتقط أطراف الحديث الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة القاهرة متناولا فضل ليلة القدر مشيرا إلي قوله جل شأنه": ليلة القدر خير من ألف شهر", سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها و لأن للطاعات فيها قدرا أعظم وثوابا جزيلا.. وجاء في فضل العمل في هذه الليلة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.. وقال علي وعروة: ذكر النبي صلي الله عليه وسلم أربعة من بني إسرائيل, فقال: عبدوا الله ثمانين سنة ولم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون فعجب أصحابه من ذلك, فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين فقد أنزل الله عليك خيرا من ذلك ثم قرأ سورة القدر, فسر بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وروي عن أبي هريرة قال: " لما حضر رمضان قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قد جاءكم شهر رمضان, شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم, وتغل فيه الشياطين, فيه ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم.. وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا, غفر له ما تقدم من ذنبه " وفي هذه الليلة تنزل الملائكة من كل سماء, ومن سدرة المنتهي إلي الأرض فيؤمنون علي دعاء الناس إلي مطلع الفجر أو أنه يكثر تنزلهم في هذه الليلة لكثرة بركتها شأنهم عند تنزل البركة والرحمة.. وروي عن أنس أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " إذا كان ليلة القدر نزل جبريل في كوكبة من الملائكة يصلون ويسلمون علي كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالي .. ليلة سلام من فضائل هذه الليلة أنها ليلة سلام, أي أنها ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذي وقد جاء في الحديث: " إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتي يضيء فجرها ولا يستطيع أن يصيب فيها أحدا بخبل ولا شيء من الفساد ولا ينفذ فيها سحر ساحر". وحول الدعاء المستحب في هذه الليلة يقول د. عبد الفتاح إدريس: إذا كان الدعاء مستحبا في كل الأوقات, إلا أن الإكثار منه في شهر رمضان وخاصة في العشر الأواخر منه وفي أوتاره مستحب, ومن الدعاء الذي يستحب الإكثار منه " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ", لما روي عن السيدة عائشة »رضي الله عنها« قالت: »يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني«.