عندك هذا العام مايزيد عن خمسين مسلسلا تليفزيونيا، يعني خمسين تترا، بعضها مغني والبعض الآخر موسيقي بلاغناء، وبحسبة بسيطة ستجد أن حوالي خمسين مطربا بين مصري وعربي، شاركوا بالغناء في مقدمات مسلسلات هذا العام، علي اعتبار أن المطرب لايقدم سوي تتر واحد، عكس الممثل الذي يمكن أن يشارك في ستة أو سبعة مسلسلات في وقت واحد! وعكس أيضا كاتب الأغاني والملحن! وإذا كان الكتاب بيبان من عنوانه وأحياناً من غلافه، فإن تترات المسلسلات دليل جودة في معظم الأحيان إذا كانت جيدة، ولكنها قد تكون خادعة في أحيان أخري ومستواها أقل أو أعلي من العمل الفني نفسه! ولابد أن تنتابك بعض الدهشة عندما تدرك أن حكاية التترات المغناة، لا مثيل لها في العالم، وأنها جزء من تراث فني قديم لم نتخلص منه بعد، لأن الدراما التليفزيونية عندنا مازالت متخلفة، رغم تحسين وتطوير الصورة والأداء التمثيلي والإخراج، إلا أن فكرة شرح مضمون المسلسل من خلال أغنية المقدمة، عادة أو باب رزق لكثير من الفنانين، يحاولون الحفاظ عليه، لأنه الباب الوحيد المفتوح أمامهم حاليا!! تشكك في المعلومة براحتك، ولكن تابع حتي المسلسلات التركي التي حققت نجاحا مؤخرا، مثل العشق الممنوع ،وقبلها نور ومهند، حتي فاطمة، وحريم السلطان لن تجد إلا مقدمات موسيقية تصاحب التترات بدون غناء! تابع بقي المسسلات الأمريكية الشهيرة أو الأوروبية سوف تكتشف أن الدراما العربية فقط هي التي تحافظ علي تقليد التتر المغني!! استخدام أغنية التتر، بدأت مع الإذاعة، التي كانت تستخدم الأغنية لشرح مضمون المسلسل أو حتي البرنامج، نظرا لغياب العناصر الفنية الأخري، مثل الصورة والديكور، وشكل الممثل، بينما يتركز كل التأثير في عنصر الصوت فقط، مثلا البرنامج الفكاهي ساعة لقلبك، كانت مقدمته عبارة عن أغنية، تقول كلماتها (ساعة لقلبك تضحك فيها، خلي الدنيا كمان تضحك لك، إوعي تكشر أبداً ليها، مين تضحكله ويكشر لك ساعة لقلبك)، طبعا كانت الأغنية ضرورية وحتمية مع برامج الاطفال، وبرامج المسابقات، أما المسلسلات الإذاعية فكانت الأغنية فيها من أهم عناصر الجذب وأكثرها قوة، بداية من "ألف ليلة وليلة، كل ليلة ليلة" إلي مسلسلات شهر رمضان التي كان يتباري فيها كبار نجوم التمثيل، أشهرهم فؤاد المهندس وشويكار، ثم شويكار وأمين الهنيدي صاحب أكبر نجاحات في المسلسلات الكوميدية الرمضانية، وصاحب أيضا صوت مميز، منحه الموسيقار الراحل سيد مكاوي، الكثير من ألحانه البديعة التي يغلب عليها طابع المرح، هذا ماكانت عليه الأعمال الإذاعية ذات الطابع الكوميدي، أما الاغنية المصاحبة للمسلسسلات الرمضانيه الإذاعية ذات الطابع الميلودرامي، أو الاجتماعي فكان يقدمها كبار المطربين، الذين يشاركون غالبا في البطولة ومنهم شادية بطلة المسلسل الشهير (نحن لانزرع الشوك) المأخوذ قصته عن رواية ليوسف السباعي تحمل نفس الاسم، وكتب كلمات أغنية التتر عبد الوهاب محمد ولحنها بليغ حمدي. وإذا تابعنا بعناية تترات مسلسلات هذا العام، فسوف نجد أن أجملها يعتمد علي الموسيقي بدون غناء، مع ملاحظة أننا نتحدث فقط عن التتر بغض النظر عن قيمه المسلسل نفسه، خد عندك مثلا تترات مسلسل عمر بن الخطاب للموسيقار "رعد خلف"، وتترات نابليون والمحروسة لنفس الموسيقار، ولو أنه اعتمد في تتر البداية علي ترديد الكورس لأغنيه مصر يامه يابهيه للثنائي الشيخ إمام، وأحمد فؤاد نجم، مع توزيع سيمفوني يمتزج بموسيقي رائعه بعد ذلك، تحمل طابع شجن ينتج عن تقليب صفحات التاريخ، وتأمل إحدي وقفات الشعب المصري الصابر دائما ضد جبروت وقسوة المماليك من ناحية، والتصدي للغزو الأجنبي المتمثل في الحملة الفرنسية علي مصر! أما موسيقي تتر (الخواجه عبد القادر) التي وضعها عمر خيرت أيضا، فهي تدخلك علي الفور إلي حالة من الوجد، والتأمل وتتسلل برفق إلي روحك المتعبة، تزيل عنها بعض همومها وتضعك في حالة ترقب لمتابعة قصة الحب المستحيل بين الخواجة عبد القادر، الإنجليزي الذي عاش في مصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وأعلن إسلامه، وبين زينب الفتاة الجميلة الطيبة التي تعيش في سوهاج مع شقيقها صاحب المحاجر والنفوذ في الناحية، وزوجته الغيور الشريرة التي تكره زينب لجمالها الأخاذ! كما تنقلك موسيقي عمر خيرت الي أجواء روحانية من العشق الصوفي حيث يذوب الإنسان في ذات الخالق، ويرجو التقرب منه، في انتظار لحظة التلاقي! هذا مستوي من الموسيقي البديعة لايحتاج إلي كلمات أغان تعبر عن مضمون المسلسل، وفي نفس الوقت فهي ترتقي لنفس قيمة العمل، لاتقل ولاتزيد عنه، فتصبح أحد عناصره الفنية التي تزيده جمالا وحضورا، ولكن نجد مثلاً موسيقي راجح داود التي وضعها في تترات مسلسل "الصفعة" ترتفع مرات ودرجات عن قيمة المسلسل نفسه، وكذلك الحال مع موسيقي "هشام نزيه" التي وضعها لتتر البداية والنهاية لمسلسل"شربات لوز" الذي تلعب بطولته يسرا،وسمير غانم،هنا الموسيقي تبدو عملاً فنياً قائماً بذاته، ترتفع قامته عن مستوي العمل نفسه! ولاتعبر عنه بأي حال،ولكنك يمكن أن تستمع إليه مستقلاً وتستمتع به دون حاجة لأن ترهق نفسك بمتابعه العمل كله! يشارك هذا العام نخبة كبيرة من نجوم الغناء في أداء تترات المسلسلات.. منهم محمد منير لمسلسل الهروب بطولة كريم عبد العزيز، حسين الجسمي لمسلسل فيرتيجو بطولة هند صبري،ومحمد حماقي لمسلسل 9 شارع جامعه الدول بطوله خالد صالح، ومحمد فؤاد لمسلسل خطوط حمراء بطولة السقا.. ولكن أحدا من هؤلاء لم يستطع أن يترك بصمة أو يرتفع بأدائه الي حد التميز، وينجح في أن يجعل الجمهور يردد أغنيات المسلسلات كما حدث في سنوات سابقة، مع الجسمي في أهل كايرو، ومحمد منير في مسلسل الأطفال "بكار"! بينما من نجح من مطربي التترات هذا العام، قلة من بين خمسين مسلسلا أو يزيد، بينهم أحمد عدوية مع مسلسل "طرف تالت"، وماجد المهندس مع البلطجي وإن كانت كلمات المسلسلين تشرح حال الأبطال، وتبرر سلوكهم المعوج في حالة طرف تالت يقول المطرب "كان نفسي أعيش في الخير، وابعد بعيد ع الشر، لكن لقيت طريق مشيته وأنا مضطر"، بينما يقول مطرب البلطجي "غابت سنين ع الجدع كان لسه في اللفه، عيل في ناسه اتخدع كبير بيتشفي، مداري ورا قوته، والحيرة حا تموته ومهما عمل البدع برضك ولاكفي والكلمات كما نري هي شرح لحال حمزة بطل المسلسل، الذي اكتشف فجأة أن الرجل الذي رباه واحتضنه وجعله ساعده الأيمن هو نفسه قاتل والده، فيسعي للانتقام والبحث عن جذوره، وحقيقة والده الذي تركه في الحياة بدون حماية"هنا تفسر الأغنية الماء بالماء، وهي أقل المعاني تأثيرا تلك التي تسعي لشرح حال البطل أو طبيعة المسلسل، مثل الراوي في حكايات الربابة الذي كان يفسر بين الحين والآخر بعض الأمور خوفا من عدم قدرة المتابع أو الجمهور علي فهم الحكاية! أو المغزي والهدف الذي يسعي العمل الفني لتحقيقه! أما أفضل كلمات تتر لمسلسل أو أكثرها طرافة، فهي إعمل عبيط التي يؤديها فريق "واما" في مسلسل "باب الخلق " وهي أغنية شارحة لطبيعة الزمن الذي نعيشه، الذي يحتاج الي تفتيح مخ، والتطنيش، حتي لايتعرض المواطن للإيذاء أو التنكيل، لأنه زمن الخداع والزيف، وتقول كلمات الأغنية "لولقيت الغش لابس ألف وش، والضلالي طالع يقش لازم يقش، واللي غرقان في الحرام الناس تقابله باحترام، يفتح الباب بالجنيه والناس تقول شرفت خش، إعمل عبيط خليك حويط".