لم يتعامل القائمون علي أمن بلادنا بجدية مع معلومات مؤكدة تشير إلي قرب استهداف سيناء.. نذر الخطر كانت واضحة ودلالاتها لم تخطئها عين أطلقتها إسرائيل أكثر من مرة.. حذرت رعاياها صراحة من البقاء في سيناء طلبت منهم المغادرة وتنبأت بوقوع حادث إرهابي بها. تصريحات تل أبيب تلك كانت كافية بدق ناقوس الخطر.. والحذر لكن للأسف يبدو أن جهازنا المعني بالتعامل مع تلك المعلومات لم يأخذها علي محمل الجد.. رغم اعتراف مديره السابق اللواء مراد موافي بأن المعلومات التي توفرت لديه تؤكد استهداف سيناء.. فلماذا الصمت إذن!! وما وراءه؟! هل هو سوء تقدير أم تقصير أم تهاون أم عجز أم غض طرف مقصود؟! أعتقد أن قرار إحالة مدير المخابرات للتقاعد كان صائبا وإن كان غير كاف لوضع حد لعلامات الاستفهام التي ستظل معلقة تنتظر تحقيقات جدية تدين وتحاسب وتعاقب كل من تهاون فسهل لارتكاب جريمة رفح التي راح ضحيتها أكثر من خمسة عشر ضابطا وجنديا فضلا عن إصابة أكثر من عشرة جنود. دم شهداء الحدود في رقاب كل من قصر في واجبه.. أرواحهم تنتظر القصاص العادل.. القصاص من كل مسئول ترك سيناء مستباحة وتهاون في إعمارها وتركها نهبا لأعداء الداخل والخارج.. فأصبحت هدفا سهلا لجماعات متطرفة تشكل بؤرا إرهابية تتحين الفرصة من وقت لآخر للإعلان عن تواجدها.. مرة باستهداف السياح وأخري باستهداف دوريات أمنية وثالثة باستهداف الجنود علي الحدود.. الغريب أن يتم التعامل الآن فقط بجدية مع هذه الجماعات وتشن حملة قوية لتمشيط سيناء والقضاء علي بؤر الإرهاب فيها وكأننا اكتشفنا فجأة وجودها وكأننا انتبهنا فجأة لخطرها.. وكأنه قدر علينا أن يكون رد الفعل من نصيبنا.. فننتظر وقوع الكارثة حتي نسرع بالتحرك.. تجاهلنا أن هذه الجماعات يسهل اختراقها ويسهل توجيه عملياتها لخدمة أصحاب المصلحة من المتربصين بأمن مصر.. تجاهلنا أن إسرائيل لها باع طويل في عمليات اختراق تلك الجماعات.. والظنون حول دور العدو الإسرائيلي في العملية الأخيرة ربما تتحول إلي شكوك خاصة مع تزامن هذه الجريمة مع اتجاه مصري لفتح المعابر وإمداد غزة بالكهرباء. أصابع الاتهام تتجه لأصحاب المصلحة والمستفيد من تلك الجريمة وبالطبع تأتي تل أبيب في مقدمة تلك الأطراف المستفيدة بشكل كبير من تلك الجريمة. مستفيدة لإظهار الضعف الأمني المصري خاصة علي الحدود.. مستفيدة لإظهار قدرتها علي اختراق الحدود.. مستفيدة بانتهاز الفرصة لاستهداف مدرعة مصرية.. مستفيدة لإثبات تفوقها وقوتها والتأكيد علي اضطراب حالنا وتشتتنا وارتباكنا. إسرائيل مستفيدة لكنها ليست الطرف الوحيد.. فهناك أيضا في الداخل طرف مستفيد مما وقع في سيناء من جرائم وفوضي أمنية.. هذا الطرف يسعي دائما لاستمرار حالة الاضطراب والانفلات ليثبت أن النظام البائد كان أجدر في تحقيق الأمن.. يريد لنا أن نترحم دائما علي مبارك ونتجاهل أنه كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل باعتراف قادتها.. أصابع الاتهام إذن تطول أكثر من طرف فلول من ناحية وأولاد العم الخبثاء من ناحية أخري.. لكنها أيضا تتجه بقوة لتلك الجماعات الإرهابية المتطرفة التي يسهل توظيفها واستغلالها واللعب علي ضعف عقلها وظلامها وجهلها لتوجيهها إلي أهداف لا تصب إلا في صالح أعداء هذا البلد.. ما حدث من جرائم في سيناء وما يتوقع أن يتم فيها من جرائم أخري يتطلب فتح هذا الملف بشكل جدي يجب أن تتغير نظرتنا وعقليتنا في التعامل مع أرض السلام.. وإذا كنا نعرف جميعا أن من أكبر أخطاء وخطايا النظام السابق إهمال مشكلة سيناء فإنه من غير المقبول أن يستمر نظام ما بعد الثورة في التعامل معها بنفس الأسلوب. لاتكفي حملات التمشيط.. ولا تكفي الحملات الأمنية.. فالحل ليس أمنيا فقط ولاينبغي أن يكون وإلا زادت المشكلة تعقيدا. الحل يكمن في إعمار سيناء وتعزيزها بالبشر قبل السلاح.. البشر هم القادرون علي حمايتها.. القنبلة البيولوجية هي الأكثر جدوي في حل مشكلة سيناء.. الكل يعلم ذلك والحديث عن إعمار سيناء ليس بالجديد لكنه للأسف موسمي لايتعدي أيام الأعياد والاحتفالات ولايتجاوز حد الأغاني التي نتشدق بها كل عام بأن سيناء رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد. لكن الواقع.. وهذا هو مكمن الخطر يؤكد أنها لم تعد إلينا بالكامل كما ظننا ولذلك لايمكن لمصر أن تصبح في عيد إلا بعد إعمار سيناء بالمصريين واستعادة السيطرة الكاملة عليها وهو ما يتطلب كما نادي الجميع أيضا بإعادة النظر في الملاحق الأمنية لمعاهدة السلام لتعزيز التواجد الأمني بها ومواجهة أي خطر محتمل سواء من قبل الجماعات المتطرفة أو غيرها،، الخطر يتطلب منا الحذر والتعامل بجدية مع هذا الملف الشائك.. من غير المعقول أن ننتظر وقوع كارثة أخري.. يجب أن نتعلم من أخطائنا سريعا حتي لاتتكرر المأساة ولا نلدغ من الجحر مرة أخري.