لم تكن الانفجارات الثلاثة التي استهدفت أنابيب النفط اليمنية سببا وحيدا في إثارة مخاوف المراقبين للمشهد السياسي اليمني.. فالأخطر من وجهة نظرهم يكمن في ذلك التحالف المتنامي بين القبائل هناك وتنظيم القاعدة.. والذي يجعل شبح طالبان مطلا بقوة في سماء صنعاء مهددا إياها بواحد من أهم مصادر الخطر المتربص بها. وبالرغم من محاولات القبائل نفي تلك العلاقة إلا أن شواهد عديدة تؤكد أنها قديمة وحميمية وأنها قابلة للتزايد بفضل مجموعة من العوامل أهمها طبيعة اليمن الجغرافية وظروفه الاقتصادية وقوة الأعراف القبلية التي تجيد القاعدة استثمارها لصالحها لتثبيت تواجدها في اليمن واختراقه.. وهو ما يدفع للتخوف علي مستقبل اليمن وتحولها إلي أفغانستان أخري وإن كانت احتمالات تكرار السيناريو تحمل ملامح أكثر كارثية وخطرا. كثيرة هي الأدلة التي يسوقها المراقبون للتدليل علي تلك العلاقة التي تربط تنظيم القاعدة بالقبائل اليمنية، ليس أولها وقوف إحداها بقوة لرفض تسليم رجل الدين المتشدد أنور العولقي لتضرب بالتعليمات الأمريكية عرض الحائط التي جعلت من العولقي المطلوب الأول لها ولتضطر مع إصرارها الحكومة اليمنية لتبني وجهة نظر القبائل في التعامل معه. إلا أن هذا الموقف لم يشفع للسلطات اليمنية بعدما استهدفت عن طريق الخطأ الشيخ جابر الشبواني أثناء قيامها بهجوم جوي لسيارتين اشتبه في وجود أعضاء من تنظيم القاعدة بهما، وجاء مقتل الشبواني ليثير غضب قبيلته آل شبوان ويشعل ثورتهم ضد الحكومة فبدأت سلسلة من الانفجارات التي استهدفت بها أكثر من أنبوب نفط، وليتعرض بعدها أيضا أحد خطوط الكهرباء المهمة إلي عمل تخريبي وهو ما أدي إلي توقف نقل الطاقة من محطة كهرباء مأرب إلي المناطق التي يغذيها حيث تعتبر محافظة مأرب مخزن الطاقة الأول لليمن. وفي المقابل سارعت السلطات اليمنية بالرد والذي جاء من وجهة نظر الخبراء اليمنيين مبالغا فيه حيث تم إطلاق المدفعية لتصيب منازل العديد من المواطنين المدنيين وهو ما دفع القبائل أيضا للاستمرار في عمليات المواجهة التي تشنها ضد الحكومة. مواجهات ومواجهات مضادة دفعت مجلس تحالف قبائل محافظتي مأرب والجوف من التحذير أن تتحول هذه المناطق إلي صعدة أخري متهمين القاعدة والدولة معا في إشعال الحرائق بما وصفوه »بالمسرحية الهزيلة« التي تشهد مأرب تفاصيلها ولا يدفع إلا الأبرياء ثمنها، مؤكدين أن استمرارها سيدفع القبائل للدفاع عن نفسها ومقابلة الدم بالدم والهدم بالهدم. وأكد البيان أيضا أن مأرب لن تكون ملاذا للإرهاب إلا أن القبائل قد تتخلي عن مسئوليتها لمنعه إذا لم تتدخل الدولة من خلال قرار سياسي لحل الأزمة التي تشهدها تلك المحافظة. اشتعال ثورة غضب القبائل دفعت السلطات اليمنية لمد جسور الحوار معها وللتأكيد علي سياستها لتثبيت الأمن والاستقرار فيها. واستجاب مشايخ وأعيان بعض القبائل للحوار مستنكرين الأعمال التخريبية وإبداء استعدادهم للوقوف إلي جانب الدولة لمواجهتها. رسائل التطمينات المتبادلة بين السلطات اليمنية والقبائل لم تنجح في وأد بذور الشك في تنامي العلاقة بين تلك القبائل والقاعدة، مؤكدين علي أن شيوخ القبائل تساير السلطة للحصول علي أكبر دعم مادي ممكن منها في الوقت الذي تستمر فيه بالتعاون مع تنظيم القاعدة. ويسوق المحللون اليمنيون مجموعة من العوامل التي تؤكد علي أن هذه العلاقة قديمة ومتينة وأن القاعدة تشكل مع القبائل نسيجا واحدا في اليمن. أهم تلك العوامل هي طبيعة المجتمع اليمني القبلي والذي تتضافر معها طبيعته الجغرافية الجبلية الوعرة لتعزز من دور القبائل وسطوتها هناك لتشكل مركزا للسلطة والقوة يسير متوازيا مع سلطة الحكومة وإن كان يتمتع في بعض المناطق بنفوذ أكبر وقدرات أكبر من قدرات الدولة، فالمناطق الداخلية الشمالية والشرقية من اليمن تشهد هذه السطوة لنفوذ القبائل المدججة بالسلاح والقادرة علي جمع آلاف المقاتلين ليصبح دور الشرطة والجيش في مواجهتهم أمرا صعبا، وهو مايعكس الحال في بعض المناطق ويكشف أن سلطة الدولة فيها تكون رمزية بينما في الواقع يتولي شيوخ القبائل إدارة الأمور. هذه الطبيعة سمحت للعديد من عناصر القاعدة في إيجاد ملجأ لها في أحضان بعض القبائل لتحظي في النهاية بحمايتها ليس بسبب روابط أيديولوجية تربطهما وإنما تلعب هنا النعرة القبلية وما تتمتع به القبيلة من صفات أهمها النخوة والحمية والحماسة ونصرة الغريب، والذي تستغله القاعدة بقوة لتثبيت تواجدها في تلك المناطق. وما يسهل لها ذلك هو شعور القبائل بالغبن وإهمال الدولة لاحتياجاتهم وغياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتجاهلها للحد الأدني من مطالب القبائل وهو ما يدفعها ليس فقط للتعاطف مع تنظيم القاعدة وإنما بتأييده ومشاركته في العمليات التي يشنها ضد الدولة. القاعدة إذن نجحت في توظيف القبائل لصالحها ونجحت أيضا في استثمار الطبيعة الجغرافية اليمنية للتمركز في أماكن آمنة هي المحافظات الشرقية الجنوبية والشمالية.. وتحديدا مأرب والجوف وشبوة وأبين ويرجع المحللون ذلك للبنية الاجتماعية القبلية في تلك المحافظات حيث تسيطر عليها سلطة القبائل بينما تضعف فيها سلطات الدولة. تنامي العلاقة بين القاعدة والقبائل علي هذا النحو أثار تخوف المراقبين من أن تتحول اليمن إلي أفغانستان أخري خاصة أن السيناريو الأمريكي في التعامل مع الأزمة اليمنية يتطابق مع نظيره الأفغاني وبالرغم من فشلها في محاربة تنظيم القاعدة في أفغانستانوباكستان أيضا إلا أنها مستمرة في تكرار نفس سيناريو الفشل في اليمن، وهو ما يؤكده الدكتور كمال حبيب الخبير المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية مؤكدا علي أن ما يساعد علي تكرار هذا السيناريو هو طبيعة اليمن كمجتمع قبلي يفتقد إلي مفهوم الدولة الحديثة القادرة علي السيطرة علي جميع حدود البلاد، حيث تتمتع القبائل بقوة نفوذ تجعلها أكثر سيطرة وتحكما في مناطق بعينها لايكون فيها للدولة أي دور أو ربما دور محدد للغاية، ويساعدها علي ذلك مجموعة من المشاكل تعاني منها الدولة علي رأسها الفساد السياسي والتدهور الاقتصادي، فضلا عن مجموعة الاضطرابات والمشكلات المهددة لها، فهناك الحراك الجنوبي والتمرد الشمالي للحوثيين وجعلها تشكل قنابل موقوتة وخطرا علي الدولة. هذا المناخ ساعد تنظيم القاعدة في التغلغل بقوة داخل المجتمع اليمني ليتخذ منها منذ يناير 2009 مقرا رئيسيا لفرعه في الجزيرة العربية متمتعة بحماية القبائل لها. وبالرغم من أن علاقة القبائل بالقاعدة لاتقوم علي تبني القبائل لفكر التنظيم الأيدلوجي إلا أن تقاليد القبيلة تلعب الدور الأكبر في ترسيخ أواصر تلك العلاقة وهو مايثير التخوف من تكرار سيناريو ماحدث في باكستانوأفغانستان، خاصة أن التعامل الأمريكي مع قاعدة اليمن يسير علي نفس النهج الذي اتخذته الإدارة في تعاملها معها في أفغانستان، حيث استخدام الطائرات بدون طيار والحملات العسكرية التي تسفر عن مقتل مدنيين وتدمير منازلهم أكثر من استهدافها لعناصر القاعدة، وهو مايزيد من ثورة الغصب الشعبي وكراهيته لسلطة الدولة وسطوة الإدارة الأمريكية علي بلاده ليندفع في اتجاه التعاطف مع تنظيم القاعدة ودعمه وحمايته. وبالرغم من نفي الإدارة الأمريكية قيامها بعمليات عسكرية في اليمن إلا أن التقارير الغربية تؤكد ضلوعها في تلك العمليات، والشعب اليمني يدرك ذلك وهو ما يزيد ارتباطه بالقاعدة من منطلق رفضه للتدخل الأمريكي لقيامه بعمليات يراها تمس شرفه وتنتهك سيادته. من هنا فإن حل الأزمة اليمنية من وجهة نظر حبيب وفك الارتباط بين القاعدة والقبائل يتطلب في المقام الأول مراجعة الإدارة الأمريكية لاستراتيجيتها القائمة علي التوسع في العمليات العسكرية التي يدفع ثمنها المدنيون. علي جانب آخر يجب أن تستمر الحكومة اليمنية في سياسة الحوار والمصالحة التي أعلن عنها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، هذا إلي جانب قيامها بتنمية اقتصادية واجتماعية وتلبية الحد الأدني لمطالب القبائل حتي لا تدفعها للعنف وتجعلها هدفا سهلا لاستقطاب تنظيم القاعدة، خاصة أن التنظيم بدأ يستفيد من الأخطاء التي ارتكبها في العراق وأفغانستان فابتعد فرعه في اليمن عن استهداف المدنيين واللجوء إلي تفجيرات بالشوارع والأسواق وهو ماساعد علي نجاحه في استقطاب تعاطف العديد من القبائل وتعاطفها معه وقبولها لرسالته، ومن هنا فإن سياسة الدولة أيضا في التعامل مع هذه القبائل من خلال دعمها المادي لن تحقق نجاحا حيث تحصل القبائل علي الدعم في الوقت الذي تستمر فيه بالتعاون مع التنظيم. لكن علي الجانب الآخر يرفض حبيب اتهام البعض للحكومة اليمنية باستخدامها فزاعة القاعدة للحصول علي دعم أمريكي وغربي مستفيدة بما أعلنته هذه الدول من حربها علي الإرهاب ليسوق اليمن كواحدة من هذه الدول التي تعاني منه وبالتالي تستحق أكبر دعم ممكن لمواجهته، ويري أن هذه السياسة اتبعتها الحكومة خلال فترة معينة وهي التسعينيات حيث كانت تغض الطرف عن تنظيم القاعدة ولا تواجهه بالقدر الكافي طمعا في الدعم الاقليمي والعالمي. إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تغييراً جذريا في تلك السياسة وبدت الحكومة اليمنية أكثر جدية في التعامل مع القاعدة وهي لا تستطيع في نفس الوقت التغاضي عن مواجهة التنظيم بعدما أصبحت اليمن مطروحة بقوة علي خريطة التفكير الاستراتيجي الأمريكي والذي تكشف عنه وجود قواتها الخاصة في مناطق لوجستية يمنية، وتغلغل أجهزة مخابراتها في تلك المناطق، فضلا عن تعاون بين البلدين لتدريب عناصر الشرطة اليمنية. فاليمن بما يشكله موقعه المتميز في القرن الافريقي والذي يعد مدخلا للبحر الأحمر، والمقابل لبلد مضطرب الصومال يعاني من تمرد حركة شباب المجاهدين التي تتبني أيديولوجية القاعدة، ومن ثم يصبح خطر التنظيم مضاعفا وتصبح الحاجة أكثر أهمية وإلحاحا علي مواجهة التنظيم بقوة في اليمن حتي لا ينجح في مد جسوره بالصومال ومن ثم يخلق مجالا استراتيجيا له يصعب من مهمة مواجهته. مواجهة القاعدة في اليمن إذن هدف مشترك للحكومة اليمنية والإدارة الأمريكية، ونجاحهما في ذلك يتطلب استراتيجية جديدة تستقطب بها القبائل حتي لا تتحول إلي شوكة تؤرق النظام وتثبت نفوذ التنظيم بقوة بدلا من اقتلاع جذوره.