إلي لحظاتي الحلوة.. إلي ليال سهدت فيها حبا وغراما..إلي أيام.. معهم.. كل من أحببتهم وتعلقت بهم وكانوا لي مرفأ آمنا.. وحضنا دافئا.. وكتفا استندت إليه أبكي غدر الأيام والأصدقاء الذين كنت أظنهم أحبابا.. إلي سنوات جامحة.. رأيتني لصغر سني.. قادرة علي تحقيق أي شيء أردته وتغيير كل الكون ليكون لي.. عشا دافئا ألملم فيه كل أحبائي وأغوص معهم في رحلة الحياة.. إلي كل تلك السنين.. إلي الحياة التي أحببتها لمجرد وجودهم فيها وفي حرم دائرتي القريبة جدا من قلبي.. أبلغهم حنيني الشديد إلي أيامي معهم. في محاولة مني لإنقاذ نفسي من غلو أيامي الحاضرة.. يا لقسوتها وفجاجتها وضحالتها وخيبة أملي في لحظاتي الحاضرة بقوة.. تضرب بقسوة علي جدار ذاكرتي وعواطفي وحتي ذكرياتي. فما هذه حياتي التي حلمت بها أن تكون ختاما لأيامي.. تصورتها .. منذ سنوات طوال أنها قطعا لابد أن تكون مختلفة عن بداياتي أو أي بداية. فالطبيعي أن الإنسان العادي المتحضر بالسليقة وبجينات حضارة.. مازالت حاضرة فينا.. ومختبئة في حنايا العقول والعزيمة والقدرات الخاصة جدا لأبناء هذا الوطن وناتج تلك الحضارة. فالطبيعي أن الإنسان يتطور بتطور الزمن.. يتعلم من أخطائه يتقدم قدما في الحياة.. يسايرها يلاعبها يغويها أن تكون ملكا ليمينه وتصاحبه في الدنيا معروفا.. هكذا تصورت علاقة الإنسان بالدنيا.. وما أجملها من دنيا لكل ما فيها من لحظات حلوة ولحظات مرة.. بكل ما فيها من شوق لتغيير ما يكون بلسما شافيا لكل خطايانا.. لنجد فيها حلولا مبتكرة لكل مشاكلنا.. أن تنطلق كالسهم قدما إلي الأمام بسرعة الريح والضوء والسنين الضوئية.. فهل رأيت أبدا سهما يستدير ويباغتك.. وينغرس في قلبك في تحد.. جاهل.. لقانون الطبيعة؟ أكثر ما أتوقعه منه.. أن يتكاسل ويضعف ويقع تحت قدمي.. مخذولا.. ساكنا.. وربما.. خجلا من نقص الهمة.. للانطلاق نحو المستقبل ولكن ما يحدث في مصر المحروسة أو هكذا تصورتها علي مدي سنين عمري عكس كل ما تخيلته علي مدي تلك السنوات ما هذا الذي يحدث؟ ما هذه الوجوه الكئيبة؟ وما هذه الأفكار الأكثر جلافة وظلامية وحنينا مرضيا إلي أيام.. كانت ماضيا بحكم.. وضعها في كتاب الحياة في تاريخ ميلادها.. في شهادة ميلادها.. فكيف تعود وتحيا.. ومكانها في مقبرة التاريخ؟ هي غرابة.. سمح لها مع سبق الإصرار والترصد.. أن تبعث من قبورها.. كالزومبي.. الأموات.. الأحياء الذين لا يريدون الاعتراف بأنهم قد ماتوا وأسدل عليهم الستار.. هكذا يتأرجحون ما بين العالم الآخر والحياة الحقيقية التي خرجت من أجسادهم ولن تعود إليهم أبدا.. هكذا هو شعوري تجاه ما أراه اليوم.. علي الساحة.. كأنني أشاهد مسلسلا أو فيلما تاريخيا من أيام حنظلة.. والكفار.. يصورونهم بحواجب غليظة وشكل مخيف.. أما المسلمون فحور عين.. وفجأة وجدتهم يضعون هذا المكياج.. التكفيري غصبا عني ويقولون.. امسك.. كافرة.. سافرة.. أقيموا عليها الحد.. أي والله.. هذا ما أتوقعه.. لمقدمات تربكني.. ولكنها لا تخيفني.. فأنا وغيري.. لن نسمح أبدا رغم ما يدبر لمصر الحضارة والمدنية.. من مؤامرات وصفقات.. لن نسمح لهم أبدا بتغيير هوية مصر المحروسة.. فأنا لم أفقد إيماني أبدا.. بأنها إلي الأبد محروسة من الله سبحانه ومحروسة بعقول وسواعد أبنائها ونسائها.. ومفكريها ومبدعيها وكل إنسان يفتخر يوما.. أنه ابن تلك الحضارة التي عظمت حرية الفكر وقبلها.. حرية العقيدة.. واحترام الآخر.. فنحن أبناء دين قال لنا.. (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) صدق الله العظيم ❊ ❊ ❊ أنا في مرحلة الحنين.. أكثر من أمل الحلم.. فلقد حلمت كثيرا.. وجاهدت كثيرا.. وغيرت ما استطعت تغييره.. ففشلت كثيرا في الالتزام بحكمة مقولة.. الله أعطني القدرة علي تغيير ما يمكن تغييره.. والقدرة علي تقبل ما لا يمكن تغييره.. والحكمة في القدرة علي التفريق بينهم.. أعتقد أننا كلنا إلي حد ما فشلنا في ذلك الامتحان الصعب.. فعاندنا الدنيا وخبطنا رأسنا في (الحيطة).. في محاولة طفولية.. علي تغيير أشياء قدر لها ألا تتغير.. منها مثلا.. أن تحاول أن تغير من طباع وسلوك من تحب.. وكم منا نساء بصفة خاصة.. من بكت أمام الأهل وهم يؤكدون لها.. أن هذا الرجل الذي تحبه لا يصلح لها.. المقدمات تبشر بذلك.. كم منا من بكت وقالت في عناد طفولي.. سوف يتغير من أجلي.. سوف أغيره بحبي.. سوف نتحدي العالم.. ونثبت أنه من ذلك الاختلاف سوف تنجح حياتنا.. وطبعا.. يصدق الأهل وتفشل قصة الحب.. أو مشروع الزواج أو الزواج نفسه بعد سنوات طوال أو قصار.. هذا نموذج صغير لنماذج أخري أكثر شراسة وألما.. تختارين الصديق.. أو الأصدقاء الذين لا يتمتعون من صفة الصداقة إلا اسمها اللفظي فقط.. لا علاقة لهم بمفهوم الصداقة التي هي أقرب المشاعر إلي حبل الوريد.. تلك النعمة التي تختارين شخصا معينا.. ليكون أقرب الناس إليك.. يكفيه أنه اختيار العقل والقلب والصدفة.. وأنه ليس مفروضا عليك.. قربا وصلة دم ونسب.. فرض الطبيعة عليك سوف تتحملينه قسرا أو طوعا.. أما الأصدقاء فهم لحظة النشوة الفعلية.. عندما تضغط عليك الحياة حتي تكسر ضلوعك.. فلا تجدين سوي الصديق.. لتبوحي إليه مما استنكفت أن تواجهي به نفسك.. وانت موقنة أنه لا يحاكمك ولن يغدرك.. سوف يحتويك.. ويظلل عليك.. فتصفو نفسك.. وتمتلئين.. قوة وعزيمة.. حتي تستطيعي الحياة.. بأقل الخسائر الممكنة لك وللآخرين.. ولكن من يفهم؟ ويقدر تلك النعمة الجميلة. فتخيلي الحياة بدونهم.. جميعهم.. ربما لولاهم ما استطعت الصمود.. في حياتك العائلية والزوجية والمهنية.. وأتذكر مقولة.. إحدي الصديقات التي وقعت مني في الطريق.. لو أنهيت حياتك بوجود صديقين اثنين فقط.. يصاحبانك حتي آخر أيامك.. تكونين فعلا محظوظة وتشكرين الله عليهما.. وما تصورت في بداية حياتي أن تسقط تلك بالذات ولا تكون معي في نهاية الحياة.. ولكنها الحياة.. ❊ ❊ ❊ يقولون لك إنك لا تكبر بجد.. إلا عندما يختفي أعز الناس لك من الحياة وهم الأبوان.. تظل طفلا لا تكبر مادمت تستطيع أن تنادي عليهما.. بابا.. ماما.. تشعر بالأمان لأنهما يتنفسان الحياة.. حبا لك.. وتضحية من أجلك.. الطمأنينة عليك.. اطمئنانا بأنه في لحظة ما مهما كبرت سنا.. أو منصبا أو ثراء.. أو.. أو.. قل ما شئت.. فمجرد وجودهما يجعل ظهرك آمنا من أي خيانة.. فهما هنا.. من أجل إبلاغك بالحقيقة حقيقة نفسك والآخرين.. تظل طول العمر تخشي تلك اللحظة.. لحظة غيابهما.. تنتظرها وتستعيذ بالله منها.. وعندما تأتي.. يرفض عقلك القبول بها.. وتظل تنادي عليهما.. حتي آخر يوم من عمرك مازلت أتألم.. حتي اليوم بعد مرور 82 عاما.. كالطفلة أبكيهما.. معا في عيد الأم.. الحنين هنا يقتلني.. أتمني أن أراهما ولو في أحلامي.. وقتها.. سوف أكذب علي نفسي.. وأقول لكل الناس.. لقد تحققت المعجزة ولمست أمي وأبي في المنام و.. وحشوني.. بشكل.
الحاضر.. غريب عني.. بشكل.. إنه ليس زماني ولافكري ولا أغنياتي ولا أفلام الأبيض والأسود.. افتقد.. أنوثة سعاد حسني.. وشقاوتها وتعبير عينيها بالذات وهي متألمة.. وهي مجروحة وحزينة وهي تفضح الباشا في شفيقة ومتولي وتغني له ولأمثاله.. بانوا.. بانوا علي أصلكم .. بانوا.. ياه .. ياسعاد.. وياه ياصلاح جاهين جبتوها إزاي؟ و.. وهي وصلت.. رشقت في قلبي وقتها.. ولم أكن أتصور.. أنني سأصرخ بها.. بعدها بسنوات طوال لأدين.. بعضا.. من ناسي وعشيرتي.. ياه.. هذا زمن غريب عني.. زمن لا أحبه وهو ينكرني!! أنا من زمن مختلف.. تماما.. زمن .. لم أشعر فيه بأي نقيصة لأنني امرأة لقد ولدت مع الثورة وعشت زمن الفخر والعزة لأنني امرأة أشعروني أنني زميلة كفاح وأنني ترس مهم لكي تدور مصانع بلدي غنيت مع حليم.. صورة وبالأحضان.. وتأثرت وأنا مختبئة تحت اللحاف وضوء القمر وحده يؤنس ليالي.. وأنا أسمع سومة وهي تدندن.. »هجرتك يمكن أنسي هواك« وأنا أودع أول قصة حب في مراهقتي.. عشت زمنا.. كانوا يشيرون عليّ في الخارج ويقولون.. مصرية .. مصر .. ناصر.. ويشتد ظهري.. عشت حقوق العمال.. وبناء السد.. والعدوان الثلاثي.. وأنا طفلة وبناء المصانع وفخر صنع في مصري. آه حنين.. بحقيقي لأيام الفخر بالتعليم المصري واحترام الأستاذ.. وكرهت عصر ابتذال كل شيء.. لا.. أنا بنت عصر العزة والكرامة.. وخسأ عصر الضحالة.. ربما فائدته الوحيدة.. هي فرحتي أن الرحلة علي وشك الانتهاء فلا شيء يبهرني فيها حقا. لأقول لكل أحبائي.. أغدا.. ألقاك؟
تبدلت الحياة غيرت »اللوك« الخاص بها مئات المرات.. ولكن أعترف أنني أحن إلي بساطة بيوتنا.. زمان وإلي الفروق البسيطة التي كانت تفرق بين الأغنياء والفقراء استمتعت.. بثقافة وحضارة الطبقة الوسطي.. الطموحة.. رمانة الميزان التي حمت تقاليد المجتمع المصري الأصيل وقيمه.. كرهت زمن الاستعراض.. والقصور المملوءة زيفا.. وبرودة.. العلاقات وماديتها.. أفتقد.. البيت المصري الأصيل.. المتشابه إلي حد التوأمة.. في مفروشاته.. في نهج الحياة الذي يتغير ببطء مستحب.. فلا يصدمك.. ولا يهينك ولا يخرجك.. بره الصورة.. الميريلاند.. لقاء العشاق في مصر الجديدة.. طريق المطار.. اللقاء الثاني.. مركز الكون للعشاق الصغار.. اللغة المصرية التي لم تفض بكارتها لغة أجنبية شاركتنا في أبجديتنا المتعارف عليها.. كنا فخورين بلغتنا العربية كانت قادرة علي نقل مشاعرنا ليتغني لنا بها.. الساحر.. عبدالحليم.. ملك الرومانسية أمس واليوم.. وأتمني .. والله غدا أيضا عندما أنظر حولي الآن.. لا أجد إلا.. زمن المسخ علي رأي أديبنا علاء الأسواني وأتذكر مراهقتي وكان يوسف السباعي هو الأديب الرومانسي المسموح لنا قراءة رواياته العاطفية.. وأما صاحب أنف وثلاث عيون إحسان عبدالقدوس.. فكنا نقرؤه في الليالي الدافئة بعيدا عن رقابة الوالدين. أيام كان هناك رقابة.. ولم يحدث.. الانفلات الأخلاقي وعشوائية السهر والعلاقات ولو يعرفن بنات اليوم كم خسرن من قيمة الأنوثة عندما قلدن أحط مافي الرجال.. والتفريط في قدسية الجسد وتعدد العلاقات وماديتها أقول لقد فرطن.. فخسرن.. فتطلقن.. أو تعنسن أشياء لم نعرفها في جيلنا وأحمد الله أنني كنت من هذا الجيل الذي أحب وتعفف وتزوج واستقر.. وكانت له ذكري جميلة.. ومازلت.. أحن إلي بيت صديقة العمر البيت المصري الأصيل.. الذي يشع من كل ركن فيه معني ارتباط الأسرة المصرية ببساطتها .. قيمها.. حبها.. وقعدة العصرية.. مع العيلة كاملة.. أم .. أب.. وأولاد يلتفون حول مائدة طعام واحدة كل يوم.. سنة وراء سنة.. تلك الأمنية البسيطة كم اشتقنا إليها في زمن الوجبات السريعة ووحدة الانفراد بالكمبيوتر الذي يجعلك الغائب الحاضر في المنزل.. البعيد روحا وجسدا عن قيمة العائلة.. كم أفتقدها تلك الأيام الجميلة البسيطة التي لم نكن فيها نقول عن أنفسنا نحن المصريين إلا كل وصف جميل.. فلم.. أعد .. أسمع للأسف إلا سخائم يوصف بها المصريون أنفسهم وبلدهم.. علي هذا فقط.. يستحق كل نظام مبارك الإعدام.. رميا بالرصاص.. لقد جرحوا المصريين وأفقدوهم الثقة بمصريتهم وأصبحت نكتة مقولة.. لو لم أكن مصريا.. لوددت أن أكون مصريا.. وأنا لحظي لميلادي في عصر مبكر شعرت فعلا.. حقيقي بفخري واعتزازي بمصريتي.. وأفتقد.. بشدة لأيامي معهم..