بين الحين والآخر تثار قضية التراث.. البعض يري في التراث عبئا علي الحاضر والمستقبل وأنه من الأفضل أن نتجاهل هذا التراث لما يحوي من أساطير وخرافات تعوق الإنسان المعاصر عن التقدم، وتثقل أقدامه فلا يستطيع أن يمضي نحو المستقبل، والعالم كله ينشد الآن التقدم والحضارة من خلال العلم والتكنولوجيا. وهناك من ينادي بأهمية التراث، لأنه جزء من تكويننا العلمي والثقافي، وهو رصيد يضاف إلي الحاضر، ولا يحول دون التقدم والازدهار وأنه من لاماضي له لاحاضر له. وهناك من ينادي بأهمية الحفاظ علي التراث، والعناية به، بعد أن ينقي من كل مابه من شوائب وخرافات، ويصبح بالتالي نقطة انطلاق إلي مستقبل أكثر أملا وإشراقا. ولاشك أن التراث له أهميته، فهو أحد مكونات الشخصية.. وفي كل منا الجينات التي تحدد خطانا، والعالم كله يفتخر بتراثه ويحتفظ به من خلال المتاحف والكتب التي تلقي الضوء عليه، وعلي مافيه من قيم حضارية وعلمية وأخلاقية، ومن يفرط في تراثه كمن يفرط في عرضه، فلدينا تراث عريض خالد جدير بكل تقدير واحترام، شهد بذلك مؤرخو الغرب وعلماؤه. وكيف لا نفخر بالحضارة العربية والتراث العربي وما فيه من مفاخر وتقدم حتي أننا نري جوستاف لوبون يقول في كتابه (حضارة العرب): ».. إلي العرب يرجع الفضل في حضارة أوروبا، وحين ازدهرت الحضارة الإسلامية في القرنين التاسع والعاشر للميلاد كانت المراكز العلمية في أوروبا عبارة عن أبراج يسكنها سادة نصف متوحشين، وكانت الطبقة المستنيرة في النصرانية رهباناً جهلة، وفي القرن الحادي عشر شعرت بعض دول أوروبا بالحاجة إلي نفض غبار الجهل فطرقوا أبواب العرب حيث كانوا وحدهم سادة العلم، ودخل العلم أوروبا عن طريق الأندلس وصقلية وإيطاليا، وفي سنة 1130 أنشاء ريمون رئيس الأساقفة في طليطلة مدرسة للترجمة، قامت في قرن بنقل أشهر مؤلفات العرب إلي اللاتينية بل إنها نقلت كتب اليونان التي كان المسلمون قد ترجموها إلي لسانهم«.. فهل يمكن أن نفرط في التراث؟