أتابع باهتمام شديد المعركة الدائرة بين أنصار المدرسة التقليدية في الطب المتعارف عليها بيننا وانصار مدرسة الطب التكميلي او البديل .. لاسيما انها لم تقتصر علي جدل علمي محمود ومناظرات تصب في صالح المريض في الاخير وانما أخذت منحي خطيرا وبدأت فصولها تتحول الي المحاكم والقضاء! والحقيقة ان عمر الطب التكميلي او البديل او طب الاعشاب يعود إلي عمر الإنسان تقريبا علي هذه الارض وانه الاب الشرعي الذي احتضن تطور كل تخصصات الطب المتعارف عليها التي اصبحت تدرس في الكليات حاليا .. وجميع الادوية المستخدمة في علاج الامراض خرجت من عباءة الاعشاب الطبية التي موطنها الطبيعي كان ولايزال في منطقة الشرق الأدني والأقصي .. بل ان شركات الادوية تعتمد بشكل رئيسي علي استيراد هذه الاعشاب في تحضير المستحضرات والادوية وهذه العلوم برع فيها العرب والصينيون منذ قديم الزمان وعندما اخذها الغرب وطورها اصبح يجني ملايين الدولارات من بيع تركيبة أي دواء للشركات بغرض تصنيعه. غير أن المشكلة الكبيرة إلي واجهت تطور هذه العلوم والطب التكميلي تحديدا في حضارات المشرق هو انه لم يستطع ان يقوم بالقطيعة العلمية او التي تسمي في فلسفة العلم بالقطيعة الابستمو لوجية بمعني انه لم يحافظ علي نفسه من تداخل الاسطورة والخرافة او مايسمي الميتافيزيقا والغيبيات وفي فترات من التراجع الحضاري التي شهدناها سيطرت الاسطورة والخرافة علي الطب التكميلي وافقدته شرعيته العلمية فابتعد عنه العلماء وفي المقابل احتضنه المشعوذون والدجالون وتحول إلي علامة من علامات التخلف رغم انه كان قبل ذلك من علامات التقدم العلمي. لذلك لما ظهر من جديد علماء واطباء وباحثون يدعون الي العودة الي تجريب الطب التكميلي في علاج المريض خاصة في الامراض المستعصية التي مازال الطب التقليدي عاجزا عن شفائها وقف غالبية الاطباء في وجه تلك المحاولات. ودارت معركة تكسير عظام علي ارضية التجريم والتخوين العلمي واتهموا انصار طب الاعشاب بالنصب والتجارة بامراض الناس علي أساس من الوهم وليس الحقيقة. ولهؤلاء المنحازين للطب التقليدي اعذارهم وحججهم فمجتمعاتنا مازالت متخلفة وسريعة الانسياق وراء الاوهام ولا تقدر علي التمييز بين المدعين والنصابين والدجالين من جهة وبين حسني النية الذين ينشدون خير البشرية! لكن لا يمكن ان نتجاهل في خضم هذه المعركة ان شركات الادوية العالمية تحقق مكاسب خيالية من بيع الادوية وتخاف علي اهتزاز عرشها بل اننا نعرف انها تخوض حروبا تدفع فيها مليارات للحيلولة دون ظهور ما يهدد انتشارها ويقلل مبيعاتها كما انها تقف وراء جيوش استعمارية تدخل لغزو شعوب آمنة وذلك حتي تطمئن الي مستقبل ارباحها التي ستنمو وتترعرع علي دماء وامراض تلك الشعوب. وبعض شركات الدواء الامريكية أمثلة علي هذا حيث كانت مثلها في ذلك مثل شركات السلاح تقف في مساندة صقور الحرب في الكونجرس الذين قادوا الحرب في افغانستان وفي العراق. اذكر تلك التفاصيل حتي اوضح ان تاريخ الطب والدواء لم يكن يوما بعيدا عن الايديولوجيا التي تستخدمه وهي مثلما تستطيع ان تدفعه الي التقدم لخير البشرية دفعته وقد تدفعه في المستقبل أيضا لغير ذلك ونحن كأوطان نامية مجرد مستهلكين واطباؤنا والمدارس التي ينتمون اليها ليست بمعزل عما يدور في العالم من منافسة ليست دائما في صالح المريض. والخطورة في كل ذلك هو ان يتصدي "الطبيب" أي طبيب الذي هو رمز للطهارة وللمعاني الإنسانية الراقية الي أية محاولات قد تؤدي الي شفاء .. ولو مريض واحد عجز عن علاجه الطب التقليدي والادوية الكيميائية. والاطباء لابد ان نصنفهم علي رأس قائمة نخبة اي مجتمع وحراس ضميره الواعي والمستيقظ مهما كانت اعداد الاستثناءات السيئة في هذه النخبة ولا يمكن لاصحاب الضمير أن يوصدوا الأبواب أمام تجارب يجريها باحثون أو أطباء مثلهم لانقاذ المرضي بطرق أخري ربما لم يتعلموها في كليات الطب، لكن هناك كتب في التراث وتقاليد في حضارات قديمة كانت قائمة علي هذه الأنواع من العلاجات حتي لو كانت جزءا من العلاج وليس كله. واستغرب من محاولات التشكيك من طرف أطبائنا لتلك التجارب القائمة علي الطب التكميلي خاصة إذا كانت تجري داخل منظومة محكمة ومراكز أبحاث لاستخلاص "أدوية" من الأعشاب بجرعات محددة، لدينا كنوز في الطبيعة من الأعشاب تتم الاستفادة منها حاليا في تلك المراكز وقد توقظ الأمل الذي يتعلق به مرضي أصبح اليأس يتملكهم في امكانية الشفاء مثل مرضي السرطان. غالبية هؤلاء المرضي جربوا أنواع العلاجات المعروفة ووصلوا إلي حافة اليأس، بل إن بعض أطبائهم يواجهونهم بحقيقة استحالة الشفاء فينتظرون الموت ويحاولون استعجاله من فرط اليأس ومن شدة الألم والعذاب. فلماذا لا نتركهم يجربون وقد جرب فيهم الطب عشرات المرات وعشرات السنين دون جدوي؟! ان الطب التكميلي أو طب الأعشاب لو نجح في شفاء مريض واحد من هؤلاء فلابد أن نصفق له ولابد أن ندفع تلك النوايا الحسنة ونزكيها حتي تعمل في جو علمي أفضل وتتفرغ إلي خير البشرية بدلا من أن تتفرغ للدفاع عن نفسها في حروب شعواء أوصلت البعض إلي أروقة المحاكم. ولابد أن يتفق العلماء الصادقون المخلصون بمن في ذلك المتحمسون إلي مدارسهم التقليدية علي أن مصلحة المريض هي الأولوية وأن تعاون جميع المدارس والمشارب في الطب هو وحده الكفيل بتحقيق الأمل في الشفاء خاصة إذا كان استخدام علاجات بديلة لا يشترط ولا يتناقض مع استمرار الأدوية التقليدية. وللحديث بقية إن شاء الله.