بداية طيبة باستقبال أسر الشهداء وعدم نشر إعلانات التهاني وتعليق صوره مع انتخاب أول رئيس مدني في تاريخ البلاد الدكتور محمد مرسي نتمني عهدا جديدا من التحول الديمقراطي، وتعزيز حقوق الإنسان، واستعادة كل أموال الشعب المهربة إلي الخارج، لكنني أطالبه في نفس الوقت بتنحية كل السياسات الانتقامية، وبداية مصالحة وتسامح مع رموز العهد السابق، فالدكتور مرسي هو رئيس للجميع، والمرحلة الحالية تتطلب تحالف كل القوي السياسية، وعفا الله عما سلف! بداية طيبة تحسب للدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية في أول لقاء له بمقر الرئاسة عندما استقبل مجموعة من أسر الشهداء ومصابي الثورة، وأكد لهم دعم الدولة بجميع أجهزتها لهم وتقديم كافة أشكال الدعم والرعاية، ويكفي أمهات وأسر الشهداء هذه اللمسة الحانية، مما يؤكد البعد الإنساني في شخصية رئيس الجمهورية.. ومما أثار إعجابي بالدكتور محمد مرسي أيضا، وبالتأكيد أثار إعجاب غيري من أطياف الشارع المصري هو مناشدته جميع المؤسسات والهيئات والأفراد الذين يرغبون بتقديم التهنئة له في الصحف ووسائل الإعلام بعدم النشر وتوجيه هذه الأموال للمصلحة العامة، بعد أن بدأت حملات التهاني في تنفيذ مجاملاتها للرئيس الجديد، وبدأنا نتابعها منذ الأيام الأولي لإعلان انتخابه، ربما بحسن النية والمجاملة، وربما بدافع النفاق وجس نبض هوية الحاكم القادم واختبار تقبله للثناء والمديح والمجاملات، لكننا سنرفع له »القبعة« لو استمر في انتهاج نفس السياسة القائمة علي إنكار الذات والتواضع، وإبعاد زمرة المنافقين في كل عصر من حوله، وأعتقد أن من يقرأ تاريخ الدكتور محمد مرسي جيدا سيجد أنه قادر علي تمييز »الغث« من »الثمين«، وأنه محصن ضد كل أنواع النفاق، والمهم كما قلت أن يستمر في التحلي بهذه الروح، فلقد كانت بدايات الرئيس السابق حسني مبارك تبشر بالخير عندما أعلن أن »الكفن ليس له جيوب«، ونادي بالطهارة والنظافة إلي آخر تلك »الشعارات« ثم رأينا عكس ذلك عندما التف حوله زمرة من الصحفيين ورجال الأعمال يلتفون حوله، ويسبحون بحمده، وكان ماكان! وضرب الدكتور محمد مرسي أيضا مثالا آخر في إنكار الذات عندما طالب بعدم تعليق صوره في أي من المؤسسات والمصالح والهيئات الحكومية، رغم أنه من حق أي حاكم أن يفعل ذلك، ورأينا من قبل صور حكامنا في الأماكن العامة بداية من الملك فاروق مرورا بناصر والسادات ومبارك! ورغم أن رئيسنا »إخواني« عتيق، إلا أنني لمست فيه عند استقباله وفد الكنيسة الأرثوذكسية أنه غير متعصب عندما أكد لهم أن هناك خطا مفتوحا ليل نهار بينه وبين المسيحيين في مصر، وأنه يعز عليه أن يكلمه أحد.. أو يوصيه علي الأقباط، وهذا التصريح من رئيس الدولة يبدد مخاوف الإخوة الأقباط ويبشر بروح متسامحة بين نسيج الأمة! إلا أن ما أتمناه من رئيس الجمهورية الجديد هو أن يمتد هذا التسامح إلي نبذ السياسات الانتقامية ضد كل رموز العهد السابق، وهم بالمناسبة أعدادهم ليست قليلة، ولا أعني هنا أن يفلت أحد أيا كان من المحاسبة والعقاب، ولابد أن تسترد أموال الشعب المنهوبة من الخارج، لكن الرئيس قادم من جماعة ذاقت التنكيل والسجن والاضطهاد طويلا، ومطاردو الأمس أصبحوا علي سدة الحكم اليوم، وبالتالي فالرأي العام يتوجس من تصفية الحسابات، ولابد من طمأنة الناس وإبعاد شبح التعسف والبطش بمن نكل بهم، فهذا يثير القلق من القادم الجديد، فالمصالحة مطلوبة هنا لتبديد التوجس،وليكن لنا في رسول الله [ القدوة الحسنة عندما خاطب خصومه بعد انتصاره وفتح مكة: »إذهبوا فأنتم الطلقاء« إن الإخوان المسلمين لايمثلون سوي 01٪ من تعداد الشعب المصري، وعلي ضوء ذلك فإنه يجب علي الرئيس الجديد أن يراعي اتجاهات الشعب كله بألا تصبح مصر دولة دينية أو »إخوانية« والتسليم المطلق بالأخذ باتجاهات جماعة الإخوان فقط سيقودنا إلي مشاكل لاحصر لها، فمهما كانت أفكارهم صائبة (من وجهة نظرك كرئيس) إلا أنني من حقي كإنسان »مسلم« أن أقتنع بأن الدين علاقة خاصة بين العبد وربه، ودون الخوض بهذا الدين العظيم إلي دهاليز السياسة، كما أن رأيي المتواضع أنه لم يكن الإسلام دولة دينية إلا في وجود الرسول [ حيث كان الوحي والإجابة من السماء علي كل التساؤلات، وبوفاته انقطع بالتالي الوحي وانتهت الدولة الدينية، وبدأت دولة أخري اتسمت بالصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبدأ المجتمع المدني والدولة المدنية تتوارث من جيل، وحقبة، وزمان، وعهد، لآخر، وليس من الضروري أن نكون نسخة »كربونية« من الدولة الدينية بكل مقوماتها وظروفها في عصرها الأول أيام الرسالة، ولنأخذ القدوة والقيم والأخلاق والتعاملات الراقية من زعيم هذه الدولة سيدنا محمد [ بغض النظر عن شكل هذه الدولة في صدر الإسلام! فالدولة الدينية اختار رأسها المولي عز وجل، بينما الدولة السياسية المدنية ينتخب الشعب رئيسها، أو بالملكية والوراثة، كما نري في بعض دول الخليج، والدولة الدينية يقف علي قمتها رسول يوحي إليه من الله سبحانه، أما الدولة السياسية فيحكمها بشر عاديون، والدولة الدينية يظل رئيسها »كما رأينا مع رسول الله [ طيلة حياته علي اتصال بالوحي الإلهي والسماء في كل وقت بالليل والنهار، بينما علاقة الذي علي سدة الحكم بالسماء منقطعة، فلا وحي ينزل عليه من السماء، وصلته بربه مثل صلة أي مخلوق من الشعب بخالقه! رئيس الدولة الدينية ظل محروسا من السماء[ بينما حاكم الدولة المدنية عليه أطقم حراسة، ومخابرات، وأمن.. إلخ.. لحمايته، وقد لاتنفع كل هذه الحراسات المدججة وبأسلحتها المكثفة في حمايته »كما حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات«! وطاعة رأس الدولة الدينية فرض ديني: »وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا«، بل إن هذه الطاعة هي محك الإيمان: »فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّي يَُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً«، وليس الأمر كذلك في الدولة المدنية والسياسية، فكما نري فصائل المعارضة دائما علي قمة أشدها وتنتقد الحاكم باستمرار في كل صغيرة وكبيرة لأنه ليس معصوما، بل هو واحد من الشعب منحوه ثقتهم ليصبح رئيسا للدولة! والمعارضون لرأس الدولة الدينية إما كفارا مصيرهم جهنم، وإما منافقين في الدرك الأسفل من النار، فهم ينالون عقابهم من السماء، أما المعارضون في الدولة المدنية فيتعرضون للعقاب الدنيوي. ورغم ذلك كله: فليس كل من يريد »الدعوة« إلي تطبيق شرع الله ينادي بقيام الدولة الدينية، ولو ركز حزب الحرية العدالة »الجناح السياسي للإخوان المسلمين« علي هذا المفهوم »الدعوة« لاكتسبوا تعاطف الشارع الإسلامي في المرحلة المقبلة!!!