الحديث عن التيارات الإسلامية يستلزم أن نقر بتنوعها ووجود اختلافات جوهرية في توجهاتها مما يقتضي ألا ننظر اليها كلها كتيار واحد, ولكن يوجد منها الاخوان المسلمون والجماعات الإسلامية بتنوعها والجمعية الشرعية والطرق الصوفية والسلفية. وكل منها له توجهاته وأفكاره وسياساته ومرجعياته وأهدافه وأساليبه في التنفيذ وإبداء الرأي, ومدي قبول الرأي الآخر, وغير ذلك من الاختلافات التي لا تنتقص من أهمية هذه التيارات وشعبيتها في الشارع السياسي, وهذا ما نرصد بعض ملامحه في السطور التالية: يقول الدكتور محمد يسري أستاذ العقيدة ورئيس جمعية أنصار السنة المحمدية إننا نؤمن بالدولة المدنية بمرجعية دينية تحكم بالشريعة الإسلامية ويعيش الناس فيها في ظل العدل وتتعايش مع العالم, ورغم تعدد التيارات الدينية في مصر الا أن جميعها يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية, ونحن علي تواصل مع الجميع وتظلنا راية الإسلام, وهناك العديد من أوجه الاتفاق ومرجعنا الكتاب والسنة, وإن وجدت مسائل خلافية في بعض القضايا التي اختلف فيها العلماء, ونحن نذهب إلي القول الراجح المؤيد بالدليل, والخلاف واقع بين التيارات الدينية في الأمة الإسلامية في بعض القضايا, ولكن لا يدفعنا إلي التناحر والشقاق, ويري أنه خلاف إيجابي, ونحن نؤيد الحق بصورة عامة خاصة من تمسك به, ولا يوجد صراع بين الجمعات الإسلامية والإخوان والسلفيين, لكن بيننا تواد وترابط, ومن كان معه الحق سنقف بجواره. الدينية مدنية! فضيلة الدكتور محمد المختار المهدي الأستاذ بجامعة الأزهر ورئيس الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة سألته عن رؤية التيارات الإسلامية ومستقبل مصر ورؤيتهم نحو إقامة دولة دينية أم مدنية.. فأجابني فضيلته بأن هناك خطأ نقع فيه, فالدولة الدينية هي مدنية وليست عسكرية, فالدولة الدينية كان لها منشأ لا ينطبق علي حالة الدولة الإسلامية, فأي مصطلح سياسي يجب أن ننظر لمصدره أولا وإلي مستنده الفكري والتطبيقي, فحينما نستعمل مصطلح الدولة المدنية نجده قد نشأ في الغرب بعد القضاء علي الدولة الدينية الثيوقراطية التي كان فيها رجال الدين يدعون الحق الإلهي للحكم علي الناس وبذلك أخذت موقفا من الدين عامة علي أساس أن الشعب هو الذي يحل ويحرم في النظام الديمقراطي يجعل السلطة كاملة للشعب دون النظر إلي التعاليم الإلهية, وبناء علي ذلك نحن نقول إن الإسلام يختلف اختلافا جذريا عن الدولية الدينية التي كانت في أوروبا, لأن الوحي قد انقطع بوفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم, فلم يعد لأحد اتصال بتنزل أحكام جديدة اليوم أكملت لكم دينكم....., وتكفل الله بحفظ القرآن من أي تزييف أو زيادة أو نقصان, وبناء علي ذلك انحسرت مهمة الحاكم في الإسلام, ومهمة الشعب المسلم في طرق تنفيذ أوامر الله عز وجل أو كما يقول الفقهاء: إن الحاكم في الإسلام يسوس الدنيا بالدين, ومهمة البشر هنا التفنن في طرق تنفيذ الوحي الالهي بحسب ظروف كل عصر وكل بيئة وهذا هو الاجتهاد, ويكون الاجتهاد في الأمور التي تحتمل أكثر من رأي. ثوابت لا تتبدل أما الثوابت كما يضيف الدكتور محمد المختار فليس للبشر أن يغيروا فيها أو يبدلوها, فلو قال الشعب إن الزنا حلال لا يسمع لكلامهم, هذا ما نراه في التطبيق العملي للدولة المدنية في الغرب حيث أحلت الزنا والشذوذ الجنسي والربا والخمر وهذه جميعها محرمة في الإسلام والأديان الأخري, وكذلك الأحوال الشخصية التي يتميز بها الإسلام وينادي الغرب الآن بالعدوان عليها بحجة المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء, بناء علي ذلك نحن نحصر مهمة الدولة المدنية والديمقراطية في غير هذه الثوابت, وهذا ما يقال عنه( المرجعية الإسلامية), أو هو المادة الثانية من الدستور المصري بحكم أن غالبية الشعب تدين بالإسلام, ويجب علي غير المسلمين ألا يخشوا تطبيق الشريعة الإسلامية بهذا الشكل حيث أمرنا الله والرسول أن نتركهم وما يدينون به وفقا لشرائعهم بكل حرية. نقاط الخلاف أما عن نقطة الخلاف بيننا وبين السلفيين فإننا لا نتعصب لمذهب معين ودراستنا الأزهرية تفتح المجال لكل المذاهب السنية المعتبرة, والخلاف الثاني أننا ننشغل بالسياسة وهم يشتغلون بها, وهنا يقصد الإخوان المسلمين, أما النقطة الثالثة ويراها قنبلة فهي أن الخلاف القائم بين السلفية والصوفية لا مجال له اذا احتكمنا إلي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم, فالسلفية الحقيقية هي المتبعة لسير الصحابة والتابعين, وكانوا غير متعصبين لمذهب معين, وكانوا أيضا علي درجة عالية من الورع والزهد والعبادة, وهذا ما تنادي به الصوفية الحقيقية بعيدا عن البدع والخرافات والمظاهر الشكلية التي التصقت بالصوفية وليست منها في الأصل, واذا ترك السلفيون التعصب, وترك الصوفيون البدع لالتقت جميع التيارات الإسلامية في صف واحد. وبالنسبة للإخوان, يشير الدكتور محمد المختار إلي أنهم ليسوا متعصبين ولا أري عندهم بدعة, لكن المسألة اشتغالهم بالسياسة, حيث تخصصوا في ذلك, فكلنا كتيارات إسلامية في الأغلب نتعاون علي أي عمل يخدم الإسلام, فهم يرون الاصلاح من أعلي, والجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة تري الاصلاح من القاعدة بالتربية والتعليم الصحيح, ولو أخلصنا النية فلن نلتفت للخلافات ونكون علي قلب رجل واحد, وهناك تقارب لا ينكره أحد والأمل كبير في إدراك واجب الوقت يعني الموقف الحالي لمصر. ويقسم الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد التيارات الدينية في مصر لاتجاهين الأول متمثل في الأخوان المسلمين وهي مجموعة أقرب للدولة الديمقراطية اذا وصلت للسلطة, حيث لديهم الاستعداد للانخراط في الطريق الديمقراطي وهذا الطريق أقرب للحياة المدنية والدولة الديمقراطية, وأعتقد أنهم يمكن أن يحققوا نجاحا مثلما حدث في تركيا, لكن الأمر يحتاج إلي مجهودات كبيرة, والقسم الثاني بقية التيارات الدينية الأخري, هم أقرب لمفهوم الدولة الدينية الكلاسيكية مثل السعودية, والقضية الأساسية وليأت من يأتي إقامة دولة ديمقراطية ونظام قوي والمواطن المصري أساسه, ويتم فيه اتاحة الفرص للجميع للتعبير عن آرائهم, وهي تضمن تداولا سلميا للسلطة, ويجب الانحياز للنظام البرلماني ويكون الرئيس حكم بين جميع الأطراف, وتعمل الحكومة في إطار برنامج معلن, ولابد من دستور قوي واضح سليم يضمن نظاما مستقلا.