غموض وتعتيم يكتنف الحالة الصحية لمبارك.. البعض يقول إن ماحدث له أخيرا مجرد حيلة حتي يتم نقله إلي المستشفي العسكري وخروجه من محبسه بسجن طرة بدليل أن حالته استجابت للعلاج سريعا وتم رفع الأجهزة عنه بعد أن قيل إن قلبه توقف وحالته خطيرة لدرجة موته إكلينيكيا فهل حدثت معجزة بهذه السرعة؟. في حين يري آخرون أن ماحدث لا يعدو كونه تمثيلية لسرقة الكاميرات ولفت الأنظار عما يحدث في ميدان التحرير.. وبين الفريقين مَنْ تعاطف معه من منطلق أنه لا شماتة في المرض وكبر السن.. المهم أن الرئيس المخلوع عاد للأضواء بعد أن تواري وراء قضبان طرة منذ صدور الحكم التاريخي بالسجن المؤبد عليه في محاكمة القرن في الثاني من الشهر الجاري. لم يكن الخبر الذي بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط الأسبوع الماضي عن موت الرئيس السابق إكلينيكيا ونقله من مستشفي »طرة« إلي المستشفي العسكري بالمعادي هو البداية بل سبقتها محاولات مستميتة من محاميه فريد الديب وزوجته سوزان بإثارة الرأي العام في الداخل والخارج حول خطورة حالته الصحية منذ دخوله سجن طرة ووصل الأمر لتهديد سوزان بنقل الملف الصحي لزوجها إلي الأممالمتحدة الأمر الذي اعتبرته الأوساط استعداء للخارج علي مصر وسلطاتها.. ومنذ بث خبر نقله قامت الدنيا ولم تقعد دون تعليق رسمي من السلطات حيث تداولت الانباء أنه أصيب بجلطة دماغية بعد سقوطه في حمام سجن طرة وأن حالته متدهورة لكنه لم يمت سريريا.. كما قيل أنه غائب عن الوعي ومتصل بجهاز للتنفس الصناعي ولم يمت إكلينيكيا. . وقالت مصادر طبية إن قلب مبارك توقف عن النبض وتم إخضاعه لجهاز الصدمات الكهربائية أكثر من مرة لكنه لم يستجب في محبسه ما استدعي نقله لمستشفي المعادي.. وفيما تداعت للأذهان تساؤلات حول كيفية الدفن وشكل جنازته ومكان مثواه الأخير، بعد خبر أو بالأصح شائعة موته سريريا خرج فريد الديب مؤكدا أنه يجري إسعاف مبارك نافيا أن يكون مات إكلينيكيا.. وفي الوقت نفسه نفت مصادر مقربة من مبارك نبأ موته سريرياً مكتفية بأن حالته خطيرة وأنه في غيبوبة تعاوده بين الحين والآخر. ومنذ دخول مبارك مستشفي المعادي لم تصدر تقارير رسمية من المستشفي عن حالته بل أقاويل من هنا أو هناك .. وتوافد العديد من المصريين أمام المجمع الطبي للقوات المسلحة بالمعادي من مجموعة »آسفين ياريس« مع تقارير عن مشادات كلامية بين المواطنين من مؤيدي مبارك ومعارضيه أمام المستشفي الذي سادته حالة تكتم شديدة عن الحالة وسط تأمين كامل من قوات الجيش والشرطة.. ووسط التكتم الشديد وحاجة الرأي العام لمعرفة الحقيقة سادت الشائعات. سري للغاية وجدد مشهد نقل مبارك في سيارة إسعاف من سجن طرة إلي مستشفي المعادي العسكري الغموض الذي اكتنف ملف مبارك الصحي منذ توليه سدة الحكم في البلاد عقب وفاة الرئيس السادات في حادث المنصة الشهير عام 1981 حيث كانت السرية تحيط بحالته الصحية فلا يصح أن يمرض الرئيس.. ولم يخرج ملف مبارك الصحي عن السرية إلا خلال العملية الجراحية التي أجراها قبل عام تقريبا من خلعه وتخليه عن السلطة في الحادي عشر من فبراير 2011. وبعد سقوط نظامه بعد 30 عاما تنقل بين مستشفي شرم الشيخ ثم المركز الطبي العالمي فسجن مزرعة طرة بعد الحكم عليه بالمؤبد. ويشير الواقع إلي أن الحالة الصحية لمبارك بدأت في التدهور بعد تخليه عن السلطة حيث تعرض لوعكة صحية شديدة في فيلته بشرم الشيخ دون نقله إلي المستشفي و الاكتفاء بإحضار فريق طبي للإشراف علي علاجه.. وفي ذلك الوقت انتشرت شائعة إصابته بأورام سرطانية، الأمر الذي نفته وزارة الصحة في حينها مؤكدة أن حالته الصحية مستقرة. ووصفت التقارير الطبية للأعراض التي يعانيها مبارك بالمزمنة نظرًا لتقدم عمره و تتمثل في الارتجاف الأذيني وهو نوعً من أمراض القلب ونوبات فقدان للوعي وقصور في الدورة الدموية.. بجانب نوبات اكتئاب متكررة. وأثناء التحقيق معه في شرم الشيخ تعرض مبارك لأزمة قلبية وظل في مستشفي شرم الشيخ الدولي إلي أن نقل إلي المركز الطبي العالمي استجابة لضغوط شعبية تعارض وجوده في شرم الشيخ وتتهمه بإدارة ثورة مضادة من هناك.. وفي المركز الطبي العالمي شهدت حالته نوعا من الاستقرار مع بعض النوبات القلبية المتفاوتة وسط مطالبات شعبية وثورية بضرورة نقله لمستشفي سجن طرة خلال المحاكمة. وصدرت أحكام محاكمة القرن في الثاني من يونيو الجاري وفي اليوم نفسه غيرت الطائرة التي أقلته لمكان المحاكمة طريقها إلي مستشفي طرة بدلا من المركز الطبي العالمي وهناك بدأت معاناته من صعوبة في التنفس وأكد التقرير الطبي الرسمي أنه يعاني ضيقا في التنفس بشكل متكرر ونوبات من الذبذبة الأذينية التي أصابته بذبذبات في القلب وأن حالته الصحية غير مستقرة. شبح الرئيس القادم وحول ما حدث لمبارك تقول د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إن المجتمع المصري مجتمع غالبا ما يتعامل بعاطفته، وإن متابعة المواطنين أخبار صحة مبارك أمر طبيعي لانهم يرون أن ما يحدث الآن هو نتيجة اعتراضهم وإصرارهم علي إسقاط النظام السابق، وكان الرئيس المخلوع علي رأس هذا النظام الذي عاني الشعب المصري منه كثيرا من ظلم ومستوي معيشة متدن وقهر وظلم، لذلك فهو أمر طبيعي أن يهتم الشعب المصري بأخبار الرئيس المخلوع ووضعه الصحي، فنجد أن هناك تناقضا واضحا بين طبقات المجتمع ما بين متشف ومتعاطف ،فنحن في مجتمع كامل مختلف الطبقات والتفكير، ومن الطبيعي أن تختلف ردود الأفعال من شخص لآخر ومن طبقة لأخري. وتضيف أن تزامن مرض مبارك مع الانتخابات الرئاسية أيضا أمر لابد من الوقوف أمامه، فمبارك ظل ثلاثين عاما يحكم مصر وكانت بالنسبة له عرشا لا يتصور فقدانه، وحتي الانتخابات الرئاسية التي كانت تجري في السابق كانت دائما تصب في مصلحته، لذلك لم يكن مبارك يتخيل أن يأتي بعده من يخلفه، ولذلك كان من المتوقع تدهور صحة مبارك، خاصة أن موقف الرئيس الجديد من مبارك كان غير معلوم، خاصة بعد تضارب آراء المواطنين بين المؤيد والمعارض حول الحكم علي مبارك ورموز النظام السابق. من جانبه يقول د. اكرام بدر الدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن تردد الأنباء حول سوء حالة مبارك الصحية من عدمه يزيد الأمر سوءا في ظل الظروف الحالية واضطراب المشهد السياسي من إعلان النتائج الانتخابية وإعلان المجلس العسكري الإعلان الدستوري المكمل، وصراع الإخوان والمجلس العسكري وهو ما يزيد الموقف غموضا وبلبلة، فالمشهد السياسي والأوضاع السياسية في مصر ممتلئة بالأحداث حدثاً تلو الآخر، فليس من الصالح جذب الانتباه نحو صحة مبارك في ظل هذا الكم من الأحداث. ويستطرد قائلا: إنه من الممكن أن تكون أخبار صحة مبارك للفت الانتباه إليه وشغل الرأي العام للانشغال عن الأحداث السياسية الجارية حاليا والتعتيم علي المشهد السياسي وما يحدث من صراعات علي الساحة السياسية ولكن أيا كانت صحة ذلك من عدمه يجب أن يكون هناك نظرة متعمقة لما يحدث علي الساحة السياسية وترك موضوع صحة مبارك ومحاكمته لحين الانتهاء من القضايا السياسية الساخنة التي طرحت نفسها وبقوة علي الوضع الآن .