المصريون علي موعد هام ومصيري عليهم الوفاء به وأن يكونوا علي قدر المسئولية الملقاة علي عاتقهم في أن يختاروا رئيسهم القادم ويدركوا أن من سيأتون به إلي قصر الرئاسة ويقود مصر خلال السنوات الأربع القادمة يستحق ذلك المنصب الرفيع والقيام بتلك المهمة الثقيلة وأنه هذه المرة لن يفرض عليهم أو يزور أحد إرادتهم. الاختيار قد يبدو صعبا لأنها المرة الأولي لانتخابات حرة لكنها تأتي وسط انقسامات حادة بين المرشحين وتياراتهم وحتي داخلها بين إسلاميين وقوميين ويساريين، كما لعب الإعلام دورا أكبر في تشتيت أفكار الناخبين واختياراتهم وحيرتهم نحو من تذهب إليهم أصواتهم، لكننا أمام ثلاثة مشاريع تمثل اتجاهات المرشحين للرئاسة، الأول مشروع وطني أقرب للنهج الثوري أو الاشتراكي تحديدا في محاولة لبعثه من جديد يمثله كل من حمدين صباحي وخالد علي وأبو العز الحريري والمشروع الثاني يطرح الاستمرار في اقتصاد السوق وتدفق الاستثمارات والمزيد من الحرية الاقتصادية ويمثله أقطاب النظام القديم (عمرو موسي وأحمد شفيق) بعد استبعاد عمر سليمان أما الثالث فهو المشروع الإسلامي الذي يسعي مع بعض التباينات بين المرشحين لتطبيق الشريعة ويمثله كل من محمد مرسي والعوا وأبوالفتوح بعد استبعاد كل من أبو إسماعيل والشاطر، هذه هي المشاريع الثلاثة المطروحة أمام الناخبين لاختيار مرشح واحد من أحدها للرئاسة المرتقبة، الفارق بين المشروعين الأول والثاني من ناحية والثالث من ناحية أخري أن المشروعين الأولين (الاشتراكي والرأسمالي) جربهما الشعب المصري ورأي نتائجهما علي الطبيعة طوال ستين عاما خلال حكم عبد الناصر والسادات ومبارك حرم خلالها من أبسط حقوقه الإنسانية وهي حريته واستمر هؤلاء في الحكم عبر استفتاءات وصلت نتائجها إلي مايقارب مائة في المائة وبحضور جماهيري عند حدوده الدنيا، بينما لم ير المشروع الثالث (الإسلامي) النور بعد، من هنا فالناخب يجد نفسه أمام مشروعين يسعي الممثلون لهما لاستمرارهما بينما الثالث يشكل رغبة واحتياجا لدي شعب يميل بفطرته للتدين حتي وإن تباينت مستويات تحقق هذا التدين في حياته ويمثل نمطا لم يره المصريون مطبقا بشكل فاعل ومؤثر في حياتهم خاصة أن أقطابه هم من عانوا من اضطهاد نتيجة تمسكهم بهذه المرجعية في العهود السابقة !! الحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية هي احتياجات إنسانية مشروعة جاءت في صدر شعارات ومطالب ثورة 25 يناير وضحي الشهداء من أجلها بأرواحهم، المرشحون جميعا يسعون باختلاف توجهاتهم لتحقيق تلك المطالب لكن ثمة تخوفات ممن ارتبطوا بصورة أو بأخري بالنظام القديم والخشية من استمراره مع هؤلاء (شفيق وموسي)، الإسلاميون يطرحون أنفسهم بقوة في سباق الرئاسة الحالي وإن كان يعيبهم ذلك الانقسام الحاد في صفوفهم والخلافات التي ظهرت علي الساحة بين تياراتهم (الإخوان المسلمون والسلفيون والجماعة الإسلامية والجهاد وغيرها) مما قد يؤدي لتفتيت الأصوات بين المرشحين الثلاثة الممثلين لهذا التيار وقد فشلت جهود علماء الدين للتوافق علي مرشح واحد مما دعاهم لدعوة الناخبين لأداء صلاة ودعاء الاستخارة ليحسموا أمرهم، كما فشلت الجهود علي الجانب الآخر في تنازل بعض المرشحين لمرشح واحد لخوض المعركة الأخيرة، وهكذا فإن المرشحين الثلاثة عشر سيكونون في ورقة الانتخاب وإن تنازل اثنان منهم (الأشعل وفوزي عيسي) لصالح مرسي وموسي لكن بعد مرور الفترة القانونية. المعركة الأخيرة ستكون اختبارا للجميع سينجح البعض ويفشل البعض الآخر من المرشحين أولا ثم من القوي التي راهنت عليهم ثم من وسائل الإعلام التي ستحصد ثمار ماقدمت مما سيؤثر عليها مستقبلا سلبا أو إيجابا خاصة الفضائيات التي أشاعت أجواء من الفوضي طوال الشهور الماضية، كما ستكون هذه الانتخابات اختبارا صعبا لمن يديرونها ويؤمنون فعالياتها حتي تخرج بصورة حضارية مشرفة يتحدث عنها العالم كما سبق في الانتخابات البرلمانية سواء انتهت بفوز مرشح من المرة الأولي أو قادت النتائج لجولة ثانية، كما ستكون النتائج اختبارا حقيقيا لمن خسرها في ألا يشعل نار الثأر وتصفية الحسابات مع من فاز والتربص به وحشد الجماهير لإفشال مسيرته القادمة في الحكم كما سيكون هناك اختبار آخر للقوي السياسية خاصة في البرلمان والأحزاب في التوافق مع الفائز إذا كان علي خلاف توجهاتها ! وتكمن المشكلة في الكتلة الصامتة التي لم تحسم خياراتها فيمن تريده رئيسا وهي تكاد تصل لثلث الناخبين وربما تحسم أمرها في اللحظات الأخيرة لكن من المهم أن يشارك الجميع لأننا أمام مصير بلد وتحديد من يقوده والتصويت شهادة يجب أن تؤدي كواجب وطني يخطئ بل يأثم شرعا من تخلف عن أدائها لأنه سوف يعطي من لايصلح الفرصة ليتولي مثل ذلك المنصب دون أن يستحقه!! نريد أن نري عرسا حقيقيا للديمقراطية تشارك فيه كل جماهير الشعب بكافة أطيافها وليختر كل واحد منا من يراه الأصلح لقيادة البلاد ولايعيدها لسيرتها التي كانت عليها طوال العقود الماضية، يملك مقومات القيادة وبرنامجا لايعتمد علي الأحلام وإنما علي واقع أوصل مصر إلي مكانة لاتليق بها يسعي لتغييره وإلي حجم ضخم من المشاكل يحتاج لجهد ومشقة وعزم لايلين وعبر مؤسسات تتكامل أدوارها ولاتتصادم. لم تشهد مصر من قبل انتخابات حقيقية طوال ستين عاما بل كانت في غالبها استفتاء علي شخص واحد وحتي الانتخابات الأخيرة المعدة نتائجها سلفا (قبل الثورة ) كانت بين مبارك وعدد آخر من المرشحين لتجميل الصورة وبشكل أدق تزييفها، فلنتجه جميعا إلي صناديق الاقتراع ولنحسن اختيار من يقود مصر في أدق فترة من تاريخها حتي يصل بها وبنا إلي بر الأمان