من الطبيعي أن تنتشر الصيدليات ومخازن الأدوية وسط الأحياء والتجمعات السكانية كون الدواء خدمة إنسانية تقدم للمواطن، ولكن من غير المعقول أن يكون هذا الانتشار عشوائياً وغير منظم لتجد محال تجارية لا يوجد عليها لافتة تدل علي هويتها يباع بداخلها منتجات دوائية وكريمات ومستحضرات تجميل، أين الرقابة من كل هذا وكيف تسمح لشخص أن يتاجر في مثل هذه الأشياء التي تهدد حياة الأفراد، ومن قام بتوصيل تلك الأدوية لهؤلاء ؟ كيف يمكنه التواصل مع المرضي دون وصفات طبية خاصة يصفها الطبيب؟ أين الرقابة الدوائية من السيطرة علي هؤلاء ؟ أسئلة كثيرة تدور ببالك فور مشاهدة تلك المحال . (آخر ساعة) تجولت في الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية لتكتشف من وراء تلك المنتجات، ومن يوردها إليهم وكيف يقبل المواطن البسيط علي شراء مثل هذه الأدوية التي من المحتمل أن تكون منتهية الصلاحية أو ينقص بداخلها المادة الفعالة ومن ثم لا تفيد المريض المصري بل تضره. "إحنا بنساعد الناس وبنوفر لهم أدوية أحسن ما يموتوا من المرض " بتلك الكلمات برر م.ص تاجر أدوية، ما يقوم به، فهو يقطن في منطقة الخانكة ولديه محل تجاري مرخص ومسجل يبيع لعب أطفال وهدايا ولكن بعد ركود السوق قرر أن يغير نشاطه ليصبح – صيدلية- يبيع من خلالها الدواء للمواطنين، خاصة أن أقرب صيدلية لتلك المنطقة تبعد حوالي 2 كيلو عنها لذلك قرر أن يبيع العلاج بأسعار منخفضة أقل من السوق الدوائي وأيضًا دون رقابة. روي لنا أنه يحصل علي تلك الأدوية من خلال مندوبي مبيعات لشركات أدوية تسمي – التل – ويقوم ببيعها بأسعار أقل مما تباع به في الصيدليات الكبري، مشيرًا إلي أنه لا يحصل علي كل أنواع الأدوية لأنه يهتم أكثر بالأدوية التي يقبل عليها كثيرون مثل: " أدوية الكحة والبرد وارتفاع درجات الحرارة وعدد لا بأس به من المسكنات ". الغريب أنه لا يشعر بالذنب تجاه هؤلاء المرضي فهو في ظنه يساعد جيرانه في الحصول علي علاجهم دون بذل مجهود، ودون أن يلقي بالاً لتاريخ صلاحية تلك الأدوية أو مصدرها أو مادتها الفعالة، كما أكد أن لا يوجد أحد يسأله ماذا تبيع أو يقوم بالتفتيش علي ما يقوم ببيعه . ولم يختلف رأي سكان المنطقة عن رأي هذا التاجر حيث أكدت وسام حمدي ربة منزل أن هذا المتجر ما سماه الكثيرون حقق فائدة كبيرة لسكان المنطقة لأنهم كانوا يعجزوا عن الحصول علي الدواء خاصة بعد أن تم غلق عدة صيدليات كانت في تلك المنطقة فضلاًعن أن الأدوية تباع بسعر أرخص من الأسواق العادية، مشيرة إلي أنها تقوم بالتأكد من تاريخ صلاحية الدواء قبل شرائه. وعلي غرار المحال التجارية تحولت أرصفة الشوارع لصيدليات مفتوحة تبيع علي مدار الساعة وتحتوي علي جميع أنواع الأدوية بأسعار لا تقبل المنافسة، فالدواء الذي يباع بالصيدلية ب 70 جنيها تجده علي الرصيف ب 15 جنيها، وهناك أسواق تخصصت في بيع تلك المنتجات مثل سوق البساتين وأمام مسجد الكحلاوي تجد التجار يعرضون أقراصا وزجاجات الدواء يفترشون بها الأرض بشكل عشوائي، وعلي الراغب في دواء معين أن يبحث عنه وسط أكوام الأدوية، فهذا للصداع وهذا للبرد وأخيرا للتقلصات المعوية، والغريب مع أنها معرضة لأشعة الشمس وسوء الحفظ تجد من يطلبها ليشتري ما ينقصه. أكدت مديحة الملواني صيدلانية أن ظواهر تدني سوق الأدوية في مصر أمر عادي، وذلك لأن سوق الدواء المصري أصبح من أردأ الأسواق في العالم والسبب الرئيسي في ذلك هو غياب الرقابة علي الدواء لعهود طويلة ،فهناك افتعال متعمد للمشكلات الدوائية في ظل وجود النظام السابق وحتي بعد الثورة لم يتغير شيء. وأضافت الملواني أن من أهم صور تدني سوق الدواء هو افتقار المستشفيات لأدوية الطوارئ حتي في أرخص الإسعافات مثل "الأمبولات " وسعر الواحدة منها 30 قرشا ونجد غير ذلك الأدوية المهربة رخيصة الثمن فهي تباع علي الأرصفة دون رقيب . وأشارت إلي أن تلك الأزمة يمكن حلها بطريقة واحدة وهي استكمال الثورة لتعود المهام إلي نصابها الجيد لأننا لم نجن من الثورة سوي كسر حاجز الخوف ولا أمل في التغيير طالما أن الثورة المضادة لاتزال مستمرة التي يقودها بالطبع المجلس العسكري . وأرجعت الفشل في هذا القطاع إلي الإدارة المركزية للصيادلة ،حيث قامت الإدارة بالاستغناء عن كافة الكفاءات الشابة والقديمة واستبدالهم بغيرهم من المتأسلمين والإخوان دون اشتراط وجود كفاءة تؤهلهم لتلك المهام الجسيمة. وأضافت الملواني أن ازدواجية المناصب بدورها أفشلت الإدارة الجيدة، - فيك الخصام وأنت الخصم والحكم- فكيف يكون نقيب القاهرة محمد عبدالعليم الذي من شأنه الإدارة المركزية للصيادلة فلديه مسئولية مشتركة ولا يمكن محاسبته أوالرجوع له وقت حدوث مشكلة!؟ ومن جانبه أكد أسامة السعدي رئيس غرفة صناعات الدواء باتحاد الصناعات أن انتشار بيع الأدوية أو المستلزمات الطبية علي الأرصفة أو الباعة المتجولين في الميادين الشعبية يرجع إلي الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها كلا الطرفين سواء البائع الذي غالبا ما يكون شابا غير متعلم يلجأ لبيع تلك الأدوية أو المستلزمات الطبية نتيجة لقلة أسعارها مما يجعل المشتري ينظر للسعر بعيدا عن التأكد من اسم الشركة المنتجة أو تاريخ الإنتاج أو الشراء من الصيدليات وليس من الشوارع أو الميادين. وأضاف السعدي أن تهريب الأدوية هو مسئولية الجميع حيث تبدأ من القائمين علي المنافذ وحراس الحدود والسواحل وتنتهي عند مسئولي الرقابة الصحية سواءً بالهيئة العليا للأدوية أو الخدمات الطبية والصيدلانية في مكاتب الصحة بالمديريات أو المحافظة.. والهيئة حاولت أن تسجل أصنافا بديلة ولذلك تلاحظ أن هناك عشرة أصناف أو أكثر لصنف واحد من الدواء وذلك لتقليص عملية التهريب وأيضاً لتغطية السوق بأصناف العلاجات التي تأتي مهربة ولدينا حوالي 13ألف صنف مسجل كبدائل وهذه البدائل لا تأتي إلا بعد أن يتم فحصها.. وقال: هذا هو دور الهيئة في محاربة التهريب والمتمثل في توفير الأصناف من أكثر من مصدر وهناك فرق بين الأدوية المهربة والرسمية..فالأدوية الرسمية تخضع كما قلنا لعملية الرقابة والفحص ولكن الأصناف المهربة لا تخضع لذلك بتاتاً. ومن جانبه قال د. أحمد عقيل، أمين مساعد نقابة الصيادلة: طالبنا في السابق وما زلنا نطالب بأن تقوم وزارة الصحة من خلال التفتيش علي الصيدليات وتشديد الرقابة علي الجمارك بمنع تداول الأدوية المهربة بطرق غير شرعية". وأضاف أن النقابة قد تقدمت بقائمة من 140 دواء مهمًّا جدًّا للمريض المصري وغير مسجَّلة بضرورة تسجيلها؛ لقطع الطريق علي المهرِّبين الذين يجدون مرتعًا خصبًا لهم في سلاسل الصيدليات؛ بما لهم من قدرات مالية عالية وصلات ببعض مسئولي وزارة الصحة. وأكد عقيل أن ترويج الأدوية المهرَّبة من قبل سلاسل الصيدليات وغيرها هو سبب وقوف النقابة ضد السلاسل، مشيرًا إلي أن الأماكن التي تهرَّب من خلالها الأدوية والتي تروّج فيها معروفة للجهات الرقابية، وعليها أن تقوم بحصار تلك الأماكن .