النيل الأول، والبدائي كان نهرا مستقلا قائما بذاته مثله في ذلك مثل باقي فروع النيل الحالية والتي لم يكن له بها حيئنذ أي اتصال، فقد كان أقصي امتداده ينبع من الجنوب إلي جوار سيلوقة ويصب بجانب القاهرة، تغذيه روافد ترد إليه من الجبال المحيطة من سلسلة البحر الأحمر ومعني هذا أن النيل الأول أصله محلي وقديما أصله مصري بحت.. كما كان حقا نهر مصر الذي لا ينازعها فيه أحد، باستثناء بعض المساحات الصغيرة والمتناثرة في النوبة وأثيوبيا حيث لم تكن هناك زراعات مروية ولا فلاحون يحصدون محاصيل زرعوها بأنفسهم إلا في مصر حيث عصب اقتصاد شعوب دول حوض النيل الأخري هو الرعي والزراعة المطرية ولم يلعب النهر في حياتها إلا دورا هامشيا فهو يمر عليها مرور الكرام. والنيل هو الفتي الكهول المجدد لأرضه بما يجلبه معه من مواد ثقيلة، فلا صعوبة عليه في أكل جروفه في وقت الفيضان خلال مصادمة الماء لأي جرف حيث تهيل كتل الطين أو الرمل وتتفتت فورا وتسير مع التيار ثم ترسب في الجرف المقابل فوق القاع حاملة علي السطح ما خف منها وهكذا وبهذه الكيفية تكونت قطاعات نهر النيل. والمصريون القدماء الذين عاشوا علي ضفافه منذ آلاف السنين كانوا يؤمنون بأن الحياة علي الأرض ليست إلا تمهيدا أو مرحلة انتقال إلي حياة أطول وأسعد في العالم الآخر ولذلك كانوا يسمون المنزل الذي يبنيه أحدهم »منزل عابر الطريق« ولكن كانوا يطلقون علي المقبرة التي يدفن فيها هذا المصري »بيت الأبدية«. كل ذلك جاء في الجزء الثاني من موسوعة عشاق النيل (ببلوجرافيا شارحة) التي قام بتأليفها حنفي مصطفي حنفي والتي تضم العديد من الكتب العتيقة سطرها علماء الحياة القدامي إلي جانب الكتب العلمية التي تناولت النيل وفروعه وقناطره وسدوده من جميع النواحي ولم يتوقف قلمه عند هذا الحد بل جاء في الموسوعة بعدد من كتب الأطفال التي يمثل كل واحد منها موسوعة صغيرة لما تضمه من معلومات غزيرة عنه. وهذه دعوة من جانبنا نقدمها لكل من تتحرك بداخله ذرة في حب مصر ونهرها العظيم أن يستزيد من المعرفة عن وطنه ونيله (الفتي الكهول) حيث إننا لا نعرف عنهما لا الكثير ولا القليل كما يقول حنفي مصطفي والذي نقدم له كل الشكر علي هذا الجهد الكبير الذي بذله حتي يخرج لنا هذه الببلوجرافيا كما نطالبه ببلوجرافيا أخري لكن هذه المرة عن الكتب والموسوعات والأعمال التي قام بتأليفها آخرون عشقوا النيل علي طريقتهم الخاصة وسطروا ذلك بلغاتهم الأجنبية خاصة الإنجليزية منها.