انعقد المؤتمر الدولي الأول وعنوانه: (اللغة العربية ومواكبة العصر) في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برئاسة الدكتور محمد بن علي العقلا، وناقش علماء 71 دولة أسرار لغتنا الجميلة وآدابها، واللهجات والتأصيل اللغوي، وشارك الوفد المصري بالعديد من الأبحاث القيمة، كان منها هذا البحث الطريف: (الهجرات العربية إلي مصر وأثرها في اللهجة المصرية.. محافظة الشرقية نموذجا) للدكتورة نهلة أنيس مصطفي الأستاذ بكلية الدراسات الإنسانية بنات جامعة الأزهر. من الثابت تاريخيا أن النزوح الحقيقي للقبائل العربية إلي مصر كان مع بداية الفتح الإسلامي ومجيء عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، وتوطنت الهجرات الأولي في (الفسطاط) من قبائل عربية عدة، وتعايشت مع الشعب المصري وأثرت فيه وتأثرت به حتي كونت نسجيا واحدا، وأصبحت مصر مفتاح الدخول إلي أفريقيا، وخاصة عندما انتدب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عدة بطون من قبائل شتي للتوطن علي أرض الكنانة، وظلت تلك الهجرات طوال العصر الأموي، وحتي فترة متأخرة من العصر العباسي، وسكنت مناطق مصر المختلفة وريفها في نواحي الشرقية، والبحيرة، ومناطق الصعيد، وغيرت وجهها الحضاري، ولم يأت القرن الرابع الهجري إلا وكانت اللغة العربية هي لسان العامة، وخاصة بعد انتشار الإسلام بكل أنحاء القطر المصري، وتكاد تجزم بعض الدراسات أن الوجود العربي ودخول المصريين من الأقباط في الإسلام هو ماجعل اللسان العربي يسود بهذه الصورة الكبيرة، مما حدا بمصر أن تصبح مركزا لإشعاع ثقافي يماثل البصرة والكوفة ودمشق، وغدت العواصم المصرية الفسطاط ومن بعدها القاهرة تؤدي دورها كمركز حضاري وثقافي هام للحضارة العربية الإسلامية. وأصبحت لهجات مناطق توطن العرب تختلف اختلافا كليا عن لهجة عامة المصريين في المناطق المحاذية للنيل، وهي التي كثر بها الوجود المصري القبطي قديما، وخاصة في الوجه البحري، فأصبحت اللهجة القاهرية تشمل عدة مناطق مثل القاهرة وتخومها من القليوبية والمنوفية وبعض أراضي الجيزة، وتنوعت لهجات السواحل المصرية، الشرقية منها في دمياط، والغربية كالإسكندرية أما بقية السواحل الغربية فكانت لهجتها (بدوية) بلكنة مغربية لتوافد عدد من القبائل المغربية عليها وتوطنها في مرسي مطروح والسلوم وصولا للحدود الليبية، أما الوجه القبلي ففرضت العربية وجودها بقوة حتي تكونت ما سمي باللهجة (الصعيدية) ومعظم مفرداتها عربية فصحي أصيلة، حتي أننا وإلي يومنا هذا نجد أقباط مصر يتحدثون العربية باللهجة الصعيدية؟ وتتسم اللهجة الشرقاوية بالعديد من المميزات التي اكتسبتها من اللغة العربية، وبالرغم من أن معظم اللهجات المصرية فقدت بعض الأصوات العربية القديمة والتي تميزت بها العربية الفصحي ومنها أصوات: الثاء والذال والظاء والقاف، واستبدلت في العامية المصرية وبالترتيب: التاء والدال والضاد والهمزة أو الجيم القاهرية، ويعزي هذا الإبدال إلي بعض الأصوات الرخوة القليلة الشيوع في اللغة الفصيحة إلي نظائرها في أصوات الشدة، وأيضا تغيرت بعض مخارج الألفاظ فمالت إلي مخارج اللفظ في العامية من الفم، غير المخرج الصوتي في اللغة العربية مثل صوت حرفي السين والشين، وهذا هو ما عرف عند علماء اللغة بالإبدال الذي وضح كثيرا في اللهجات المصرية. لكن الدكتورة نهلة أنيس محمد مصطفي أوضحت في المؤتمر اللهجة الشرقاوية واختلافها في الكيان الجغرافي الشرقاوي، حيث ظهرت في كل منطقة من مناطق محافظة الشرقية لهجة تختلف نسبيا عن الأخري بسبب تواجد القبائل العربية وبطونها في المحافظة ممثلا في قبائل الهنادي، والطحيلات، ومطير، والنفعيات، والسماغنة، وأولاد موسي، والبياضين، وأولاد سليمان، وعيسي، والعقايلة، والأخارسة، والقطاوية.. إلخ، ومما لاشك فيه أن عروبة الشرقيةأصيلة، وتشمل الأصوات الساكنة عند أهلها ثمانية وعشرين صوتا تمثل ثمانية وعشرين حرفا بدءا بالهمزة انتهاء بالياء، وتنطق في اللهجة علي النحو التالي: الصوت الحنجري المجهور الشديد مثل (الهمزة) فعندما ينطق بها (الشراقوة) محققة فهي صوت حنجري شديد، غير أن هذا الصوت في اللهجة يتغير في عدة مواضع، فتحذف أحيانا، أو تستبدل بحرف آخر، أو يأتي مكانها إطالة في الحركة التي قبلها، أو تأخذ حكم الهمزة الوصل، ومن الأمثلة علي هذه المواضع حذف الهمزة في أول الكلمة مثل قولهم: (عمامك جم).. أي أعمامك أتوا أوجاءوا، وكذلك في كلمة (خوال) أي أخوال، ومثال حذف الهمزة من آخر الكلمة إذا جاءت الهمزة متطرفة في نهاية الكلمة مثل نسا، وسما ، في نساء وسماء، ومثل قولهم: (السما غايمة) بمعني السماء غائمة!!