هنا بكين، عاصمة ال25 مليون نسمة، العاصمة الأكثر ازدحاما في العالم، عاصمة بلد المليار و350 مليون نسمة، عاصمة الصين التي أصبحت تحتل المركز الثاني عالميا اقتصاديا، والتي ستعلن العام القادم أنها بلا فقراء حيث لم يبق بها سوي 35 مليون فقير فقط.. تلك الدولة التي تنافس الولاياتالمتحدة تكنولوجيا في مجال الاتصالات وربما تسبقها قريبا في إعلان تطبيقات جيل ال(5G). هذه الدولة العملاقة حرصت علي دعوة مصر متمثلة في رئيسها عبدالفتاح السيسي للمشاركة في فعاليات القمة الثانية لمنتدي (الحزام والطريق) مع 37 من زعماء وقادة الدول الذين يمر ببلادهم طريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب تجاريا مرورا بالقارات الثلاثة أوروبا وآسيا وإفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. حيث يرمز لفظ »الحزام» إلي الطريق البري والسكك الحديدية الذي سيربط القارات الثلاثة، »ولفظ» »الطريق» أي الممرات البحرية في القارات الثلاثة والشرق الأوسط، ويمكن أن توصف مصر بأنها »جوهرة التاج» في الطريق البحري لأنها تملك قناة السويس أهم الممرات البحرية علي الإطلاق، ويموِّل »الحزام والطريق» أهم وأكبر 4 بنوك في الصين. وتضم المبادرة 65 دولة بها 60٪ من تعداد سكان العالم وتمتلك 70٪ من الإنتاج العالمي. ومنذ وصول الرئيس السيسي والوفد المرافق له إلي بكين فجر يوم الخميس بدأ العمل، وبدأت اللقاءات قبل فعاليات قمة »الحزام والطريق» التي انطلقت يوم الجمعة، وخلال ال72ساعة التي قضاها الرئيس في بكين لم يتوقف عمل الرئيس ولا الوفد المرافق له. عقد الرئيس 7 لقاءات ثنائية، وألقي كلمة في افتتاح قمة »الحزام والطريق» والتقي مع رؤساء كبري الشركات الصينية وحضر مأدبة عشاء مع زعماء وقادة العالم المشاركين في القمة، ثم شارك في المائدة المستديرة لكل الرؤساء.. كما وقّع الوزراء المرافقون عددا من الاتفاقيات المهمة أبرزها توريد وتصنيع أتوبيسات النقل العام الكهربائية ونقل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. التقي الرئيس السيسي بمقر إقامته بفندق »وندافيستا» بقلب بكين سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، حيث أكد الرئيس علي التطور الملحوظ في العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات، وقال إن الإمارات تحظي بمكانة خاصة في مصر قيادة وشعبا، وأكد الرئيس علي أن أمن الخليج من أمن مصر، في حين قال بن راشد إن قوة مصر هي قوة للعرب، وأبدي إعجابه بالمؤشرات المرتفعة للاقتصاد المصري، مشيدا بالإصلاح الشامل الذي تقوم به، وهنّأ الرئيس علي نجاح عملية الاستفتاء ووصفها بأنها الأكبر والأوسع مشاركة من كل طوائف الشعب.. وتناول اللقاء زيادة أوجه التعاون بين البلدين لخدمة الشعبين الشقيقين. كان لقاء القمة السابعة بين الرئيس السيسي ونظيره الصيني تشي جين بنج بقاعة الشعب الكبري في بكين، حيث أكد الرئيس الصيني تقدير بلاده لمصر وحضارتنا العريقة، مشيدا بالنجاح الذي حققته مصر علي صعيد الإصلاح الاقتصادي وتحقيق الأمن والاستقرار، والإنجازات الواضحة في مجال التعمير بالإضافة إلي المشروعات القومية الكبري، مؤكدا أن كل ذلك كان دافعا ومحفِّزا للشركات الصينية علي الدخول في مجال الاستثمار في مصر، وأكد أن الصين تدعم عملية التنمية الشاملة التي تقوم بها مصر كما تدعم جهود مصر في مكافحة الإرهاب واقتلاع جذور التطرف من الشرق الأوسط. ومن جانبه أكد الرئيس السيسي أن مصر حريصة علي المشاركة في قمة »الحزام والطريق» لأنها تهدف إلي تعزيز التنمية الشاملة وتحقيق تطلعات شعوبنا لتحقيق الرخاء. وقال السفير بسام راضي المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية إن الرئيس السيسي أكد أن رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي تضيف بعدا استراتيجيا جديدا لمشاركة مصر الفعالة في مبادرة »الحزام والطريق» في ظل حرص الصين علي التنسيق مع إفريقيا.. وقال الرئيس إن قناة السويس ترحب بأن تكون جسرا للتلاقي الحضاري بين مصر والصين والتعاون بين البلدين. وأعرب الرئيس عن تطلعه لتشجيع الصادرات المصرية للصين وتسهيل إجراءات نفاذها إلي السوق المحلي بما يسهم في تقليل العجز التجاري بين البلدين. وقد توافقت وجهات النظر بين البلدين تجاه كافة القضايا العالقة بالشرق الأوسط وضرورة التوصل لحلول سياسية للأزمات.. واستمع الرئيس الصيني لرؤية الرئيس السيسي حول الأزمات الحالية في السودان وليبيا وسوريا. وصرح المتحدث الرسمي بأن القمة تطرقت أيضا إلي ضرورة زيادة عدد السائحين الصينيين لمصر حيث إن عددهم لا يزيد عن نصف مليون سائح. التقي الرئيس السيسي مع وانج يانج رئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري الصيني وحضر اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، الذي رحب بزيارة الرئيس لبلاده، وأكد حرص الصين علي تطوير التعاون الثنائي بين البلدين علي مختلف الأصعدة. مشيدا بالنهضة التنموية والاقتصادية التي تشهدها مصر وبالاستقرار الأمني والسياسي الذي تنعم به مصر.. وقال إن مصر تعتبر سوقا واعدا للاستثمار وللشركات الصينية. وأشاد الرئيس بارتقاء العلاقات الثنائية بين البلدين التي وصلت إلي مستوي »الشراكة الاستراتيجية الشاملة». واستعرض الرئيس أهم ملامح الدور المصري في إقرار السلام والأمن في المنطقة من خلال الحرب الشاملة التي تشنها ضد الإرهاب ومساعيها لتعبئة الجهود الدولية والتعاون مع الدول الصديقة خاصة الصين لاجتثاث جذور الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، ومحاصرة داعميه ومن خلال دور مصر في تحقيق التسوية وإقرار السلام في دول الجوار، وأكد الرئيس علي مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية وتحقيق المصالح المشتركة لصالح كافة الشعوب. ألقي الرئيس السيسي كلمة في الجلسة الافتتاحية لقمة منتدي »الحزام والطريق» تناول فيها تعزيز الشراكة بين مصر والصين من خلال برنامج تنفيذي محدد يؤسس لإطار حاكم للتعاون، مؤكدا أن تلبيته لدعوة صديقه الرئيس الصيني تنبع من اهتمام مصر بالمبادرة، والتطلع إلي تحقيق ما تصبو إليه شعوبنا، وقال إن المبادرة تتناول قطاعات ومجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لنا في إطار رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة مثل الارتقاء بالبنية الأساسية في مجالات النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات ومشروعات ربط المرافق، كما تتسق مع جهود مصر لإطلاق عدة مشروعات عملاقة ذات العائد الكبير والفرص الاستثمارية المتنوعة في مقدمتها محور تنمية قناة السويس القائم علي إنشاء مركز صناعي وتجاري ولوچيستي، يوفر فرصا واعدة للشركات الصينية وللدول أطراف المبادرة وغيرها من مختلف دول العالم الراغبة في الاستفادة من مركز مصر الاستراتيجي.. وأشار الرئيس إلي أن مصر طورت قدرتها علي إنتاج وتوفير الطاقة وتنويع مصادرها بشكل يؤهلها لتصبح مركزاً إقليميا للطاقة، وخاصة في ضوء ما يمثله موقعها الاستراتيجي علي جانبي قناة السويس من إمكانية نقل وتخزين وتداول المنتجات البترولية والغاز انطلاقاً من كون مصر مركزاً لحركة الشحن المتدفقة بين أسواق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. وقال الرئيس إننا نتطلع إلي شراكة في تنفيذ ممر الشمال الجنوب طريق (القاهرة كيب تاون) لزيادة تدفقات التجارة والاستثمار البيني، وكذلك مشروع الربط الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، ودعا الشركات والمؤسسات التمويلية في إطار مبادرة الحزام والطريق إلي المساهمة في تلك المشروعات. التقي الرئيس السيسي مع رجال الأعمال ورؤساء كبري الشركات الصينية بمقر إقامته حيث عقد اجتماعاً معهم استغرق أكثر من 3 ساعات وحضره من الوفد المرافق للرئيس سامح شكري وزير الخارجية وعمرو نصار وزير الصناعة ود. محمد سعيد العصار وزير الدولة للإنتاج الحربي والمهندس كامل الوزير وزير النقل ود. عمرو طلعت وزير الاتصالات والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس والفريق عبدالمنعم التراس رئيس الهيئة العربية للتصنيع واللواء محسن عبدالنبي مدير مكتب رئيس الجمهورية. وأكد الرئيس خلال اللقاء علي تذليل مختلف العقبات التي قد تواجه الشركات الصينية في مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وتنمية الاستثمارات المشتركة وزيادة الاستثمارات الصينية في مصر، سواء بتوسيع الاستثمارات الموجودة حالياً أو دخول استثمارات جديدة، وقال إن مصر تسعي للاستفادة من التجربة الصينية الناجحة التي تقوم علي تعظيم دور المعرفة والإبداع التكنولوجي. وأكد الرئيس علي مراعاة نقل وتوطين التكنولوجيا. ومن جانبهم رحب المستثمرون الصينيون بتكثيف التعاون مع مصر. وفي مساء نفس اليوم حضر الرئيس السيسي لقاء قمة مع الرئيس الروسي بوتين الذي أشار إلي أهمية استمرار التنسيق والتشاور مع الرئيس السيسي بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وأعرب عن تقديره لدور مصر كركيزة أساسية للأمن والاستقرار في المنطقة وفي إفريقيا. وصرح السفير بسام راضي بأن الرئيس السيسي أعرب عن حرصه علي تعميق علاقات الشراكة مع روسيا الاتحادية في إطار التطور المستمر الذي تشهده تلك العلاقات، وأشاد الرئيس بالتعاون الثنائي في العديد من المجالات والمشروعات التي سيتم البدء في تنفيذها خاصة مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في شرق بورسعيد، ومشروع إنشاء محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، وأشار المتحدث إلي أن الجانبين تطرقا إلي موضوع استئناف رحلات الطيران الروسية إلي مصر، حيث أشاد بوتين بالجهود التي تقوم بها السلطات المصرية في تأمين المطارات والتي ستدعم استئناف رحلات الطيران، عقب انتهاء المشاورات الفنية الجارية بين الجانبين حالياً. وقال المتحدث إنه كان هناك توافق في الرؤي حول ضرورة التمسك بالحل السياسي في قضايا النزاعات بمنطقة الشرق الأوسط وعلي رأسها القضية الفلسطينية والمسألة الليبية والأزمة السورية، وذلك بما يحافظ علي سيادة الدول ويحافظ علي أراضيها. وعقب لقاء بوتين توجه الرئيس إلي قاعة الشعب الكبري للمشاركة في مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الصيني للمشاركين في قمة منتدي »الحزام والطريق»، وصرح المتحدث الرسمي أن الرئيس التقي علي هامش العشاء مع الرئيس البرتغالي مارسيلو دي سوزا، ورئيس الاتحاد السويسري أولي ماورو، وبحث الرئيس معهما العلاقات الثنائية، ومن بينها المشروعات القومية التي تقيمها مصر وما توفره من إمكانات استثمارية ضخمة تفتح الباب أمام التعاون التجاري والاستثماري المشترك، كما تم التطرق لسبل دفع التنمية في جنوب المتوسط والدول الإفريقية بما يسهم في معالجة الجذور الرئيسية للإرهاب والحد من الهجرة غير الشرعية، ويساعد علي إعادة الأمن والاستقرار للمنطقة.
اصطحب الرئيس الصيني الرئيس السيسي والرئيس بوتين وعددا من رؤساء الدول والحكومات لعدد من الدول المنتقاة إلي جزيرة تبعد 70 كم عن بكين لعقد جلسات المائدة المستديرة ضمن أعمال قمة مبادرة الحزام والطريق، حيث ألقي الرئيس السيسي كلمة خلال الجلسة الأولي أكد فيها علي العلاقة الوثيقة بين تطوير البنية الأساسية وتحقيق التنمية الشاملة للدول أعضاء المبادرة، وأشار الرئيس إلي أن مصر تنفذ مشروعا عملاقا لتنمية محور قناة السويس ليصبح المحور مركزا لوجيستيا واقتصاديا عالميا يسهِّل حركة الملاحة والتجارة الدولية بما يتكامل مع مبادرة الحزام والطريق التي تعتمد في الأساس علي مفهوم الممرات الاقتصادية للتنمية. وأكد الرئيس أن مصر وضعت استراتيجية طموحة لتصبح مركزا إقليميا للطاقة من خلال تعظيم الاستفادة من موقعها الجغرافي وتوافر البنية التحتية من شبكة خطوط الأنابيب لنقل الغاز، ومحطات الإسالة. كما تسعي مصر لتدشين منتدي الغاز، كما تسعي مصر أيضا لتصبح مركز رقمياً إقليمياً لنقل حركة البيانات بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، انطلاقاً من كون مصر أعلي دولة في العالم في عدد الكابلات البحرية التي تمر عبر أراضيها، وفي نفس اليوم مساء حضر لمقر إقامة الرئيس السيسي رئيس وزراء إيطاليا جوسيبي كونتي واستمع خلال اللقاء لرؤية الرئيس في التعامل مع الملفات الإقليمية لما يملكه الرئيس من خبرة وحكمة في هذا المجال. وأكد الرئيس علي موقف مصر الثابت الذي لا يتغير وهو خروج الميليشيات من أي مفاوضات، فلا تفاوض مع الإرهاب، ويتم التعامل فقط مع الجيوش النظامية الوطنية المركزية. وأعرب جوسيبي عن أمله في أن تنتهي الأزمة الليبية، لأن الوضع معقد هناك. كما تطرقت المباحثات للقضية الفلسطينية وسوريا. وصرح السفير بسام راضي المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية بأن المباحثات تناولت العلاقات الثنائية ومشاركة الشركات الإيطالية في المشروعات بمصر. وقال راضي إن اللقاء تطرق لآخر تطورات التحقيقات الجارية في قضية »ريجيني«، حيث أعرب الرئيس عن دعمه الكامل للتعاون المشترك بين الأجهزة المختصة في البلدين للكشف عن ملابسات القضية والوصول إلي الجناة وتقديمه للعدالة.