في ظهيرة الثلاثاء 9 أبريل حلقت مروحية في سماء تل أبيب، ليراقب من بداخلها ما يجري علي الأرض في ذلك اليوم، من الطائرة ظهرت طوابير الناخبين الإسرائيليين أمام لجان الاقتراع كثعابين مرقطة، وكلما مضي الوقت يشتد الزحام أمام الصناديق. بعد العاشرة مساء اختفي المشهد حين أعلن القضاة نهاية وقت التصويت، لتبدأ عملية الفرز، ويحبس الجميع أنفاسه انتظارا لإعلان النتائج النهائية، إلا أن الهدف اختلف لدي الأحزاب المتنافسة. نتنياهو كان يخشي الخسارة، التي قد تضعه في مواجهة المحكمة بسبب اتهامه في قضايا فساد ما يعني تهديده بدخوله السجن، بينما غريمه بيني جاتس يسعي إلي إعلان انتصاره والإطاحة بالليكود ليدخل مجلس الوزراء علي حصان من ذهب. قلق نتنياهو من زيادة أعداد اليسار أمام الصناديق جعلته يصرخ في أنصاره الذين فضل البعض منهم الاستمتاع بالشواطئ في ذلك اليوم المشمس »اتركوا البحر»، ويبدو أن استغاثاته أتت بنتيجة، فقد تدفقت أعداد غفيرة ضمنت له الابتعاد عن ظلام السجون. ربح نتنياهو في نهاية الأمر تشكيل الحكومة الجديدة التي تعهد فيها أن يكون رئيس وزراء لكل الإسرائيليين، فيما كان ينظر إلي شيء ما قد يكون موجودا أمامه أو في خياله. محللون قالوا إن نتنياهو كان ينظر إلي الانقلاب علي السلطة القضائية، وإعادة القانون الفرنسي الذي يمنع محاكمة كبار المسؤولين في السلطة، أو إعادة قانون الحصانة ليحمي نفسه من التواجد خلف القضبان، ما يعني تحويل النظام في إسرائيل من برلماني إلي رئاسي كما فعل رجب إردوغان في تركيا. المثير في انتخابات 2019 كان غياب نحو 2 مليون مواطن ممن يحق لهم التصويت، جزء كبير منهم من عرب 48 والذين اتفقوا علي المقاطعة ما شكل تأثيرا كبيرا علي الأوضاع. انتظر الليكود فرز 100% من الأصوات بما فيها الأظرف المزدوجة (أصوات الجنود) ليكسر المساواة مع الأزرق والأبيض ب35 مقعدا لكل منهما، ويحصل علي مقعد إضافي بينما تحالفه مع أحزاب اليمين التي اقتنصت مجتمعة 65 مقعدا مقابل 55 ل »أزرق أبيض» والمتحالفين معه. 36 مقعدا حصل عليها الليكود ما يؤكد أن حزب اليمين الجديد فشل في تجاوز نسبة الحسم، فيما كشفت النتائج تراجع أحزاب »كولانو» و»ميرتس» من 5 مقاعد، بحصول كل منهما علي 4 مقاعد منها في الكنيست المقبل من أصل 120 مقعدا. معسكر اليمين والأحزاب الحريدية حصل علي 65 مقعدا، ما يعني أكثر من نصف مقاعد الكنيست، فيما حصل معسكر أحزاب الوسط - يسار بالإضافة إلي الأحزاب العربية، علي 55 مقعدا، ما يسهل مهمة الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو في تشكيل الحكومة المقبلة وهو يضع ساقا فوق أخري. عدد من يحق لهم الاقتراع في الكنيست ال12 نحو 6 ملايين و335 ألفا و387 مواطنا، فيما لم يصوت فعليا إلا 4 ملايين و335 ألف و320 شخصا، أما عدد الأصوات الملغاة أو المغلفات الفارغة فقد وصلت إلي 30 ألفا و756 صوتا، أما الأصوات الصحيحة فهي 4 ملايين و304 آلاف و564 صوتا. وفق البيانات الرسمية. عدة أزمات مؤجلة تواجه نتنياهو قبل تشكيل حكومته الخامسة في مقدمتها حزب »يسرائيل بيتينو»، أفيجدور ليبرمان، الذي استقال من منصبه كوزير للأمن، بعد فشل العملية العسكرية التي قام بها جنود الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. القناة 12 في التليفزيون العبري قالت إن ليبرمان، الذي تشكل مقاعده الخمسة التوازن لأي حكومة مقبلة في إسرائيل، يسعي إلي طلب حقيبة الأمن مرة أخري، من أجل تشريع قانون تجنيد الحريديين »طائفة اليهود المتشددين» بصيغته الحالية، الذي تسبب الجدال حوله في عملية تفكيك الحكومة السابقة والتبكير بالانتخابات الإسرائيلية عن موعدها المحدد. الحريديون، الذين لا يمكن لنتنياهو الاستغناء عنهم في حكومته لثقلهم السياسي، من المتوقع أن يعارضوا قانون ليبرمان الذي يجبرهم علي التجنيد في الجيش، خاصة أنهم يحظون في الوقت الحالي بالإعفاء منه. وزير المواصلات الإسرائيلي عضو الليكود، يسرائيل كاتس، قال للقناة 12 إن نتنياهو لن يشكل حكومة وحدة تضم »كاحول لافان»، في حين ذكرت صحيفة »معاريف» أن الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، يسعي إلي ذلك. النقطة الأهم في تشكيل الحكومة الجديدة تتمثل في منح نتنياهو حصانة من التحقيقات الجنائية التي يواجهها، في الوقت الذي قالت فيه مصادر حزبية للقناة 13 في التليفزيون الإسرائيلي إن هناك إمكانية لتغيير نظام الحكم في إسرائيل إلي رئاسي، وحينها يمكن سن قانون يحصن نتنياهو من التحقيقات. إذا كان اقتراح نتنياهو علي شركائه المحتملين اقتطاع ميزانيات هيئة البث الرسمية، من المتوقع ألا يشهد معارضة في صفوف الأحزاب اليمينية والحريدية، فإن طلبه تقليص الميزانية الإسرائيلية بشكل كبير في العام المقبل قد يواجه رفضا من الأحزاب. بعد أيام قليلة فقط من انتهاء فرز الأصوات في انتخابات 2019، أصبح من المعروف أن الحزب اليميني الجديد لم يتجاوز العتبة الانتخابية، ما جعل ناشطون بارزون من الليكود يدعون وزير العدل إيليت شاكيد إلي عدم ترك السياسة والانضمام إلي الحزب. أعضاء الكنيست وكبار وزراء الليكود عبروا بالفعل عن آرائهم حول الفكرة، رئيس الائتلاف السابق ديفيد بيتان قال قبل بضعة أشهر في مؤتمر لنقابة المحامين في إيلات إنه إذا انضمت شاكيد إلي الليكود فستكون المرشحة الأكثر شعبية في الانتخابات التمهيدية. مصادر سياسية رفيعة المستوي ذكرت خلال عطلة نهاية الأسبوع أن تعيين شاكيد لليكود ليس سوي مسألة وقت، وأنهم ليس لديهم أي شك في أن شاكيد لن تترك اللعبة السياسية، علي الرغم من ارتكابها ونفتالي بينيت الكثير من الأخطاء، لكن إيليت شاكيد تحظي بشعبية كبيرة ويجب أن تكون في الليكود. خطوة أخري علي الطريق إلي حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة: سيبدأ الرئيس رؤفين ريفلين جولة من المشاورات مع الفصائل استعدادا لتشكيل الحكومة بعد استلام النتائج الرسمية ب 7 أيام، فيما سيقرر الرئيس ما إذا كان ينبغي الانتهاء من جولة التشاور. الرئيس الإسرائيلي عاد ليجتمع مع ممثلي الأحزاب الذين استمعوا إلي توصياته ليعلن في نهاية جولة من المشاورات تشكيل الحكومة. سيكون لديهم 28 يوما لإنهاء المهمة، ويجوز لرئيس الحكومة أن يطلب من الرئيس تمديد فترة إضافية تصل إلي 14 يوما، وإن لم ينجح نتنياهو في مهمته، فعلي ريفلين أن يجري مشاورات حكومية مجددا، يحق له في ختامها تكليف عضو كنيست آخر بتشكيل الحكومة، وإذا فشل هذا العضو بتشكيل الحكومة، فإن أغلبية أعضاء الكنيست المنتخبين بإمكانهم طلب تكليف عضو كنيست ثالث بتشكيل الحكومة، وإن فشل عضو الكنيست الثالث في مهمته، فإن إسرائيل ستذهب للانتخابات مجددا خلال تسعين يوما. طلب ريفلين بث لقاءاته مع الفصائل المختلفة علي الهواء مباشرة علي جميع المنصات الإعلامية، ويري بعض المعلقين الإسرائيليين أنها تعتبر أول مرة في التاريخ يرغب فيها الرئيس في تعزيز الشفافية تجاه المواطنين الإسرائيليين.