صناعة الدساتير في النظم الديمقراطية لا تعرف معني أن يكون هناك مشاركة من أي من السلطات التي ينشئها الدستور فكل من السلطة التشريعية والتنفيذية هما من نشأة الدستور نفسه ومن ثم لا يجوز لهما المشاركة في إنشائه وإلا أصبحنا في مواجهة دستور معيب قد يسقطه الشعب ولذلك فمسئولية صياغة الدستور هي مسئولية الشعب كله وليست مسئولية البرلمان وإذا أدركنا هذه الحقيقة المسلم بها سوف نصل إلي نشأة دستور يليق بمصر فيما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وننطلق من ذلك إلي مرحلة بناء مؤسسات الدولة علي أساس سليم. إن صناعة الدستور وكما يشير فقهاء القانون الدستوري هي عمل وطني جامع وملك لكل فئات الشعب ولا يحق لأي طرف إقصاء أي طرف من الأطراف الأخري، لأن من يشكلون الأغلبية البرلمانية اليوم قد يصبحون الأقلية في الغد ولكن الدستور ينشأ ليستمر معنا ومع الأجيال القادمة، ومن ثم فإن سيطرة البرلمان علي تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وتبني اقتراح 05٪ من عضويتها من داخل البرلمان هي مسألة ضد منطق صناعة الدساتير في كافة النظم الديمقراطية. ومن هذا المنطلق جاء رفض كافة قوي الشعب الوطنية وفئاته المختلفة لهذا الأسلوب في تشكيل الجمعية التأسيسية واستحواذ البرلمان علي هذه المهمة ومن هنا أيضا جاءت الطعون المطروحة الآن بهذا الصدد في الساحات القضائية والكرة الآن في ملعب القضاء.. حيث حدد المستشار علي فكري نائب رئيس مجلس الدولة رئيس محكمة القضاء الإداري جلسة 71 من أبريل الجاري للبدء في النظر بهذه الطعون. وبعد فإن منطق الأمور يقول إنه علينا الاحتكام إلي العقل والحكمة ولنترك صناعة الدستور وهي عمل وطني لكل طوائف الشعب ومختلف تياراته حتي يصبح دستور مصر الجديد دستور الشعب كله والأساس المتين لمصر القوية الفتية التي تباهي بها كافة الأمم ويحضرني هنا كلمة هامة للمستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والتي أوضحت فيها أن التاريخ علمنا أن الدساتير التي لا توضع وفق توافق مجتمعي هي عنوان وبداية لثورة جديدة والدساتير ليست عنوانها الأغلبية ولكن عنوانها التوافق ويجب علي الأغلبية احترام المواطنة التي هي عنوان الكرامة الاقتصادية والحرية السياسية.. وأخيرا فإنني أود توجيه رسالة هامة مفادها أن مصر تستحق دستورا يليق بها ومصر فيما بعد ثورة 52 يناير لا يمكن أن ينفرد بتقرير مصيرها حزب واحد أو تيار واحد ومصر في هذه المرحلة الدقيقة في حاجة ماسة لتضافر كافة جهود القوي الوطنية من أجل الخروج من هذا المأزق بكتابة دستور يحقق طموحات أجيالنا القادمة.