للمرة الثالثة رفض النواب البريطانيون الموافقة علي اتفاق بريكست الذي توصلت إليه رئيسة الحكومة تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، وباتت المملكة المتحدة تواجه حاليا احتمال الخروج بدون اتفاق في 12 أبريل الجاري بعد عضوية استمرت 46 عاما. إحدي أولي التداعيات التي سيشعر بها المستهلكون البريطانيون والأوروبيون تتعلق بخدمة التجوال، أي إمكانية استخدام شبكة الهاتف المحمول الأجنبية أثناء السفر. وستُفرض علي هذه الخدمة، المجانية حالياً للمستهلكين ضمن الاتحاد الأوروبي، رسوم في حال غياب الاتفاق بالنسبة للمسافرين الذي يتجاوزون بحر المانش، أو الحدود الإيرلندية. وكذلك بالنسبة للدفع ببطاقات الائتمان التي يُتوقع أن تزيد تكلفته في حين ستصبح المعاملات المصرفية »أبطأ» بحسب لندن. ولن يعود في إمكان الزبائن المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي الإفادة من الخدمات المالية لمصارف الاستثمار التي تتخذ من بريطانيا مقرا. ولجأ الكثير من المصارف إلي فتح فروع في القارة الأوروبية لتجنّب حصول اضطرابات. المعاملات الورقية سيتعيّن علي آلاف الشركات التي تستورد أو تصدر من وإلي المملكة المتحدة أن تملأ تصاريح جمركية جديدة وأن تأخذ بالاعتبار أنها ستخضع لرسوم ضريبية جديدة. واتّخذ ثلثا الشركات البريطانية إجراءات تحسبا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وأظهر استفتاء أجراه المصرف المركزي البريطاني نُشرت نتائجه في 21 مارس الماضي، أن نسبة الشركات البريطانية التي تعتبر نفسها مستعدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ارتفعت من 50% في يناير الماضي إلي 80 %. لكن عددا كبيرا من تلك الشركات أشار إلي أن تأثير الخروج بدون اتفاق علي التعريفات والمشاكل الحدودية وتقلُّبات أسعار الصرف والاعتراف بشهادات المنشأ »يقع خارج سيطرتها». كما أعلنت السلطات عن وضع نظام للملصقات يحدد مكان إنتاج مواد مثل الويسكي الأسكتلندي أو الجبن المصنّع في قرية ستيلتون لحماية شهادة المنشأ. وقد أوصت الحكومة المنتجين بأن يطلبوا من الاتحاد الأوروبي حماية شهادة المنشأ لمنتجاتهم. في الوقت نفسه، زادت بريطانيا مخزوناتها من الأدوية التي تكفي عادة لفترة ثلاثة أشهر، لتصبح أربعة أشهر ونصف، لتجنب أي نقص في الإمداد. وستنهي المملكة المتحدة عضويتها في الوكالة الأوروبية للأدوية لكنها ستواصل الاعتراف باختبارات وشهادات الاتحاد الأوروبي لتجنب الحاجة إلي إعادة الاختبار وتعطيل الإمدادات. لكن سيتعذّر علي بريطانيا اللجوء إلي »بنوك السائل المنوي» الأوروبية، وسيتعيّن علي المؤسسات البريطانية أن تبرم اتفاقات جديدة أو أن تلجأ للاستيراد من خارج الاتحاد الأوروبي. تحذيرات للمستهلكين سيواجه المستهلكون زيادة محتملة أخري في تكلفة التسوُّق عبر الإنترنت، لأن الطرود التي تصل إلي بريطانيا لن تكون بعد الآن خاضعة لتخفيض ضريبة القيمة المضافة المعمول به حالياً. كما حذّرت الحكومة من أن رخصة القيادة البريطانية قد تصبح غير صالحة في الاتحاد الأوروبي وقد يحتاج السياح إلي استصدار إجازة سوق دولية لدي التوجه إلي هناك. وسيخضع نقل الحيوانات الأليفة لقواعد صحية أكثر تشددا، إذ إنه سيتعيّن استشارة طبيب بيطري قبل موعد السفر بأربعة أشهر علي الأقل. الخروج من دون الاتفاق قد يؤدي أيضا الي فوضي حقيقية في المطارات ليس فقط في المملكة المتحدة لكن في خارجها أيضا. وقد تخسر شركات الطيران البريطانية والأوروبية حق تشغيل الرحلات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ما قد يؤدي إلي شلّ الحركة الجوية. وتعتزم السلطات البريطانية والأوروبية منح شركات الطيران أذوناً كي تتمكن من مواصلة العمل بشكل طبيعي. وقد تشهد خدمة قطار »يوروستار» أيضاً صعوبات لأن تراخيص الشركات المشغِّلة لسكك الحديد البريطانية في أوروبا لن تعود صالحة. وكذلك سيخضع الرعايا البريطانيون الذين يزورون دول الاتحاد الأوروبي لإجراءات تدقيق مشددة وستقتصر فترة الإقامة الممنوحة لهم علي 90 يوما. وقد وقّعت لندن اتفاقات مع شركات تسيير العبّارات لتعزيز الروابط مع القارة الأوروبية آملة في أن ينعكس ذلك علي سلاسة في حركة العبور وتفادي الازدحامات قرب الموانئ حيث سيعاد فرض إجراءات الرقابة. ولا تتوقع الحكومة حصول نقص في المواد الغذائية لكنّها تتوقع تراجعا في الخيارات المتاحة للمواد الاستهلاكية. في حال عدم الاتفاق علي أي حلّ قبل 12أبريل، فالخيار التلقائي أمام المملكة هو مغادرة الاتحاد بدون اتفاق في هذا التاريخ. ومن شأن ذلك أن يحدث صدمات اقتصادية في بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأن يتسبب في تشكيل طوابير طويلة عند نقاط العبور، علي الرغم من الاستعدادات المعلنة لمواجهة هذه المخاطر. والأسبوع الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية أن هذا الخيار بات »أكثر ترجيحا» مؤكدة أنها قد استكملت استعداداتها لاحتمال الخروج من دون اتفاق. ولم تستبعد ماي احتمال الخروج بدون اتفاق، علي الرغم من أن النواب قد صوّتوا ضد أي خروج من التكتل من دون اتفاق. إرجاء طويل مع الدعوة إلي قمة استثنائية في 10 أبريل، يمكن لبريطانيا أن تطلب إرجاء طويلا لبريكست، ما يعني أن علي بريطانيا خوض الانتخابات الأوروبية في مايو المقبل. وأصدرت المفوضية الأوروبية توصية لقادة الاتحاد بأن يمتد الإرجاء الجديد حتي نهاية العام 2019 علي أقرب تقدير من أجل إتاحة تغيير استراتيجية بريكست. ومن شأن هذا الإرجاء أن يتيح خيارات أخري مثل إجراء انتخابات عامة أو ربما إجراء استفتاء ثانٍ. وصوّت النواب، الأسبوع الماضي، علي مجموعة خيارات بديلة لاتفاق ماي تتراوح بين نسفه وإزالة الخطوط الحمراء فيه مثل حرية التنقل. لكن لم ينل أيٌ من الخيارات الثمانية التي طرحت، ومن بينها البقاء في الوحدة الجمركية للاتحاد الأوروبي وإلغاء تفعيل بريطانيا للمادة 50 من اتفاقية لشبونة التي تدير خروج عضو من الاتحاد الاوروبي، تصويت الأغلبية. كان من شأن قبول الاتفاق الذي جري التصويت عليه الجمعة الماضية ضمان خروج بريطانيا من الاتحاد في 22 مايو. وتملك ماي الآن مهلة حتي 12 من الشهر القادم لتحديد »كيفية المضي قدماً» ويمكنها أن تعيد إحياء خطتها وتطلب من قادة الاتحاد الأوروبي الإبقاء علي 22 مايو موعداً للخروج. ويتيح اتفاق الخروج فترة انتقالية طويلة ومهلة زمنية للتفاوض علي اتفاقات تجارية جديدة. وكانت تيريزا ماي لعبت بورقتها الأخيرة عندما وضعت استقالتها علي الطاولة لإقناع النواب بالموافقة علي الاتفاق. وطُرح للمنصب عدد من المرشّحين أبرزهم وزير البيئة مايكل جوف، ووزير الخارجية السابق بوريس جونسون، ووزير الخارجية جيريمي هانت، ووزير بريكست السابق دومينيك راب ووزير الداخلية ساجد جاويد ونائب رئيسة الوزراء ديفيد ليدينجتون. انتخابات عامة إذا استمرت حال المراوحة بين الحكومة والبرلمان يمكن أن تشكل الدعوة لانتخابات عامة مخرجا إما بحجب النواب الثقة عن الحكومة وإما بدعوة من رئيسة الوزراء. ومن شأن ذلك أن يحدث تغييرا في البرلمان وقد ينتج غالبية حكومية يكون موقفها أكثر قوة من الحكومة الحالية. ومن غير المرجح أن يطلب المحافظون إجراء انتخابات حاليا في ظل وجود رئيسة حكومة منتمية للحزب. ويشكل التوصل لموقف من بريكست قادر علي نيل إجماع لدي نواب أيٍ من الحزبين الرئيسيين مهمة شاقة لقيادتيهما.