إن الثورة تعني القفز إلي الأمام وليس الهرولة للخلف، إن السلف الصالح لو كان يعيش الآن لكان يسعي إلي التطور، النهضة والاستباق وليس الولوج إلي توابيت العجز والانغلاقهل هذا هو البرلمان الذي انتظرته مصر طويلا؟ أتعجب عندما يطلقون عليه برلمان الثورة! هو بمثابة كعب (أكيل) أي نقطة الضعف الناضحة بالأسي، الصادحة بالردة والركوض المفزع والعبثي إلي الوراء. إن أصل كلمة برلمان تعني مكان يتكلم فيه الشعب ولكنه لايكون (مكلمة) بلا وعي. أشبه بنداهة تسعي إلي وضع المصريين في زنزانة خانقة، مظلمة، خارج أطر الزمان والمكان، تتقن المراودة، والتعصب وازدراء الآخر. فهاهو صوت يعلو يطالب بإلغاء تعليم اللغة الإنجليزية من المدارس!! حتي مسرح العبث بمخيلته الجامحة لاتستطيع أن تصل إلي هذا المستوي، وربما بعض هؤلاء النواب المحترمين كان من الممكن أن يتفوقوا علي بيكيت ويونسكو! إن الإسلام يحض علي طلب العلم ولو في الصين، إذن ذروة الإيمان بالمعرفة واقتفاء أثرها أينما كانت وكيفما كانت. إن العصر العباسي حظي بالنهضة والازدهار من خلال الترجمة والانفتاح علي الآخر، إن د. طه حسين الأسطورة المجوهرة هزم الواقع المعتم، هزم الجغرافيا القاسية، الفقر المدقع، العجز البدني، عوائق زمنه من خلال ولعه بالعلم والمعرفة، فتعلم اليونانية، والفرنسية واللاتينية بل ترجم روائع الأدب مثل (كانديد) لفولتير وكان أشد إبصارا وبصيرة من المبصرين، أتراه اقترف الحرام بتعلمه اللغات ونهله من تجليات الحضارات الكونية!؟ بل هناك مفكر فرنسي ولج إلي آفاق المعرفة وفك طلاسم اللغة العربية من منظور آخر وهو (اعرف عدوك) فترجم ألف ليلة وليلة، والقرآن الكريم وكليلة ودمنة، ودراسات عن أصول القهوة هو أنطوان جلان أول من جعل شهر زاد تحكي لياليها إلي الغرب، فسعي إلي مواكبة الآخر، دلف إلي كنوز الشرق المسحورة ربما ليتفوق عليها، ليستزيد منها ومن هنا ولد الاستشراق. أعتقد أنه بعد القول بأن الإنجليزية حرام!! وازدراء المرأة عندما علق نائب لدي اختيار امرأة قبطية لإحدي اللجان فقال: (امرأة وقبطية كمان)!! هو بحق العار، ثم النائب الذي يزايد ويقوم بأداء الأذان، وهكذا نجد في مصر الآن النائب يؤذن في البرلمان والمؤذن يفتي في الزاوية!! والبرلمان الذي كان يحظي في مصر قبيل 52 بهيبة وجلال آسر، أصبح اليوم يحاكي البر ليمان الداخل فيه مفقود والخارج مفقود، فنجد رئيسه الأسبق قابعا في ليمان طرة، ونجد الآن بداخله بعض من خرجوا من ليمان طرة وليس هذا بعيب ولكن العيب هو احتفاظ بعضهم بعقلية أسير الزنزانة حيث الأفق الإظلامي، فتطفئ ثقافة الموت، الرغبة في تحويل مصر إلي مقابر جماعية، أضواء التنوير، ونعلن تأبين العلم ونتمسك بالمظاهر غير المقدسة، ونترنم بالجهل المقدس. وينفطر الفؤاد عند سماع النفاق، الرياء والزيف، عبارات برلمان الثورة، إن الثورة تعني القفز إلي الأمام وليس الهرولة للخلف، إن السلف الصالح لو كان يعيش الآن لكان يسعي إلي التطور، النهضة والاستباق وليس الولوج إلي توابيت العجز والانغلاق. إن امرأة سيدنا لوط نظرت إلي الوراء فصارت من الغابرين ألا يستشف هؤلاء الجهابذة الحكمة العظيمة التي تكتنزها الآية الكريمة. وإذا كانت الإنجليزية حراما فلماذا تمتطي السيارة، والطائرة، وتستعمل المحمول والإنترنت وتزدرد الدواء الذي اخترعه الغرب فكلها بدع وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار! كل تلك العبارات التي يتفوهون بها باسم الشعب الذي يتاجرون به، بعضهم يزايدون ويستغلون أميته التي حرص عليها الرئيس البائد، ويتاجرون بديمقراطية صناديق حسمتها البطون الجائعة وليست العقول الواعية سوف تجتاحهم حمم الحساب والعقاب فدوام الحال من المحال، يقول الله تعالي: {كل يوم هو في شأن}. وإذا تم التلاعب بالدستور فهو لن يدوم، ولقد بزغت إرهاصات الصفقة، وأصوات مغرضة تنادي بأربعين في المائة من داخل القبة والباقي من النقابات ومعروف من الذي التهمها منذ عدة عقود في حضرة غياب المستبد البائد، إذن التحايل والالتفاف موجود وجاهز. إن البرلمان الذي يكيل أيضا بمكيالين هو ليس ببعيد عن برلمان الحزب الوطني هي فقط عملية إحلال فهو وطني (بلحية) متجرد من أي وجود ثوري. وأكرر لقد اقترف الثوار 4 خطايا: ترك الميدان يوم 11 فبراير فلا أحد يقوم بثورة ويتركها للآخر ويروح! التنازل عن أولوية الدستور، عدم المشاركة منذ اللحظة الأولي، عدم تشييد محكمة للثورة. وأكرر ماسطره نزار قباني: (إن من فتح الأبواب يغلقها وأن من أشعل النيران يطفيها) وأضيف أنا وإن من بدأ الثورة يكملها. وأخيرا لا أجد أبلغ من لا حول ولا قوة إلا بالله.