تابعت باهتمام بالغ وقلق شديد مع الملايين من أبناء هذا الشعب العظيم بل وكافة شعوب العالمين العربي والإسلامي ومختلف دول العالم تطورات الأوضاع السياسية والاجتماعية علي أرض المحروسة بمناسبة حلول الذكري الأولي لثورة 25 يناير التي تعد واحدة من أهم وأعظم الثورات التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث. غير أنه وللأسف الشديد ما إن اقترب موعد 25 يناير حتي اندلعت الانشقاقات والخلافات وظهرت بحدة المطالب والاستقطابات ودارت معارك كلامية وحوارات منطقية وغير منطقية علي مختلف برامج (التوك شو) في كل القنوات التليفزيونية والإذاعية وعلي صفحات الجرائد والمجلات. والحقيقة المرة التي لابد أن نكررها ونعيدها مرات ومرات حتي يرجع الجميع إلي رشده وضميره أن معظم القنوات الفضائية سواء المصرية أو العربية قد ساهمت بقدر كبير في تعميق الخلافات بين كافة الطوائف والتيارات السياسية والفكرية ليس من أجل الصالح العام وحماية لمصلحة الوطن وإنما من أجل الإثارة وجذب الانتباه وأيضا جذب مزيد من الإعلانات لهذه القنوات الفضائية والدخول الفلكية لمعدي ومقدمي هذه البرامج التي لاتتفق أبدا مع ما ينادون به ويدعون إليه من تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والحد الأدني والأقصي للأجور. والمؤسف أن هذه القيادات الإعلامية بكل ما تتمتع به من حنكة ومهنية عالية وبالتأكيد قدر كبير من الوطنية وحب الوطن إلا أنها والعديد من ضيوفها الذين يطلقون علي أنفسهم (النخبة) ينسون أو يتجاهلون الظروف الصعبة بل الحرجة التي يمر بها الوطن في الوقت الحاضر سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفكريا خاصة أن 30٪ من شعبنا أميون ويعيشون تحت خط الفقر.. وبكل تأكيد فإن رفع مستوي شعبنا تعليميا وثقافيا واقتصاديا ليست مهمة الدولة وحدها وإنما هي مهمتنا جميعا من مثقفين ورجال فكر وقيادات إعلامية تلعب دورا هاما وخطيرا في تشكيل وجدان هذا الشعب أن تسعي إلي مساعدة الحكومة في تحقيق الإصلاح المطلوب في مختلف المجالات خاصة مايتعلق بالعدالة الاجتماعية ورفع مستوي ومعيشة المواطنين وهما من أهم مطالب الثورة.. وحتي تنتهي الإضرابات والاعتصامات الفئوية وقطع الطرق والسكك الحديدية.. وغلق ميناء دمياط وكان آخرها إضراب هيئة الإسعاف من أجل تثبيت عمالها وهي الظاهرة السلبية التي اتسم بها العام الماضي وأثرت بشكل كبير علي الأوضاع الاقتصادية وأدت إلي تفاقم أزمة البطالة وتدني الأجور التي يعاني منها الاقتصاد المصري. وهذه القنوات الفضائية أججت المشاعر في قضية منظمات المجتمع المدني التي كانت تعمل في مصر بدون إذن السلطات المصرية وكانت تمثل تدخلا سافرا في الشئون الداخلية لمصر وتهديدا للأمن القومي المصري.. وبالرغم من أن قرار اقتحام مقار بعض هذه المنظمات كان قرارا قضائيا إلا أنهم لووا الحقائق وأثاروا الدنيا كلها علينا وهو ما أدي بالقطع إلي هذه الأزمة الأخيرة بين مصر والولايات المتحدةالأمريكية بسبب الموظف بإحدي هذه المنظمات الممنوع من السفر حتي تنتهي التحقيقات معه وهو ما أدي بالولايات المتحدة إلي التلميح بقطع أو تخفيض المعونات الأمريكية لمصر.. وبالرغم من أن هذه المعونات الأجنبية لاتخدم مصر فقط وإنما تخذم أيضا مصالح الدول المانحة إلا أنني أرجو من الجميع العمل بكل جد وإخلاص لدفع عجلة الاقتصاد المصري وتفجير كل الطاقات والثروات التي تزخر بها مصر وفي مقدمتها الطاقة البشرية والموقع الجغرافي الهام والثروات السياحية والزراعية والصناعية والتعدينية.. وآمل أن يكون شعار الثوار والمطلب الرئيسي للثوار خلال المرحلة القادمة هو البناء والتنمية وتعمير سيناء هذه الأرض البكر وهذا الموقع الاستراتيجي الهام أمنيا واقتصاديا ومجتمعيا وفتح آفاق جديدة للعمل والإنتاج وخلق مزيد من فرص العمل للشباب المصري الذي فجر ثورة الخامس والعشرين من يناير لإعادة بناء مصر دولة حرة ديمقراطية حديثة يحكمها القانون والدستور لتأخذ مكانها اللائق بها وسط دول العالم. إن هذا النجاح الهائل الذي حققته البورصة المصرية في أعقاب انتخاب مجلس الشعب لأبلغ دليل علي أن الأمن والاستقرار سيعودان علي البلاد بفوائد كثيرة وسريعة في مختلف المجالات وفي مقدمتها قطاعات السياحة والاستثمار الأجنبي والوطني والتي ستؤدي إلي خلق مزيد من فرص العمل للشباب للإنتاج المستمر من أجل تحسين ورفع مستوي المعيشة. ولقد كان غريبا خاصة بعد انتخاب مجلس الشعب وبصرف النظر عما أسفرت عنه هذه الانتخابات من نتائج وتسليم المجلس العسكري مهمة التشريع للمجلس الوليد أن تظهر أصوات تنادي بضرورة تسليم السلطة وفورا لحكم مدني وليبدأ صراع جديد لايجب أبدا أن يكون بين شرعيتين الشرعية الثورية والشرعية البرلمانية، فكلاهما يستند إلي إرادة هذا الشعب الذي ساهم في قيام الثورة ودعمها وأيضا هو نفس الشعب الذي انتخب أعضاء هذا البرلمان بإرادة وطنية حرة ومن خلال انتخابات نزيهة وحرة حازت علي تقدير جميع المراقبين والمحللين السياسيين في الداخل والخارج وبالأمس كانت انتخابات مجلس الشوري (الغرفة الثانية) للبرلمان المصري التي أرجو أن تكون قد مرت بسلام وإن كنت أعتقد أن الإقبال عليها لن يكون بنفس الحماس لانتخابات مجلس الشعب وسوف يقوم أعضاء المجلسين المنتخبين فقط باختيار لجنة إعداد الدستور (دستوريا توافقيا) ثم يبدأ فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية في منتصف شهر أبريل ليتم الانتهاء من المرحلة الانتقالية طبقا للإعلان الدستوري بانتخاب رئيس الجمهورية أواخر شهر يونية القادم ويقوم المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتسليم كافة سلطات الرئيس المنتخب. لماذا إذن هذه الضجة المفتعلة التي يثيرها بعض قادة الائتلافات ويغذيها ويؤججها بعض أصحاب الفكر والتيارات السياسية وربما أيضا الأجندات الخارجية بهدف عرقلة مسيرة الديمقراطية التي تسعي إليها مصر لتحقيق الأمان والاستقرار لشعبها ويطالبون بنقل السلطة وفورا دون أن يوضحوا متي.. ولمن؟ أي أنه فقط نوع من التحدي والانتقام من المجلس العسكري ناكرين ومستنكرين دور المجلس العسكري والقوات المسلحة المصرية الوطني والمشرف ودعمها وحمايتها للثورة منذ اندلاعها وهو ما كان له أبلغ الأثر في نجاح الثورة.. أنا شخصيا ضد حكم العسكر وإن كنت أستهجن وأستنكر هذا التعبير الذي يطلقه البعض غير الواعين بسخرية علي قواتنا المسلحة الباسلة صاحبة المجد العظيم علي مر التاريخ. إننا لايجب أبدا أن نكون جاحدين ناكرين للجميل فهذه ليست من صفات الشعب المصري الأصيل.. ونحن هنا لاندافع عن قواتنا المسلحة ولا المجلس الأعلي وإنما نضع أمام أعيننا مصلحة الوطن العليا والتي يجب أن تعلو فوق كل مصلحة خاصة حزبية كانت أو شخصية أو حتي ائتلافية. من منا لم يكن يتوقع حدوث صراعات وأعمال عنف بل وسقوط ضحايا ومصابين خلال المعركة الانتخابية لمجلس الشعب ولكن يبدو أن البعض لم يسعده أن تمر الانتخابات بسلاسة وفي سلام شهد له العالم كله خاصة بعد أن صعد التيار الديني إلي سدة الحكم وهو ما لا يروق لي أنا الآخر ولكن هذه هي الديمقراطية التي ينبغي أن نقبل بها جميعا.. نعم وكما هو معروف للجميع فإن التيارات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان المسلمين قد حققوا هذه النتيجة المبهرة بسبب قدراتهم التنظيمية والمالية غير أننا لايجب أن نغفل دور الأحزاب الليبرالية في تشتيت الأصوات فهل معقول أن يشارك في الانتخابات 35 حزبا وصل منها إلي البرلمان 15 حزبا وهو بالتأكيد عدد كبير ولابد من دمج الأحزاب ذات التوجهات الفكرية المماثلة كذلك تلك الروح المكارثية والزور الذي انتاب ومازال بعض قادة الائتلافات وعددها 241 ائتلافا من كثرة ظهورهم علي الفضائيات ووسائل الإعلام ومنافقة الإعلاميين وبعض المفكرين والنخب لهم وهو مايؤدي إلي السحب من رصيد الثورة وظهور مشاعر عدم الرضا لدي الكثير من المواطنين.