التهم التي وُجهَت إلي الرئيس مبارك في محاكمته، لم تكن هي التهم التي يلزم توجيهها، بل لعلها الأخيرة فيما يمكن أن يوجَّه إلي رئيس دولة ثار شعبه عليه، وأسقط حكمه وأزاحه، والمنطق في محاكمة أي رئيس دولة أن تكون محاكمته علي التصرفات التي أخل فيها بالتزامه الوطني والسياسي والأخلاقي، وأساء بها إلي شعبه، فتلك هي التهم التي أدت للثورة عليه، هذا ما قاله الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مقدمة كتابه من المنصة إلي الميدان، مؤكدا أن محاكمة رئيس الدولة أي رئيس، وأي دولة يجب أن تكون سياسية تثبت عليه أو تنفي عنه مسئولية الإخلال بعهده ووعده وشرعيته، مما استوجب الثورة عليه، أما بدون ذلك فإن اختصار التهم في التصدي للمظاهرات قلب للأوضاع يستعجل الخاتمة قبل المقدمة، والنتائج قبل الأسباب، وكذلك فإنه بعد المحاكمة السياسية وليس قبلها يتسع المجال للمحاكمة الجنائية، ومعها القيد والقفص، وهذا الرأي له وجاهته وكثيرون كانوا من أنصار هذا الرأي وأنا منهم، إلي أن قرأت الحوار الممتع الذي أجرته الزميلة الأهرام مع القاضي العراقي الكردي رزكار محمد أمين - القاضي الذي حاكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث قال عندما سئل عن رأيه في محاكمة مبارك بتهمة الفساد السياسي: لا جريمة إلا بنص ولاعقوبة إلا بنص, ولا أظن أن في قانون العقوبات المصري نصا محددا بشأن ما يسمي الفساد السياسي, وحتي لو تم الاتفاق علي تشريع قانون جديد للفساد السياسي, فلا يجوز تطبيق القانون بأثر رجعي علي متهم، إلا إذا كان سيتسبب في تخفيف عقوبته, هذا من ناحية القانون, أما من ناحية المنطق العقلي، فيستحيل أن يتحمل شخص أو عدة أشخاص مسئولية الفساد في 30 سنة متعاقبة، وأين كان الشعب ؟ ألم يكن شريكا بصمته علي الأقل؟، سكوت الناس وفساد النخبة، وتصفيق المنافقين، وتضليل أصحاب الرأي، والدجل السياسي، جميعهم شركاء في الجريمة, وجميعهم ساهموا في صناعة الديكتاتور, ويتحملون مسئولية الظلم والفساد معه، ولا تعليق، بل تحية إلي شعب يحاكم من ظلموه أمام القاضي الطبيعي، ولم يفعل كما فعلت رومانيا مع شاوشيسكو.