»العكرشة«.. هي النموذج الأكثر تعبيرا عن حالة الفوضي والعشوائية التي كانت تدار بها البلاد من قبل مسئولين لم يراعوا الله والوطن وتفرغوا للكذب علي الشعب..وبدلا من تنميتها وتطويرها تحولت إلي صندوق قمامة محافظة القليوبية علي يد محافظها السابق المستشار عدلي حسين..الذي أصر علي علي نقل نحو 150 مسبكا من منطقة شبرا الخيمة إلي العكرشة.. رغم الاحتجاجات الشعبية وقتها..فتحولت المنطقة إلي كارثة بيئية وانفجرت أخيرا..فكانت الفاتورة الأولي لهذه الجريمة وفاة 4 مواطنين وإصابة ما يقرب من 25 مواطناً بحالة اختناق نتيجة استنشاق الغازات السامة التي تطلقها هذه المسابك والمصانع والورش العشوائية التي أقيمت إلي جوارها.. وحتي الآن مازالت الكارثة والمصير المجهول في انتظار أكثر من 30 ألف نسمة الذين يقطنون في تلك المنطقة والتي تربط بين مدينة السلام وأبو زعبل ومدينة الخانكة وعزبة الأبيض..وبدأت بشائرها تظهر بحالات الوفيات التي أعلنت حتي الآن هذا فضلا عن التقارير الطبية والبيئية التي تشير إلي ارتفاع معدلات إصابة المواطنين سواء كانوا مقيمين داخل الكتلة السكنية للمنطقة أو خارجها بالعديد من الأمراض ومنها الجفاف والالتهاب الرئوي عند الأطفال وأمراض الجهاز الهضمي والتنفسي وأمراض الكبد والكلي عند الكبار بسبب السموم التي تنتجها الوسائل البدائية والملوثة التي تستخدم في إنتاج الحديد والأخشاب والبلاستيك والمنسوجات والأجهزة الكهربائية وأدوات السباكة وفي ظل عدم وجود المرافق والخدمات من مواصلات ومياه شرب..وعلي امتداد مساحتها البالغة 350 فدانا أصبحت تضم 700 مصنع عشوائي بالإضافة إلي الورش والمسابك ويعمل بها حوالي 5 آلاف شخص وفق تقديرات المجلس المحلي لمحافظة القليوبية.. وبما إننا نتحدث عن صناعات عشوائية ومصانع وورش غير مرخصة وتمارس أعمالها بعيدا عن أعين القانون لذلك كان من الطبيعي أن تصبح المنطقة واحدة من البؤر الإجرامية والتي يرتع فيها البلطجية حتي وصل الأمر لسرقة بالوعات الصرف الصحي بالشوارع وسرقة قضبان السكك الحديدية لبيعها لهذه المسابك خردة.. وبالمناسبة معظمها يعمل بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية في الهيئات الحكومية كي لايتم ملاحقتها ..وتقوم علي تصنيع المواد الخطيرة مثل صهر بطاريات السيارات القديمة لاستخراج الرصاص منها، وتسييح المخلفات لاستخراج الحديد والألومونيوم باستخدام وسائل بدائية.. نتيجة تحليل عينة الهواء التي أخذت من موقع "العكرشة" جاءت كما يقول "العقيد ياسر خليل..مدير إدارة التفتيش البيئي" في حدود المسموح به قانونا.. كما أن الهواء في العكرشة غير ملوث ونسبه التلوث الموجودة فيه ضئيلة جدا في حدود المسموح به قانونا طبقا للمادة 35 من القانون 4/ 94 والمادة 36 من لائحته التنفيذية..لكن معامل وزارة البيئة مازالت تعمل علي عينة التربة التي تم سحبها من قطعة الأرض التي تسربت منها غازات سامة بمنطقة العكرشة، حيث إنه يتم تحليل كافة عناصر التربة من حديد وفوسفات.. ويتم إجراء تفاعلات بين العناصر المختلفة لمعرفة العناصر التي نجم عن تفاعلها هذا الغاز السام.. والمرجح أن يكون ناجما عن تفاعل مخلفات صناعية وفي الغالب ستكون من المسابك.. ولم يكتف "الدكتور مصطفي حسين كامل ..وزير الدولة لشئون البيئة" بهذه النتائج أو انتظار بقية التحاليل وطلب من الإدارة العامة للتفتيش البيئي تنفيذ حملة تفتيشية كبري علي منطقة عزبة الأبيض بالعكرشة.. وبالفعل تم التفتيش علي عدد 4 مسابك ألومنيوم و عدد 2 مسبك زهر وعدد 9 مسابك نحاس وعدد 4 مصانع درفلة حديد.. وقد أسفر التفتيش عن ضبط عدد من المخالفات البيئية منها التخلص غير الآمن من المخلفات الخطرة المتمثلة في خبث الأفران والأتربة المتولدة عنها علاوة علي استخدام المازوت والزيوت المرتجعة كمصدر للطاقة مما ينتج عنها انبعاثات غازية.. كما تبين من التفتيش عدم وجود سجل بيئي يوضح تأثير نشاط علي البيئة المحيطة وعدم وجود سجل للمواد والمخلفات الخطرة إضافة إلي تلوث المياه الجوفية والسطحية بمياه الصرف الصحي والصناعي..وقد أسفر التفتيش عن عدم مطابقة المداخن للاشتراطات البيئية إضافة إلي عدم توفير سبل الحماية اللازمة للعاملين تنفيذاً لشروط الصحة والسلامة المهنية..وفي ضوء المخالفات السابقة قامت الوزارة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال المسئولين وجاري إحالتها للنيابة العامة وذللك لثبوت مخالفة تلك المسابك لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بقانون 9 لسنة 2009.. وقررت النقابة العامة للعلميين تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول واقعة الغازات السامة في منطقة "العكرشة" بمحافظة القليوبية والتي أدت إلي وفاة 4 مواطنين وإصابة ما يقرب من 25 مواطناً بحالة اختناق للكشف عن طبيعة الغازات المسممة لهذه الحادثة. ويقول" الدكتور محمد فهمي طلبة.. نقيب العلميين": إن اللجنة ضمت مجموعة من الخبراء في تخصصات الكيمياء وبعض العلوم الأخري لمعرفة الأسباب المؤدية إلي انتشار الغازات السامة في منطقتي "العكرشة" و"عرب العليقات"..والاحتمالات المبدئية التي توصلت إليها اللجنة تتضمن اتحاد حمض الكبريتيك مع سيانيد البوتاسيوم ما أدي إلي تكوين مادة السيانيد التي تتحد مع الهيموجلوبين في الدم أثناء عمليات التنفس ما يسبب الوفاة السريعة.. وطالبت اللجنة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع حدوث تلك "الكارثة" مرة أخري.. ويؤكد "الدكتورعلاء عيد.. أمين عام النقابة": أن المنطقة تضم مجموعة من مصانع الأسمدة والصناعات المعدنية العشوائية، والتي تدفن مخلفاتها بطريقة "غير آمنة"، مطالبا وزارة البيئة بتوفيق أوضاع تلك المصانع بيئياً بشكل عاجل.. وكل ذلك ما هو إلا نتيجة أن المنطقة عشوائية وتفتقد للتخطيط الشامل ولا تنطبق عليها شروط المناطق الصناعية رغم وجود عدد هائل من المصانع والمسابك والورش التي تنتج أطنانا من الملوثات المعدنية والكيماوية والغازية..والمنطقة أصبحت أمرا واقعيا بعد أن تم نقل مسابك شبرا الخيمة إليها مما أدي إلي ارتفاع نسبة التلوث فيها بجانب منطقتي أبوزعبل ومدينة الخانكة..ووفقا لتقارير المجلس المحلي بالمحافظة فإن تطوير المنطقة يحتاج إلي 45 مليون جنيه لرصف الطرق و6 ملايين جنيه لإنشاء شبكة مياه و9ملايين لتدعيم الكهرباء والغاز الطبيعي وكذلك إنشاء وحدة صحية بتكلفة مليون جنيه..خاصة أن المرافق في العكرشة شبه معدومة مما يهدد المصانع والورش التي تعمل بالغلق في ظل الاعتماد علي الوسائل البدائية خاصة أن المنطقة تعاني من العشوائية في كل شيء..ولعل الكارثة الأخيرة ما هي إلا تجسيد لذلك حيث لجأ مجموعة من أهالي منطقة "العكرشة" الي طمر بعض البرك المملوءة بالمياه الحمضية بمخلفات مصانع الأسمدة والصناعات التعدينية المنتشرة بالمنطقة في صورة تلال من القمامة إثر سقوط الأمطار عليها بصورة كثيفة خلال الفترة السابقة ما أدي لوفاة 4 مواطنين وإصابة 25 بحالات اختناق..وهنا يقول"الدكتور عادل زايد ..محافظ القليوبية" إنه سيتم وضع مخطط علمي لتطوير منطقة »العكرشة« ورصف الطرق، وإنشاء شبكة مياه وتدعيم الكهرباء، وإدخال الغاز الطبيعي، وإنشاء وحدة صحية وتوفيق أوضاع المصانع والمسابك العشوائية بها، والتي أدت إلي تفاقم مشكلة التلوث بالمنطقة.