انتشار الدعوة السلفية في مصر، ودخولها الحياة السياسية، ونيلها عددا كبيرا من مقاعد مجلس الشعب، يجعلنا أمام الحديث عن هذه الدعوة، وكيف انتشرت في الحجاز علي يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بمساعدة حاكم (العينية) ثم بمساعدة أمير (الدرعية) محمد بن سعود الذي استجاب لدعوته علي أساس إقامة دولة مؤسسة علي اتباع فكر توحيدي. وقد أعجبت بدراسة كتبها الدكتور جمال المرزوقي أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس عن الدعوة السلفية عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه (في الفكر الإسلامي المعاصر). إنه يشرح هذه الدعوة السلفية، المتأثرة بالإمام أحمد بن حنبل، لأننا عندما نقول (السلفية والسلفيون) فإننا نعني بهذه التسمية أولئك القوم الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وكانوا من الحنابلة الذين تقوم آراؤهم علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذي أحيا عقيدة السلف، وكان متشددا في الالتزام بالنص الذي جاء به القرآن، ومما ورد صحيحا عن الرسول [ من الأحاديث، وقد تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري بقيادة شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وكان جوهر هذه الدعوة العودة إلي القرآن وصحيح السنة النبوية، ثم نهج نفس هذا المنهج محمد بن عبدالوهاب (1115 1206ه) = 1700 1792م وجوهر دعوته العودة بالإسلام إلي سيرته الأولي، وتنقية عقيدة التوحيد مما شابها وطرأ عليها بعد عصر الإسلام العربي، أو إسلام العرب الأوائل قبل عصر الفتوحات. ويقارن الدكتور المرزوقي بين آراء الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبين المذاهب الفلسفية، وأثر هذه الدعوة في الإصلاح الديني في العالم الإسلامي. فجوهر هذه الدعوة يتمثل في أن (التوحيد) الذي هو عماد الإسلام، والتي تعبر عنها كلمة (لا إله إلا الله).. تعني في المقام الأول الاعتقاد بأن الله وحده هو الخالق، وهو وحده الذي يحلل ويحرم. وينتقل بنا المؤلف إلي عالم الصوفية، ومنهم الإمام أبوحامد الغزالي، وهو من أكثر المفكرين الذين أنجبهم الإسلام أصالة، وأكبر علماء العقائد فيه كما وصفه (ماكدونالد) في المقال الذي كتبه عنه في دائرة المعارف الإسلامية.. فإن الغزالي أقام التصوف الإسلامي علي أساس أهل السنة والجماعة وأبعد عن ميدانه كل أثر للنزاعات الغنوصية علي اختلافها والتي تأثر بها فلاسفة الإسلام والإسماعيلية من الشيعة وإخوان الصفا وغيرهم.. وبالتالي يري الباحث أن هجوم ابن عبدالوهاب علي الصوفية بحاجة إلي مراجعة.