أما مصر التي لم تكتمل ثورتها الطاهرة، فإن أخلاق البشر الذين سحقهم وخنقهم وعزلهم نظام مبارك البائس قد تخثرت وأتلف شعورهم بالحرية والكرامة كيف صارت أخلاق أمة محمد ([)؟!! في ليبيا المحررة من طغيان المقتول معمر القذافي صراع محتدم بين الثوار الآتين من محافظات ليبية مختلفة بينها مصراتة!! وقد وصل الأمر إلي حد التقاتل بالسلاح المتاح والمنتشر كالماء والهواء، وسقوط قتلي علي الجانبين!! فأيهما الشهيد وأيهما القاتل؟! لقد بدأت نزاعات الهيمنة والقبلية الرعناء قبل أن تستقيم الثورة وتستقر!! وفي سوريا انتقام منظم شديد الوحشية من المعارضين والثوار، يديره النظام الحديدي المتأبد والموروث، تخللته انشقاقات عسكرية من الجيش النظامي، أعلنت انضمامها للثوار، فقام زملاؤهم في القوات الحامية للسلطة الغاشمة بتصفيتهم وقنصهم وقتلهم بوحشية لم يمارسوها مع الصهاينة الذين يزعمون التصدي لهم ولدولتهم الإرهابية! وفي اليمن لايزال فلول علي عبدالله صالح يطاردون الثوار ويزرعون المتفجرات ويقصفون مواقع القبائل المعادية له، ويؤججون الصراعات القبلية لتحفيز أفرادها علي تصفية بعضهم البعض! أما مصر التي لم تكتمل ثورتها الطاهرة، فإن أخلاق البشر الذين سحقهم وخنقهم وعزلهم نظام مبارك البائس قد تخثرت وأتلف شعورهم بالحرية والكرامة، فقد قبع أكثرهم من جديد في خندق الخنوع والتراخي والتواكل والتقاط لقمة العيش المبللة بالذل، بل والترحم المريب علي زمن مبارك الذي أصابهم بالدونية المزمنة!! هؤلاء المرتبكون نفسيا وأخلاقيا هم الأعضاء الجدد في تنظيم الفلول المتعفن، الذي رفع صور مبارك أمام مقر المجلس العسكري في مظاهرات ميدان العباسية الأخيرة! تحتاج الثورات إلي الدأب والإصرار لإزالة كل جذور ورموز الأنظمة الفاسدة التي سبقتها.. أما ثورة مصر الحالية، فلم تجد من يدعمها بضمير كي تحقق أهدافها، حيث فقد الشعب الذي أدمن الخنوع والاستسلام قدرته الفاعلة علي مساندتها، اللهم إلا المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي استجاب فيها لدعوة التيار الإسلامي، من منطلق ديني وليس سياسياً، وهو منظور آخر يستدعي التأمل والتحليل.. فقد حفلت الانتخابات بالتجاوزات والرشاوي الانتخابية الفجة من قبل الأحزاب المتأسلمة المشتاقة للسلطة والحكم، والمدعومة ماديا بسخاء من أنظمة ومنظمات خارجية، كما أوردت التقارير المنشورة علي بعض مواقع الإنترنت عن ميزانية حزب النور بالذات! والتي لم تمسسها أو تعترض عليها جهات التحقيق التي انقضت علي الجمعيات الأهلية!! والجدير بالذكر أن حركة 6 أبريل التي تعرضت للإفك والافتراء والاتهام بالعمالة للخارج، لا تتمتع بأي موارد أو أرصدة داخلية أو خارجية!! هكذا.. في مصر أيضا.. حاولت التيارات المتأسلمة محاربة الثوار والليبراليين والتشكيك في نقائهم!! فهل يتفق ذلك مع أخلاق الإسلام؟! إن عزاء الثورة الوحيد في بقاء شبابها علي نفس العهد الثوري والنقاء السياسي.. ولايزال بين الثوار المتنوعين أشقاء محترمون من شباب التيارات الإسلامية الذين أعلنوا انشقاقهم عن قياداتهم الانتهازية ونقدوهم بموضوعية وحرية.. لكنهم جميعا كشباب بعيدون عن مواقع صنع القرار بتعمد مشبوه!! ويبقي بين بعض الدعاة المستنيرين من يكشف ويحلل المشهد الأخلاقي والسياسي بحكمة وموضوعية وتوازن، مثل الداعية السلفي والطبيب د. أسامة القوصي، الذي يفهم جوهر السلفية ويسرد تجربته مع السلفيين المتشددين بصراحة ووعي، ويبارك الثورة والثوار بضمير مضيء وأخلاق سامية، وبجوهر الدين وسماحته، وليس بالمظهر فقط! ❊❊❊ أطفال الشوارع بذور بلطجية.. والبلطجية ضحايا مجتمع يجبرهم علي فرض وجودهم بالقوة!! هذه حقائق بديهية أعلنت جسامتها الفادحة مع اختفاء الأمن عقب الثورة! كان نظام مبارك الجائر، يلتقط البلطجية فلا يؤهلهم مهنيا ونفسيا كي ينفعوا أنفسهم ومصر، بل يجندهم لمساعدة الأمن الداخلي في قمع الشعب وتسجيده!! وهذه حقيقة بديهية أخري.. وبالتالي فإن انتشار البلطجية عقب الثورة هو دليل دامغ علي إعلان النظام السابق عن وجوده القوي وسياسته المعتادة في التدمير والتخريب لإجهاض الثورة! كانت الست سوزان مبارك تتاجر بقضية أطفال الشوارع، وتزعم أنها بصدد حل معضلتهم، وتقيم المؤتمرات والمآدب وتدعو وكالات الأنباء والصحافة المحلية والعالمية لتخطب فيهم كأنها أم المصريين!! وبالطبع كانت الطقوس التي تقيمها دعائية بحتة، حيث كان عدد الأطفال المشردين يتفاقم، ويستفحل!! والست تواصل تفخيم دورها، ثم تعرج علي قضايا أخري تفتح لها باب التواجد الدولي، مثل حركة سوزان مبارك من أجل السلام!! وأما البلطجية وأطفال الشوارع، ففي ذهن صناع الثورة خطط إيجابية لهم، مثل الناشط السياسي والمحامي الحقوقي أمير سالم، الذي أعلن رغبته في الدفاع عنهم أمام القضاء لأنهم ضحايا وليسوا مجرمين، ويستحقون إعادة الصياغة الإنسانية والتأهيل واعتراك الحياة مرة أخري بمفاهيم وأخلاق وقيم إيجابية تجعلهم مواطنين أسوياء. ❊❊❊ قال أمير الشعراء أحمد شوقي هذا البيت الحكيم البليغ: »إنما الأمم الأخلاق مابقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا«