حتي تحقق كل أهدافها التي من أجلها انطلقت أحمد الله أن زوجي يرقد الآن في غيبوبة مرضية.. هذا ماصرحت به السيدة الفاضلة حرم رئيس مجمع العلوم الذي أضرم المتظاهرون النار فيه يوم الجمعة الماضي وصوتها يتحشرج في فمها مثل كل المصريين والمثقفين في الوطن العربي والعالم كله.. هذا المجمع العظيم الذي أنشئ عام 8971 إبان الحملة الفرنسية علي مصر ويضم 002 ألف من أندر وأقيم الكتب والمجلدات تمثل جزءا هاما من تراث مصر الحضاري والتاريخي علي رأسها كتاب »وصف مصر« 42 جزءا والدستور الفرنسي بأكمله بالإضافة إلي كافة الأعمال الإنسانية في مصر منذ عهد محمد علي في مختلف مجالات الطب والهندسة والفنون. وأضافت السيدة قائلة لو أن زوجي كان واعيا الآن وشاهد النيران وهي تلتهم المجمع لكان وقع الصدمة عليه أقوي كثيرا من الغيوبة التي يرقد فيها الآن. ويتساءل الجميع هل يعقل أن تندس قلة من الغوغاء المأجورين والأطفال الجهلة المغرر بهم وسط الثوار ويقوموا بهذه الأعمال الإجرامية التخريبية لهذا الصرح الثقافي العظيم؟ ولقد كنت أتوقع من الثوار الأطهار الشرفاء الواعين الذين تمتلئ قلوبهم بحب مصر أن يتصدوا لهؤلاء المجرمين ويحولوا بينهم وبين تنفيذ أغراضهم الدنيئة ويطردوهم من بين صفوفهم حتي لا يسيئوا إليهم ويشوهوا صورتهم أمام الرأي العام في الداخل والخارج وخاصة بعد أن تناقلت وسائل الإعلام العالمية تفاصيل هذه الجريمة النكراء. ولقد تذكرت بالأمس وأنا أشاهد ألسنة اللهب تنطلق من داخل مبني المجمع العلمي الحادث الذي سبق أن تعرضت له قبل 51 عاما مكتبة »آن ماري« أشهر المكتبات الألمانية في مدينة درسدن عندما اشتعلت فيها النيران بسبب ماس كهربائي وقتها هرع المواطنون الألمان رجالا وأطفالا ونساء من كل أنحاء المدينة للمشاركة في إطفاء الحريق حتي تصل سيارات الإطفاء حرصا منهم جميعا في الحفاظ علي جزء هام من تراثهم الثقافي والعلمي والفني.. ولقد كنت أتمني أن يهرع أهل مصر كلها وليس سكان القاهرة وحدها لإنقاذ هذه القيمة العلمية الرائعة من تاريخ وحضارة مصر. ثم لماذا تتفجر هذه الأزمة في هذا التوقيت بالذات ونحن نحتفل بتحقيق واحد من أهم مطالب ثورة يناير المجيدة وهي بناء صرح الديمقراطية عن طريق انتخابات مجلس الشعب والتي وصفت من جميع المراقبين والمحللين المحليين والدوليين بأنها انتخابات حرة ونزيهة برغم ماشابها من بعض التجاوزات والقصور الإداري والتي تم معالجتها جولة بعد أخري.. وأيا كانت نتائج هذه الانتخابات إلا أن المشاركة الشعبية والإقبال عليها مشجع حيث بلغ 26٪ وهي نسبة تعد من أفضل نسب المشاركة علي المستوي العالمي.. كما تم تشكيل حكومة إنقاذ وطني برئاسة د.كمال الجنزوري وهو رجل دولة علي مستوي رفيع وكفاءة علمية وأخلاقية ضمت 6 نواب وزير من الشباب في وزارات الصحة والصناعة والزراعة.. بالإضافة إلي تشكيل مجلس استشاري يضم 06 من أكفأ العناصر العلمية والفنية في مختلف المجالات لتقديم الخبرة والمشورة للمجلس العسكري وبالرغم من الاستقبال الذي أقل ما يوصف بأنه غير ودي للدكتور الجنزوري وحكومته ومنعه من الدخول إلي مكتبه في مجلس الوزراء إلا أن الرجل كان حريصا منذ توليه المسئولية علي الالتقاء بالثوار والعمل علي حل مشاكلهم واستقبل في هذا الإطار عدة مئات من قيادات وتيارات الثورة وما أكثرها حيث يصل عددها إلي حوالي 241 ائتلافا وتيارا في محاولة للوصول إلي حلول للمشاكل والصعوبات التي تواجههم.. ولأنه ليس هناك توحد أو توافق بين كل هذه الأطراف علي قيادة تتحدث وتنطق باسمهم مما يعطيهم قوة وثقة أمام الآخرين فقد تم الاتفاق علي اختيار أربع شخصيات عامة مرموقة معروفة تتضامن مع الثوار منهم المهندس أبوالعلا ماضي رئيس حزب الوسط وسامح عاشور نقيب المحامين وحافظ أبو سعده رئيس لجنة حقوق الإنسان للتفاوض باسمهم مع د.الجنزوري وبالفعل توصلوا معه إلي تكوين 4 لجان إدارية عليا لمتابعة قضايا ومشاكل الشهداء والمصابين واتخاذ كافة الإجراءات لحلها وكذلك إنشاء مركز قومي لرعاية مصالح الشهداء وأسر المصابين برئاسة أحد مصابي الثورة ومشاركة فتاة من المصابين في عضوية مجلس إدارته ومن ناحيتها أعلنت السيدة بونسيه عصمت المسئولة عن صندوق تعويض الشهداء وأسر المصابين والذي يبلغ رأسماله 001مليون جنيه أنه قد تم حتي الآن تنفيذ 39٪ من مشاكل الشهداء والمصابين ويجري حاليا حل باقي المشكلات. والحقيقة أنني لا أدري لماذا لا يركز الإعلام وخاصة الفضائيات علي هذه الإنجازات التي تمت أم أن المسئولين عن صندوق تعويض الشهداء وأسر المصابين غير قادرين علي التعامل مع الإعلام وفتح قنوات تفاهم معهم لإطلاعهم علي الإنجازات التي يتم تحقيقها حتي تتضح الحقائق وتهدأ نفوس المصابين وأهالي الشهداء ولا يكون هناك مجال للإثارة الإعلامية التي لا تكف عنها بعض الفضائيات الخاصة التي دأبت علي سكب الزيت علي النار بدلا من تهدئة الأوضاع حماية لمصالح الوطن العليا.. ولا شك أننا جميعا في هذا الظرف الحساس مطالبون بالصدق مع الذات والتحرر من كل مصالح شخصية وحزبية وعقائدية وإذكاء روح الوطنية وتفضيل المصالح العليا للوطن حتي نتمكن من تحقيق كل أهداف الثورة »حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية« وأن نرسي قواعد الدولة المدنية التي يسود فيها حكم القانون والدستور وحقوق الإنسان.. أين قادة الفكر والرأي والنخب التي كثيرا ما نسمعها ليل نهار علي شاشات التليفزيون تحلل وتنظر.. أين رؤساء الأحزاب 85 حزبا والتيارات السياسية المختلفة.. أين رجال الدين الإسلامي والمسيحي، لماذا لم يهرع كل هؤلاء إلي موقع الحدث الدامي والمؤلم في ضمير مصر لكي يحولوا دون وقوع كوارث أعظم وأفدح. إن قضية تحقيق الأمن والاستقرار ليست مهمة الشرطة أو القوات المسلحة وحدهما وإنما هو دورنا جميعا حماية لمصر وشعبها في أن يعيش حياة حرة مستقرة وينعم بالأمن والاستقرار ومستوي معيشة أفضل.