ورغم تدخل قوات الشرطة والجيش لإخلاء تلك الوحدات في السادس من أكتوبر إلا أنه لم يتم التعامل بالمثل في باقي المدن التي أصبحت وكرا للبلطجية وبعض السكان واضعي اليد. والأخطر من ذلك أن البلطجة في هذه المدن يفرضون سيطرتهم وكلمتهم هي العليا فمن يرد الحماية فعليه بالبلطجية ومن يرد الشكوي فليذهب إلي قسم الشرطة، فأقسام الشرطة موجودة فقط لتلقي الشكاوي وعمل المحاضر فقط لا غير، أما تواجدها في شوارع المدن الجديدة فيكاد يكون معدوماً وهذه هي مشكلة هذه المدن . كان "لآخر ساعة" تلك الجولة في عدد من المدن وكانت البداية في مدينة النهضة والتي تمتد مساحتها لنحو20 كم في حالة يرثي لها، فشركتا المحمودية والنيل، وغيرهما من الشركات التي تعاقدت مع محافظة القاهرة والحكومة انتهت من بناء مئات العمارات منذ عام 1992ولم يتم تسليمها للمواطنين حتي الآن، فمنذ 19عاما وهذه المساكن خالية من المواطنين الذين يستحقونها أو علي الأقل الذين أنشئت من أجلهم هذه المساكن، حتي المحافظة في ظل تصاعد أزمة العشوائيات وأهالي الدويقة وغيرها بحثت عن أسهل الحلول، وهو مساكن الشباب بأكتوبر وتركت مساكن النهضة والسلام المنتهية من أغلب التجهيزات منذ ما يقرب من عقدين وهو ماأكده لنا أحمد علي صاحب شركة مقاولات بالمدينة. وأضاف بالقرب من مدينة النهضة توجد منطقة معروفة باسم مساكن النيل العامة أنشأتها شركة النيل العامة للمقاولات وتضم 720وحدة سكنية تم تسليم 360وحدة منها إلي المحافظة، ويوجد 360 وحدة أخري تحت الإنشاء منذ أكثر من 15سنة ورغم انتهاء بعضها وتوصيل جميع المرافق، إلا أنها لم تسلم إلي المحافظة حتي الآن ، وأصبحت المرافق في حالة سيئة جداً بسبب عدم الاستخدام، بالإضافة إلي سرقة مواسير المياه الزهر وجميع الأخشاب وأسلاك الكهرباء من الكابلات الخارجية الموصلة لتلك الوحدات، لتصبح المساكن قابلة للانهيار قبل تسليمها لمستحقيها من الأهالي، وذلك لضعف الرقابة عليها من قبل الشركة المختصة أو تعيين حراسة كافية. وبالانتقال إلي مدينة بدر وجدنا نفس المشكلة وهو ما قاله محمد عادل (أحد سكان المنطقة) والذي أكد أن بعض الأهالي سيطروا علي الوحدات السكنية الشاغرة بوضع اليد، كما يستخدم البعض الآخر من الأهالي "البلطجية" في الأعمال غير المشروعة وتداول المواد المخدرة، مضيفاً: مطلبنا الوحيد هو الأمان والحماية من أعمال البلطجة التي تسيطر علي المنطقة، وأن نري تلك المساكن عامرة آهلة بالسكان. أصبحت تلك المنطقة قنبلة موقوتة، وتشكل خطراً علي سكان المنطقة والمناطق المجاورة لها حيث يسيطر عليها البلطجية وتجار الخردة لترويج المخدرات والأعمال غير الشرعية، مستخدمين مختلف أنواع السلاح لإرهاب السكان وابتزازهم، بالإضافة لسوء المرافق العامة وتساقط المياه من أسقف الغرف والتي تعد مهدمة وفي حالة يرثي لها، ومياه الصرف الصحي والقمامة التي تملأ الشوارع، إضافة إلي مئات المحال التجارية التي سرقت أبوابها وأسلاك الكهرباء لتظل علي حالها دون استخدام أو منفعة. وهو ما أكده سمير فوزي أحد السكان والذي قال إنهم يتعرضون لأعمال البلطجة تحت تهديد السلاح، وسرقة أثاث منازلهم من قبل البلطجية ثم يبيعونها لهم مرة أخري، وأيضا يسرقون الرخام الموجود بمداخل العقارات، كما تسرق أسلاك الكهرباء وحديد البلكونات من الوحدات السكنية التي لم تسلم لأحد. وأضاف: البلطجية يفرضون علينا إتاوة تصل إلي 300جنيه تحت تهديد السلاح مقابل حمايتنا، علي الرغم من إننا نعيش خلف الأبواب الحديدية التي بالإضافة إلي الأبواب الخشبية والتي يسهل اقتحامها ولكننا أيضا لم نسلم من السرقة. وبعد ذلك ذهبنا الي مدينة العاشر من رمضان حيث تجد نفسك في عالم عمراني مختلف ومتسع تملؤه المساحات الخضراء ويخفي في باطنه تصاعد أعمال العنف والبلطجة والإنفلات الأمني من ترويع التجار ونهب المتاجر وسرقة المساكن وغلق شوارع بأكملها بسبب العنف والبلطجية. فبداية من طريق المصانع بالاتجاه إلي طريق المساكن الشعبية، لاحظنا طوال سيرنا انتشار ملصقات مكتوب عليها شقة أو فيلا للبيع واستغربت كثيراً لرغبة سكان هذه المدينة في الخروج منها فالشوارع تخلو تماماً من أفراد الشرطة، وبالتوجه إلي قسم شرطة مدينة العاشر لم نجد أفراداً علي أبوابه وما وجدناه عربية ترحيلات بها عسكري نائم تماماً وقدماه تعلو مقود القيادة. وبالتحدث مع عم أحمد (بدال) قال "يوم بعد يوم عقب اندلاع الثورة تتزايد وتتصاعد أعمال العنف والبلطجة في المدينة، فالبلطجية احتلوا البلوكات التي كان بها مكتب الصحة المحروق منذ الثورة والموجودة بالحي الأول ونصبوا الخيام بالشارع للسكن أيضاً وبيع المأكولات بالشارع لذا الشارع يعاني من حالات الانفلات، فالبلطجية يقومون بالرد من خلال رفع السلاح في وجه سكان المدينة. وأضاف لهذا السبب الكثيرون من سكان هذه المدينة غادروا شققهم وقاموا ببيعها، حيث إنه أما يسكن في هذه المدينة أفراد يعيشون علي هامش الحياة ينتظرون رزقهم الذي تقاسمهم البلطجية فيه أم يكونوا مثلهم يأخذون حقهم بالذراع والسيف لكونهم في الأصل قادمين من منشية ناصر والمقابر وحكر أبودومة وأبوعزت بعشوائيات مصر وفي أغلبهم لصوص وبلطجية. و قالت أم شروق: لا نستطيع الذهاب بمرضانا إلي طبيب أو مستشفي في وقت متأخر من الليل دون تكتل كل سكان العمارة لتوفير بعض الأمان والحماية، مؤكدة أنها تعرضت لتهديد السلاح أثناء سيرها في الشارع وقت الظهيرة من أحد البلطجية لسرقة بعض المشغولات الذهبية المقلدة التي كانت تزين يدها، متسائلة "كيف نربي أبناءنا في ظل هذا المناخ غير الآمن الذي تسيطر عليه الأعمال الإجرامية. وطالبت بمزيد من اهتمام المسئولين لتوفير الخدمات العامة والاهتمام بالحالة الأمنية، مشيرة إلي عدم وجود أي خدمات متوفرة بالمنطقة كالأسواق والمستشفيات والمدارس، مؤكدة أنها تسير أكثر من نصف ساعة للوصول إلي أقرب مدرسة أو سوق لقضاء احتياجاتها اليومية أو تلجأ إلي استخدام التاكسي الداخلي بالمنطقة، والذي يشكل عبئاً عليها في المصاريف. الأمر ذاته تكرر في مدينة السلام حيث إن هناك عددا كبيرا من المساكن التي استولي عليها البلطجية منذ شهرين أو أكثر ولم تحرك قوات الأمن ساكنا لإخراجهم . أحمد عبد الوارث، أحد السكان، أشار إلي أنهم دفعوا 8000 جنيه للمحافظة للحصول علي تلك الوحدات السكنية بقيمة إيجارية 140جنيها شهرياً مدي الحياة دون تمليك أي حق انتفاع، معرباً عن استيائه من هذا الوضع الذي من الممكن أن يجعله هو وأسرته في الشارع إذا ما تعثر في دفع الإيجار، مشيراً إلي أن حالته المادية المتعسرة لكونه عاملا بسيطا، مطالبا أن يكون الإيجار 70جنيها وحق التمليك بعد 30سنة أسوة بما يحدث في بعض المدن. كما أشار إلي أن المياه تتساقط عليهم من أسقف الغرف، والتي تعد مهدمة، بالإضافة إلي حالة المرافق العامة السيئة للغاية، وكذلك وحدات الصرف المكشوفة بالشوارع والتي تعرضهم للخطر، خاصة الأطفال لتمثل تلك الأمور إضافة لسيطرة البلطجية علي الشوارع مصدر خطر علي حياتهم، مطالباً بمزيد من الاهتمام بالمرافق العامة وتحسين حالة الشوارع الممتلئة بمياه الصرف الصحي والقمامة والتي تمثل خطرا بيئيا كبيرا. خالد عبدالمنعم أكد أنه كان يقيم بخيام السلام لمدة 6 أشهر، ولم يتسلم شقة حتي الآن، رغم تقديم كافة أوراقه للمحافظة وتسلمه »رقما« لحين يأتي دوره، ولأن زوجته مريضة بالقلب اضطر إلي إيجار شقة بمساكن المحمودية بقيمة إيجارية 300جنيه شهرياً، دون أن يلجأ كغيره من الأهالي لوضع يده علي أحد المساكن الشاغرة بطريقة غير شرعية، رغم حالته المادية المتعسرة كونه عاملا باليومية، هذا بالإضافة إلي علاج زوجته الذي يصل إلي أكثر من 500جنيه شهرياً، متسائلا: كيف أتحمل كل هذا العبء ولي الحق في استلام شقة من المحافظة بإيجار منخفض التكلفة؟ وكيف لا توجد وحدات سكنية يسلمونها لنا وكل تلك المساكن أمامنا دون أن يشغلها أحد.