لا صلاح ولا تقدم لأي بلد إلا بالعلم والعمل بينما كنت أتابع وأتأمل مع الملايين من أبناء هذا الشعب تطورات المشهد السياسي العام الداعي للقلق والباعث علي الحزن والألم بسبب حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد حاليا في ضوء اختلاف المواقف وتباينها والصراعات الحادة بين كافة الأطراف من أحزاب سياسية وفصائل وتيارات فكرية والتي وصلت في كثير من الأحيان إلي حد التخوين والازدراء للآخر منذ إعلان (وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور) أو كما يحلو للبعض تسميتها (المبادئ فوق الدستورية) كنوع من التشهير بها ومهاجمتها. وهي الوثيقة أعلنها قبل أسبوعين د.علي السلمي نائب رئيس الوزراء للشئون السياسية والتحول الديمقراطي ودعا إلي مناقشتها جميع التيارات السياسية وعددها 551 حزبا وتيارا سياسيا وفكريا »للتوافق« عليها وليس للاتفاق كما يزعم البعض وقوبلت برفض قاطع من حيث المبدأ من حزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة) و51 حزبا من بينهم أحزاب التيار الإسلامي رافضين حتي مجرد الحوار حولها وقاطعوا الاجتماع الذي كان مخصصا لذلك بدار الأوبرا أحد رموز الثقافة المصرية باعتبار أنها أي »الوثيقة« من وجهة نظرهم التفافا علي الإرادة الشعبية وباعتبار أن مجلس الشعب القادم ولجنة »إعداد الدستور« التي سيشكلها هي وحدها المنوط بها إعداد الدستور الجديد للبلاد (دستور الثورة) مشككين في التوقيت الذي صدرت فيه الوثيقة بل وهددوا بالنزول إلي الشارع وحددوا بالفعل يوم 81 نوفمبر الحالي لتنظيم مليونية جديدة تطالب بإسقاط د.علي السلمي وإبعاده عن الوزارة أو إقالة الوزارة بأكملها وتعيين وزارة بديلة وهو مايعد تسلطا واستبدادا بالرأي بعيدا كل البعد عن العدل والمساواة واحترام الرأي والرأي الآخر والتي تعد من أهم المبادئ التي دعت إليها ثورة يناير المجيدة إلي جانب مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون ولقد فوجئنا يوم الجمعة الماضي بمسيرة الإخوة الأقباط التي انطلقت من أمام كاتدرائية العباسية مرورا بالمستشفي القبطي وإنتهاء بميدان التحرير وشارك فيها عدة آلاف من الأقباط والمسلمين يتقدمهم مجموعة من القساوسة تضامنا ووفاء لشهداء »مأساة ماسبيرو«.. ولكن مع كل التقدير والمحبة وعميق المواساة والمشاركة الوجدانية للإخوة الأقباط »شركاء الوطن« في مصابهم الجلل والأليم إلا أنني كنت أتمني أن تتم هذه الاحتفالية في إحدي الكنائس أو الأديرة المسيحية مثلما حدث في الاحتفال العالمي الذي أقيم في أحد الأديرة القبطية فوق جبل المقطم يوم الجمعة الماضي ونقلته جميع وسائل الإعلام العالمية والمحلية وحتي نؤكد للجميع في الداخل والخارج أولا: رقي تفكيرنا وأسلوبنا المتحضر في عرض قضايانا وإظهار مشاعرنا ومتطلبات ثورة يناير التي دعت إلي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في إطار دولة مدنية حديثة تقوم علي أساس العدل والمساواة ومراعاة حقوق الإنسان وتفعيل حكم القانون فإننا جميعا مطالبون بتحكيم العقل وتفضيل المصالح العليا للوطن علي المصالح الشخصية والحزبية والفئوية والأيدلوجية حماية لمستقبل هذا الوطن العريق الذي لابد أن يحتل مكانته اللائقة به وبحضارته بين كافة شعوب العالم المتقدم. ومما لاشك فيه أن التكنولوجيا الحديثة وخاصة فيما يتعلق بالتطورات الهائلة التي شهدها قطاع الاتصالات خلال السنوات الأخيرة وظهور أنظمة »الفيس بوك والتويتر واليوتيوب« والتي لعبت دورا مؤثرا وفاعلا للغاية في تفجير وإنجاح ثورة يناير يمكن أن تلعب أيضا دورا هاما للغاية في تطوير وتنمية الاقتصاد المصري بجميع قطاعاته الإنتاجية الزراعية والصناعية والتعدينية والخدمية والارتقاء بقدرته وكفاءته إلي المستوي العالمي من خلال نقل التكنولوجيا المتطورة والتفاعل بكفاءة وقدرة تنافسية مع الاقتصاديات الكبري المتطورة في العالم. وليعلم شبابنا أن مصر الغنية بثرواتها وإمكانياتها وفي مقدمتها الثروة البشرية التي هي عماد هذه الأمة وسر عظمتها منذ فجر التاريخ.. شبابنا الذي يمتلك هذا السلاح الجبار والذي أذهل العالم كله بقدرته علي استخدامه والتعامل معه من قبل وأثناء الثورة يمكن بل ينبغي عليه أن يطوعها لخدمة وتنمية مصالح بلده خلال المرحلة القادمة بدلا من الإضرابات والاعتصامات التي أصبحت مضارها أكثر كثيرا من فوائدها.. علي شبابنا الواعي المثقف المتأجج وطنية. وثانيا: حتي لايظل الشارع المصري هو حلبة الصراع بين كافة الأطراف السياسية والاجتماعية والفكرية والدينية وهو مايؤدي إلي تعطيل أعمالنا ومصالحنا ووقف عجلة الإنتاج في مصانعنا ومزارعنا والمصالح الحكومية وهو ماسيؤدي إلي تدهور أوضاعنا الاقتصادية والمالية وزيادة معدلات الجريمة وأعمال البلطجة والانفلات الأمني سببه انشغال الدولة بكافة مرافقها ومؤسساتها الأمنية وخاصة جهاز الشرطة وأبلغ دليل ذلك ما شاهدناه من تدهور الأوضاع الأمنية والاستقرار في خلال الاسبوع الماضي في العديد من المحافظات مثل تفجير أنابيب الغاز في رفح والشيخ زويد للمرة السابعة والصراعات القبلية والعائلية في محافظتي سوهاج ودمياط وكذلك إلغاء الاحتفالية العالمية التي كان مقررا إقامتها يوم 11/11/1102. عند سفح الهرم بمشاركة عدد كبير من شركات السياحة العالمية وذلك انطلاقا مما نشرته بعض مواقع الشباب علي الفيس بوك من أن هذه الاحتفالية يشارك فيها جمعيات يهودية وماسونية وهو ماحقق خسائر كبيرة للسياحة المصرية وأعطي انطباعا سيئا عن الأمن والاستقرار في مصر ستمتد آثاره بكل تأكيد أيضا علي قطاع الاستثمار والإنتاج وعائدات السياحة ويعود بعواقب وخيمة علي الاقتصاد المصري بصورة عامة ويؤدي إلي حالة كساد مخيفة وارتفاع معدلات البطالة وهبوط رصيد البلاد من النقد الأجنبي. ومن هذا المنطلق الذي لايبشر بأمل في مستقبل أفضل لكافة أبناء الشعب مسلميه وأقباطه ولا يتفق أبدا مع أهداف أن يدرك تماما مدي أهمية الدور المنوط به في خدمة وطنه والارتقاء به سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأن يطوع مالديه من خبرة ودراية بتكنولوجيا العصر للمشاركة في بناء مصر الحديثة دولة مدنية ديمقراطية ذات اقتصاد قوي يحقق الرخاء والاستقرار وحياة أفضل لكل المصريين. بالأمس شاهدت مسرحية »الخديوي« التي كتبها الزميل والصديق العزيز الشاعر الملهم فاروق جويدة والتي ظلت ممنوعة من العرض طوال ال 81 عاما الماضية بسبب تعرضها وكشفها لمظاهر الفساد في أنظمة الحكم الشمولي والذي كاد أن يودي بسقوط الدولة وبيع مصر بكل عظمتها وتاريخها وتراثها الحضاري في المزاد. بالفعل هي مسرحية رائعة بكل المقاييس سواء فيما يتعلق بعملها الأدبي الراقي وأشعارها الجريئة التي تفيض بالصدق والوطنية الجارفة أو إبداع وتألق جميع من شارك في هذا العمل المسرحي الرائع وفي مقدمتهم الفنان الكبير محمود ياسين والرائعة سميحة أيوب والواعدة نرمين علوبة والقدرات الفائقة للمخرج جلال الشرقاوي.. وكم تمنيت أن تقوم مختلف القنوات التليفزيونية بإذاعة هذه المسرحية رفيعة المستوي مرات ومرات ليس لكي نشاهد صور الفساد التي كانت تحدث في عهود الاستبداد ونظم الحكم الشمولية وإنما لنأخذ عبرة وعظة من مساوئ هذه النظم التسلطية في حياتنا المستقبلية ولكي نكون أكثر حرصا وإصرارا علي إقامة نظام ديمقراطي حر لايسمح بظهور مثل هذه الأنظمة المستبدة والمتسلطة مرة أخري.. ويقينا فإن مصر العظيمة التي أبهرت العالم كله بحضارتها الخالدة قبل 7 آلاف عام لم ولن تسقط أبدا أو تباع بفضل وعي ويقظة شعبها الذي انتفض علي القهر والظلم يوم 52 يناير ذلك أن الفساد ليس نتاجا شخصيا أو أشخاصا بقدر ما هو نتاج أنظمة شمولية مستبدة.