«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصناعات التقليدية المصرية..
إلي اندثار

الصناعات اليدوية هي جزء من التاريخ والحضارة لأي شعب.. ومصر من أكثر دول العالم التي عرفت الحرف اليدوية منذ عهد الفراعنة، إلا أن التطور التكنولوجي ودخول عصر الماكينات وكذلك عدم الاهتمام بهذه الصناعات أو العاملين فيها أدي إلي تدهور الكثير منها حتي شارفت علي الاندثار. وفي الوقت الذي غاب فيه اهتمام الدولة لدينا بهذه الصناعات نجد بعض الدول العربية خصصت في حكوماتها وزارات للصناعات التقليدية مثل تونس والمغرب.. التفاصيل في سياق التحقيق التالي..
بدأت صناعة الصدف في مصر في العصر القبطي حوالي 200 ميلادية وكانت تسمي وقتذاك بناء البلح لعدم وجود معدات واستخدام النخيل بدلا منها. وفي عام 600 أو 700 بدأ ظهور صناعة السيوف والخناجر من الصدف، لتصنع من البوص ومن الشكل الدائري للخنجر والسلاح إلي أن وصلنا إلي العصر الحالي.
في الأربعينات من القرن التاسع عشر عاشت المشربيات فترة من الازدهار استمرت حتي أوائل القرن العشرين. لذلك فكانت كل الآثار والمساجد معتمدة علي الشغل اليدوي التي يدخل فيها الصدف. فقد جاء إلينا ذلك الفن من كربلاء في العراق، بعد أن قاموا بقتل معظم من يعملون به لأنه كان هناك من يتربص بهم ويريد أن يمحو تلك المهنة والثقافة في ذلك الوقت. ولم يهرب منهم إلا عدد قليل جاء إلي مصر وبدأ يعلم بعضا من أولادهم هذه المهنة، فكان ذلك وقت ازدهارها، من 1848 إلي منتصف القرن العشرين. فأصبحت صناعة الصدف إحدي الصناعات اليدوية الموروثة التي يقبل عليها المصريون والعرب والسياح.

إلا أن الآن ربما اختلف الوضع قليلا، يقول أيمن السيسي، أحد أهم صانعي وبائعي الصناعات الخزفية في مصر والذي توارثها عن عائلته منذ عام 1904، إن مهنته تعاني حزمة من المشاكل التي قد تعصف بها بل وقد تؤدي إلي اندثارها في مستقبلا.
الظروف الأمنية المضطربة تأتي في مقدمة اختفاء السياحة الموسمية في العشرة أو الاثني عشر عاما الماضية، وهي مشكلة كبيرة بالنسبة إلينا. فطالما تعودنا أن تكون السياحة في مصر بالنسبة للأجانب منذ بداية سبتمبر حتي مارس وأبريل والعرب من شهر مايو حتي أغسطس وسبتمبر مما يعني أن السنة كلها بها رواج سياحي. ولكن في السنوات القليلة الماضية لم تعد منتظمة ولم يعد هناك ما يسمي بالموسم السياحي. فطالما كانت له زبائن في أمريكا، استراليا، كندا واسبانيا، ألا أنهم لا يزدادون الآن بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في مصر. فحادث الأقصر في نهاية التسعينات، تفجيرات شرم الشيخ، القنبلة التي تم تفجيرها في حي الأزهر، ضرب النار في الموسكي من ثلاث أو أربع سنوات، كل ذلك أدي إلي تطفيش السياح والهروب من مصر، بل واختيار دول أخري لقضاء أجازاتهم فيها تجنبا للمخاطر الأمنية وهو مستمر الآن لعشرة أو خمسة عشر عاما. فمثلا اعتاد الأمريكان منذ سنوات عديدة علي طلب بعض الأعمال الفنية للاحتفال بأعياد الكريسماس وهو ما توقف منذ حرب الخليج الأولي عندما غزا صدام الكويت في بدايات التسعينات مرورا بحرب الخليج الثانية.

أضاف أن عدد من يعملون بتصنيع الصدف آخذ في النقصان بل والي اندثار، فكان يعمل مع والده خمسة صبيان، أما هو فيعمل معه واحد فقط. فتلك المهنة تحتاج إلي صبر كبير جدا وتعايش مع المهنة من نوع خاص .
تصميم الأرابيسك لم يكن تصميما جماليا فقط بل كان يعد فلترا أو منقيا للهواء من الأتربة كان يصنع في السابق من خشب الصندل الذي يطلق روائح جيدة في المكان. والشباك المخمس الذي يوضع فيه القلة لشرب الماء كانت توضع في المشربية علي هيئة شباك كانت تحافظ علي برودة القلة والمشرفية التي كانت تطل علي الحرملك والسلاملك. الحاج، علي حمامة، أشهر صناع الأرابيسك في مصر، يري أن ثورة يوليو ومفهوم الانتيكات والتحف خاصة بالبشوات مسئول عن جزء كبير مما نعيشه حاليا. أكد أن عدم اهتمام الدولة بالفنان ساعد علي عزوفهم عن العمل بتلك المهن بشكل كبير في مقابل التوظيف في الحكومة الذي يعطي صاحبه مميزات أهمها المعاش.

وأضاف : عدم وجود إعفاءات ضريبية علي المواد الخام التي يتم استيرادها من الخارج جعل من هذه المهنة عبئا ماديا ثقيلا جدا علي أصحابها.
ثم تكلم عن مشكلته الرئيسية في إيجاد فنانين صغار من الصبية كما كان في السابق، فالجيل الجديد ليس لديه الصبر الكافي للتعلم فسرعة الحياة من حوله والعولمة وهذا شيء عالمي. للأسف إذا مات حرفي لدي الآن لا أستطيع تعويضه، والمتعلمون الجدد قد يقضون فترة قصيرة ثم يصابون بالملل. فعصر الإليكترونيات والريموت كنترول قلل كثيرا من قدرات الإنسان الجسمانية بشكل عام. قتل كثيرا من قيم هذه المهن اليدوية الفنية التي تتطلب شهورا وسنين في بعض الأحيان من أجل إنجاز قطعة فنية صغيرة ، فلم يعد هذا عصر الاتقان.
يدعو الحاج حمامة إلي إنشاء جهة أو وزارة كبيرة من أجل البحث في حلول لمشاكل الصناعات التقليدية في مصر.، بدلا من الفنون التي اندثرت مثل فن النحاس الفرعوني والتي أغلق علي أثرها 270 ورشة. ووضع قيودا علي الاستيراد من الصين كدول كثيرة كتركيا والبرازيل التي تحاول الحفاظ علي صناعتها، فعندما قدم هو وزملاؤه في المهنة، شكاوي إلي الحكومة كل ما فعلته هو أن أخذوا علي كل تمثال جنيها لصالح المتاحف الإسلامية ولكن لم يلغوه أو يحدوا منه. فيجب أن تكون للصناعات التقليدية نسبة في أي تبادل تجاري بيننا وبين أي دولة، فاذا كان التبادل التجاري بيننا وبين أسبانيا بمائة مليون فمن المهم أن يكون خمسة في المائة للصناعات التقليدية من إجبار الدول علي شراء الصناعة التقليدية.

السجاد اليدوي في الحرانية
جاء رمسيس ويصا واصف إلي الحرانية عام 1952 ، كان رئيس قسم عمارة ويدرس في الفنون الجميلة فلمس كيف أن المناهج التعليمية تفرض علي من يتعلم رأيا وذوقا ومزاجا معينا مفروضا من المجتمع وكان علي دراية ووعي بأن الناس لها ميول أخري فنية مفروضة عليهم، فالناس تعيش داخل قوالب معينة ولكن فنيا ما هي إمكانياتك الحقيقية لا يوجد اهتمام بذلك. فقد كبر الإنسان دون الالتفات إلي مواهبه الحقيقية دون أن يجد جذوره أو نفسه.
هو ليس مصنعا أو حرفة بمعني الكلمة، بل مدرسة تربي فنانين، تبدأ معهم وهم أطفال صغار إيمانا منها ومن قبلها والدها بأن بداخل كل إنسان فنانا وأن الطفل في البداية مليء بملكات الإبداع وابتكار ليس لها حدود لا يعي أنها موجودة بداخله ولا البيئة من حوله تعطي لها أهمية كبيرة. كل ما تفعله هو احتضان هؤلاء الأطفال في البداية ونشرح لهم التكنيك نفسه وتقنيات الحرفة ونترك كل طفل بإمكانياته موجودة فيه طبيعية أن يعبر عن ذاته فيها مع منعه من رسم موديل من أجل نسجه بل يمسك الصوف والخيوط وينسج أفكاره بشكل فوري، فلا يوجد تصميم وتنفيذ.، كلها شيء واحد وبالتالي فهي عملية بطيئة جدا تأخذ أجيالا في مقدمتها عمر الشخص نفسه، اذا أحب ما يفعله وجذبه ما يفعلون وأشبعت رغباته كفنان.
لذلك فعندما جاء هنا في الخمسينيات لم يكن يوجد في القري حتي القريبة من المدينة أي مدارس قد يوجد كتاب ولكن ليس تعليما في القري. فبالنسبة لهؤلاء الأطفال حياتهم لا تتغير أو تنمو ولا ينتبه أحد إلي أن يعطي لهم أحد مستقبلا أفضل، يعيشون في جهل وفقر وبلهارسيا. فقال إن هؤلاء الأطفال مظلومون يمتلئون بالطاقات ولكن دون تنمية. لذلك فبالنسبة له كفكرة فنية وتربوية. أكد أنه لو استطاع اقامة مشروع كهذا يتيح الفرصة إلي أطفال القرية من أجل تعلم حرفة معينة لكن بطريقة أرقي أن يكون فنانا وليس حرفيا أو صانعا وبذلك أعطي له فرصة اكتشاف الفنان الذي في ذاته سواء بالألوان والأشكال.
اعتدلت في جلستها سوزان ويصا واصف، ابنة وحفيدة رمسيس ويصا واصف لتؤكد أن الكثير تغير منذ أن انضمت إلي المشروع الذي بدأه أبوها في خمسينيات القرن الماضي. علي مدي 38 عاما حاولت أن تعلم مجموعة من كذا طفل كيف يستوحون أفكارا مما حولهم في الطبيعة وحياتهم اليومية، و كل إبداع يعكس شخصية الفنان. بل إن متاحف فنية في إنجلترا، الولايات المتحدة وفرنسا اقتنت خمسة أعمال من هؤلاء الفنانين. فجمال القرية، قيمة الوقت، فبالنسبة للفلاح أو القروي لا يوجد للوقت أهمية قصوي كوقت في حد ذاته، و لكن ما يهمه ما يفعله عكس المدينة التي لها قيم مختلفة ثم ذكرت المثل الذي عني بالانجليزية الوقت يساوي مالا أو الوقت من ذهب بل ويعني هراء بالنسبة لها. فعلي النقيض تماما فقيمة الإنسان نفسه وما حققه في الوقت أهم من الوقت نفسه.
تواجه الآن عددا من المشاكل الناتجة عن اختلاف أسلوب الحياة، فهي الآن تعمل مع جيلين، الجيل الأول الذي بدأ معه والدي منذ عام 1952 و فنحن مرتبطون بهم، بصحتهم، بمستقبلهم، وعائلتهم. مما يجعلها مسئولية كبيرة.

فعندما حاولت أن تأتي بأحفادهم، فالجيل الجديد يعد ملوثا فهو ليس لديه استعداد لتقبل قيم أصيلة يكون له مستقبل من خلالها، بمعني أنه لا يريد أن يعطي وقتا أو مجهودا، لا يريد أن يفكر، يريدون أن يمتهنوا أي مهنة سهلة تأتي له بعائد ربح بسهولة شديدة، المهم ما سيقوم بتحصيله من أموال في الساعة.

فالخامات كانت تحصل عليها من الطبيعة، عن طريق زراعة نباتات الفوة التي تعطي الصبغة الحمراء والنيلة التي تعطي صبغة زرقاء وكانت منتشرة في مصر علي النيل. إلا أن الكيماويات التي ترش بها الأراضي الزراعية ساعدت علي اختفاء تلك النباتات بالإضافة إلي ضعف الطلب عليها أدي إلي عدم زراعتها واندثارها. وطن الطينة الذي كنت أستورده مقابل ألف جنيه ارتفع إلي عشرة آلاف، كما أن خصخصة المناجم لصالح مصانع الخزف والصيني أدي إلي صعوبة الحصول علي المواد الخام من سيناء وأسوان لصناعة الأكواب وصحون لذلك توقفنا عن إنتاجها.

ارتفاع سعر القطن الذي تنتجه الحكومة في السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلي قلته ورداءة جودته حتي أنه أصبح يقطع علي النول، لم يعد القطن المصري طويل التيلة منتشرا بل حل محله القطن الصيني. كما يواجه العديد من منتجي الأصواف البلدي مشكلات في توزيع الأصواف لديهم مما أدي إلي توقف العديد منهم عن العمل مما يجعل الحصول علي الأصواف للرسم عليها أمرا شاقا خاصة في الفترة التالية لثورة الخامس والعشرين من يناير.
أكدت واصف أن أكثر ما أحزنها في السنوات الماضية هي الثقافة غير السمحة دينيا الدخيلة علي مصر والتي انتشرت بشكل كبير ومرعب التي مست الشبان وخاصة الذكور أكثر من غيرهم. فبالرغم من علاقتنا مع المجموعة المبنية علي الاحترام المتبادل والحب الا أنني لاحظت أن شابين من المجموعة التي تبنتها منذ أن كان عمرهم سبع سنوات لم يأتوا لتهنئتي بعيد القيامة كما كانوا معتادين من قبل. رغم أنهم أقلعوا في النهاية عن تلك الأفكار ألا أنها تعد من إحدي التغييرات التي لم تكن موجودة في الجيل القديم الذي تبناه أبي علي سبيل المثال.

❊❊❊
بالرغم من وجود فنانين وحرفيين مهرة إلا أن طريقة العمل قد اختلفت، ففي السابق كانت توجد ورشة ومعلم يدرب الصبية أو الفنانين القادمين بل وكان يدفع بعض الأهالي إلي صاحب الورش حتي يقبلوا أبناءهم كصبيان فيها. أما الآن فالحسبة أصبحت مختلفة تماما، فبدلا من أن يذهب ليتعلم في ورشة أصبح يحسبها بما هو العائد خلال الساعة، ففي النهاية الأجور ضعيفة، مما يثبط أي شخص عمره عشرة أو خمسة عشر عاما أن يقبل الآن علي تلك المهن. فأربعون أو خمسون جنيها في اليوم لم تعد مغرية تماما بالنسبة له. فلم يعد يمثل شيئا أن يدقدق صينية بأربعين أو خمسين جنيها بل الأفضل أن يأخذ زبونا من مكان إلي مكان ويعمل في السمسرة مقابل أربعمائة أو خمسمائة جنيه في اليوم.

فالجو الثقافي والمناخ العام داخل خان الخليلي أفرز أنواعا من الأعمال كالسمسرة ومهن لا تمت إلي الصناعة اليدوية تماما. فلم يعد هناك ارتباط بالمكان كما كان في السابق، فمعظم المدارس التي كانت تعتمد في جزء كبير منها علي التمويل الأهلي في مقابل جزء بسيط حكومي وكانت تعلم الحرف اليدوية في الفيوم، القاهرة أو إسكندرية لم تعد موجودة. فحتي الطبقة المتعلمة، الواعية والتي تمتلك الإمكانات المادية لم تعد علي قدر من الوعي من أجل التبرع بمبني أو مدرسة أو أي عوامل تساعد علي الاستمرارية في متابعة هذا المشروع وهو ما يسمي بتنمية المجتمع.
تصنيع الماركيتريه هوأحد التصميمات الخاصة بالموبيليا التي تعتمد علي وضع أشكال من الخشب علي سطح خشبي ويصمم بقشرة ألوان أو وردة فيعطي تصميما معينا، يظهرفي الغالب كأنه خشب مشقق. محمد إسماعيل، صاحب إحدي ورش تصنيع ماركتريه، يؤكد القلة الملحوظة جدا علي هذا الفن في العشر سنوات الأخيرة، فبعد أن كان هناك طلب دائم عليها بالكاد أصبح هناك طلبان في السنة يكون أغلبهم لأجانب. فالموضة كما يطلق عليها أصبحت للمودرن أو الحديث وهو ما يفضله أغلب الشباب حديثو الزواج الذين يجدونه مريحا. وهذا يهدد هذه الصناعة المتوارثة بالاندثار نهائيا، والكثير قام بتغيير النشاط ولكنه يجد صعوبة في المهنة التي قضي فيها عمره.
أما حمدي الحسيني الذي توارث فن التكفيت وهو تطعيم الخشب بالفضة أكد قلة الطلب علي هذا الفن إلا من العرب والأجانب الذين علي استعداد دفع تكليف صناعة يدوية دقيقة تأخذ وقتا في الصناعة. فالمصريون خاصة أصبحوا يسترخصون فيطلبون نحاسا ومعدنا وتصديرا بدلا من الفضة التي ارتفعت اسعارها بشكل كبير مقارنة بالسابق، فمن يدفع خمسة عشر ألف جنيه في صينية. كما أنه لم يعد من السهولة ايجاد فنانين يمكن تعليمهم والاعتماد عليهم كما كان قبل ذلك. وتوقع قرب اندثار هذا الفن مع تداول الأعمال القديمة إلي سوق تصبح قطع انتيكة.

وعندما سألنا الحاج أيمن المصري، أحد تجار الموبيليا الكبار في دمياط عن نوعية الموبيليا التي ارتفع عليها الطلب في الفترة الأخيرة أكد وجود تغير في الذوق العام تجاه الموبيليا المودرن أو الحديثة في مقابل الموبيليا الكلاسيكية التي كانت تعتمد علي أنواع فنون كالتكفيت والماركترية. قلة الطلب يؤثر بالفعل علي جزء كبير من سوق الموبيليا ويفتح الباب أمام الاستيراد وخاصة من الصين.
عندما جاءت ثورة يوليو أفرزت مناخا ثقافيا بأن كل الناس تريد أن تتعلم "فالتعليم كالماء والهواء" فأخذت هذا الشطر من السياسة وأصبح المجتمع منذ ذلك الوقت ينظر نظرة دونية إلي العمل اليدوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.