هناك آلاف الغارمين والغارمات في السجون نتيجة عدم قدرتهم علي سداد دين قد يكون مبلغاً هزيلاً لا يتعدي بضعة آلاف من الجنيهات، وقد يكون معظمهم من السيدات اللواتي أطاحت بهن الحياة في بحر من الهموم بعد أن أصبحن أرامل وتطمح الواحدة منهن في إتمام تعليم أبنائها أو زواجهم إذا كانوا في سن الشباب، وهي أكثر أسباب الاستدانة حسبما أشارت دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.. فهل ينهي معاناتهن ويبعدهن عن السجون مشروع قانون يلغي عقوبة حبسهن ويستبدلها بالخدمة العامة.. التفاصيل في التحقيق التالي. أُطلقت العديد من الحملات لإنقاذ مصير الغارمين والغارمات وكان آخرها حملة قام بها ضابط شرطة لسداد ديون الغارمات من زكاة الضباط، بخلاف الحملات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية، حتي تقدمت أخيراً عضو مجلس البرلمان إليزابيث شاكر بمشروع قانون لمجلس النواب يقترح استبدال عقوبة سجن الغارمين والغارمات بتشغيلهم في الخدمة العامة. الغارمون والغارمات هم كل من عليهم دين ولم يستطيعوا سداده، وغالباً تشيع ثلاثة أسباب لتفشي ظاهرة الغارمين والغارمات بالمجتمع مثل استدانة الأم أو الأب لشراء أي نوع من السلع بنظام التقسيط ثم يقوم ببيعها علي الفور للاستفادة بالسيولة النقدية واستغلالها لحاجة ملحة من أمور الحياة ثم سرعان ما يتعثر في سداد التقسيط، والسبب الثاني يكون فيه الغارم ضحية نتيجة لضمانة أحد أصدقائه أو أقاربه وعندما يتعثر المضمون يصبح الضامن من الغارمين، أو السبب الأشهر وهو الاستدانة من أجل تجهيز العرائس، وباختلاف الأسباب في النهاية تكون النتيجة السجن، وهو ما دفع عضو مجلس النواب اليزابيث شاكر إلي تشريع قانون لحماية الغارمين والغارمات من عقوبة السجن وإبدالها بتشغيلهم في المنافع العامة. من جانبها توضح إليزابيث شاكر أنها عملت علي تقديم مشروع القانون لأن هناك الكثير من البيوت المصرية في حاجة إلي قانون رحيم يحل ظاهرة منتشرة تسبب القلق والمشكلات الاجتماعية والنفسية داخل الأسر، فهناك أشخاص كثيرون دفعتهم ظروفهم لاستدانة بعض الجنيهات لشراء جهاز كهربائي من أجل إتمام مشروع زواج، أو حتي لسد حاجة ملحة ولم تساعدهم الظروف لتسديد الدين، موضحة أن الغارمين والغارمات ليسوا مجرمين وإلا ما كانوا حديث العمل الخيري والتطوعي لتسديد ديونهم. وأوضحت أن مشروع القانون ينص علي السعي لحماية الغارمات حيث إن النساء مجرد ضحايا لظروف اقتصادية طاحنة موجودة داخل الأسر المصرية بعد أن يكون العائل الاساسي للأسرة "الزوج، الأب" غير موجود ولا أحد يتولي الإنفاق غيرها، فتضطر للاستدانة عند العجز أو ظهور حاجة ملحة غير برنامج الإنفاق اليومي والذي تدبره بالكاد، مشيرة إلي أن هذه من أهم الأسباب للرغبة الملحة بداخلها لسرعة إنجاز القانون. تتابع أن الحكم بالسجن علي أحد الأشخاص ينعكس بشكل سيئ علي باقي أفراد الأسرة، لذلك شعرت أن هناك حاجة ملحة لقانون جديد يحمي هؤلاء الأشخاص، لافتة إلي أنها تعتبر المرة الأولي التي يتم فيها طرح مشروع قانون للغارمين والغارمات، وينص مشروع القانون علي أن تكون العقوبة الموقعة علي الغارم أو الغارمة سواء كانت بالحبس أو بالسجن حسب تقدير القاضي تستبدل بالتشغيل في الأعمال التي تتعلق بالمنافع العامة بعيداً عن السجن، بحيث يصدر بهذه الأماكن وطبيعة ونوعية العمل بها لائحة تنفيذية من رئيس الوزراء أو من ينوبه من الوزراء المعنيين بالأمر، وأناط مشروع القانون للقاضي المختص أن يصدر حكمه باستبدال العقوبة بالتشغيل وفقاً لقناعته وحسب ما يراه من توافر النية والقصد الجنائي وانطباق شروط تعريف الغارم أو الغارمة علي المتهم. كما يتم التظلم من المتهم علي قرار القاضي المختص وفقاً للقواعد العامة للتظلمات المقررة بقانون المرافعات والقوانين الأخري، وفقاً لما ينص عليه القانون، ونص مشروع القانون علي أنه لا تطبق علي الغارمين والغارمات المخاطبين بأحكام هذا القانون أن يعاقبوا بأمور مثل الحرمان من الحقوق والمزايا المنصوص عليها في قانون العقوبات أو قانون مباشرة الحقوق الشخصية والذي يحرمهم من حقوقهم الشخصية أو الأهلية، وعدم عزلهم من الوظائف الأميرية، أو وضعهم تحت مراقبة الشرطة. علي جانب مواز تمني الكثير من السيدات أن ينظر إليهن بعين الرحمة من خلال قانون ينقذهن وغيرهم من مافيا وتجار إيصالات الأمانة ومنهن هدي محمد أم لبنتين، اضطرت إلي ضمان زوجها بعد توقيعه علي إيصال بمبلغ 50 ألف جنيه حيث كان ينوي شراء أجهزة وبيعها وتسديد ثمنها بنظام القسط ولكنه تعثر في السداد فوجدت نفسها في السجن لأنها الضامن، تقول " زوجي كان من أوائل الناس الذين تخلو عني، وأصبحت لا أستطيع حتي رؤية بناتي إلا بعد خروجي من السجن بعد 7 سنوات قضيتها في عذاب ومازلت أدفع ثمن ما حدث فأصبحت منبوذة من الجميع حتي أقرب الناس إليَّ رغم أنني ضحية ما حدث الا انني فقدت كل شيء جميل في حياتي. أما وفاء محمد فكادت أن تكون إحدي ضحايا الظروف الاقتصادية الطاحنة، فكانت بالفعل علي أعتاب السجن لولا ولاد الحلال علي حد قولها تقول "تداينت بمبلغ 5 آلاف جنيه من أحد أصحاب معارض الأدوات الكهربائية بالمنطقة التي أسكن بها جراء شراء غسالة وسخان كهربائي لابنتي التي بلغت من العمر 31 عاما دون زواج فقط لأنني لم أستطع تدبير نفقات الزواج والأجهزة الكهربائية، ولكن كان لابد من إتمام الزواج بعد 4 سنوات خطوبة، ولم يكن أمامي سوي الاستدانة فاتفقت مع صاحب المعرض علي دفع مبلغ ألف جنيه كمقدم لثمن غسالة وسخان كهربائي علي أن يتم تقسيط باقي المبلغ "5 آلاف جنيه" وقام بكتابة إيصالات أمانة بالمبلغ ووقعت عليها وكان كل وصل بقيمة 300 جنيه وكنت أقوم بتسديد المبلغ كل شهر مقابل وصل أمانة حتي غلبتني الظروف فبجانب أقساط الأجهزة كنت أسدد أقساط جمعيات فتعثر بي الحال وأصبحت غير قادرة علي سداد الدين، وسار التاجر يهددني بالإيصالات في الرايحة والجاية حتي تصدر لي ولاد الحلال ومن ضمنهم واحدة من أهل المنطقة كانت تعمل بالمجال الخيري في إحدي المؤسسات المعروفة فقامت بمساعدتي ولولا ذلك لكنت أصبحت سجينة، لذلك أري أن معظم النساء الغارمات هن ضحية ولسن مجرمات لكي يعاقبن بالحبس فهن في حاجة إلي مد يد المساعدة لهن فقط. من جانبه، يعلق أحمد فتح الله الخبير القانوني علي مشروع القانون حيث يقول إن الغارمين والغارمات بالفعل ليسوا مجرمين فهناك استبعاد من نية التعمد في كثير من الحالات، لذلك كان لابد من إدخال تعديلات تشريعية أو الاعتداد بقانون ينصف غالبية من السيدات تحكمت بمصيرهن ظروف اقتصادية صعبة، ومن الناحية القانونية يعتبر القانون جيد جداً يحفظ للغارمين والغارمات حقوقهم من حيث المشاركة الاجتماعية، كما أنه يحسن مسار حياتهم ويمنع إيداعهم بالسجون وسط من أجرموا بالفعل. يتابع: الغارمون والغارمات يمثلون 25٪ من المسجونين وإذا ما تمت الاستفادة بهذه الأعداد في مجالات العمل المختلفة سيحسن من المناخ الاقتصادي العام، وبالتالي فإن استبدال عقوبة السجن للغارمين والغارمات بتشغيلهم كخدمة عامة في قطاعات مختلفة سيعود بالنفع علي الدولة، وستمكن الغارمين والغارمات من إتقان حرفة تعود عليهم بعائد مادي يساعدهم علي مواصلة الحياة . رحب محمد عبد العزيز عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقانون مشيراً إلي أن الاستفادة ب20 ألف شخص من الغارمين والغارمات يقضون عقوبتهم خلف أسوار السجون- حسبما تشير الإحصائيات- أمر جيد، يعود بالنفع عليهم وعلي الدولة ويزيد من الإنتاج، مشيراً إلي أهمية تدقيق النظر بين السطور عند إقرار القوانين حتي لا يتخذ منها ضعاف النفوس بوابة للنصب أو الاحتيال، فهناك أسر فقيرة تستدين بألف جنيه من أجل علاج أحد أبنائها وهؤلاء هم من يجب وضعهم في الاعتبار. ويشير إلي أهمية حل مشكلة الغارمات من الأساس عن طريق الاهتمام بالأسر الفقيرة ومعدومة الدخل من قبل الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني ومد يد العون لهم عن طريق حملات تجهيز العرائس أو إقامة مشروعات صغيرة لهم، أو تعلمهم حرفة تضمن لهم دخل مناسب. أوضح أننا في حاجة إلي حملات توعية مختلفة بشأن التحذير مما قد يلاقيه الأشخاص جراء الاستدانة وتقديم يد العون المادية والمعنوية لمن تثبت حاجته، وذلك للتصدي من ناحية أخري للذين يتخذون إيصالات الأمانة وسيلة للضغط علي الضعفاء ومن لا حيلة لهم سوي الرهان علي أنفسهم لشراء جهاز كهربائي. تري شادية القناوي أستاذ علم الاجتماع أن مشروع القانون خطوة جيدة لإنقاذ جمع كبير من سيدات ضحية لظروف فرضت عليهم الاستدانة ثم وجدوا أنفسهم بالسجن وسط المجرمين، حيث إن مشكلة الغارمات انتشرت خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ بالمجتمع جراء الظروف الاقتصادية وارتفاع الأسعار، مطالبة بأن يأخذ في عين الاعتبار تنظيم المسألة بمعني أن يتم عمل بحث أو مراقبة للبيانات حتي يتم التبين من الحالة الفعلية للشخص وهل كان هناك حاجة بالفعل دفعته إلي الدين أو عدم القدرة علي تسديده فيما بعد حتي نتجنب فعل جرائم النصب تحت منصة قانون يخدم الفقراء.