تعتبر السينما، بخلاف كونها فنا مرئيا، وسيلة لتوثيق حال المجتمع، ومن خلالها يمكن أن نرصد حال الشعوب وتاريخها، لذلك فإن السينما منذ نشأتها قد انشغلت بالقضايا وبالمشاكل سواء كانت إنسانية أو اجتماعية أو سياسية أو قومية، وقد حاولت قدر المستطاع أن تقدم رؤي مختلفة لتلك القضايا، ومن أهم القضايا التي تناولتها السينما، وتحديدًا السينما المصرية، قضية فلسطين. فهل نجحت في ذلك؟.. تدور الحرب الصليبية بين المسلمين والصليبيين فينتصر صلاح الدين علي ملك القدس ويتم توقيع معاهدة سلام بينهما إلا أن قائد الجيش الصليبي رينول قام بذبح جماعة من الحجاج الذاهبين إلي مكة، لذلك أراد صلاح الدين الانتقام منه إلا أنه وجنوده كانوا في موقع استراتيجي مما يصعب الهجوم عليهم. يرسل صلاح الدين مجموعة من الفدائيين لتدمير خزانات المياه مما دفع الصليبيين إلي الخروج من مخبئهم ودارت المعركة وانتصر المسلمون، كان عيسي العوام فارسا عربيا قريبًا من إحدي الترع حيث وجد فتاة توسلت إليه أن ترتدي ملابسها قبل القبض عليها، لكنها خدعته وقذفته بسهم أصاب كتفه وهربت وكانت تدعي لويزا دي لوزينيون رئيسة الممرضات لدي الصليبيين وسقط صليبها منها فوضعه عيسي العوام حول رقبته إذ كان فارسا عربيا مسيحيا يقاتل مع صلاح الدين، بعد هزيمة الصليبيين، بدأت فرجيني بتجميع الجيش لمحاربة المسلمين فاتصلت بالأمير كونراد لمساعدتها وبملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد الذي وافق علي أن يكون علي رأس الصليبيين. تم ذلك بمساعدة آرثر مستشار ريتشارد وقد وعدته فرجيني بعرش القدس. يصل الصليبييون إلي قلعة سان جوم بمساعدة حاكمها الذي خان شعبه.. هكذا تدور الاحداث في فيلم (الناصر صلاح الدين) الذي قدمه المخرج الراحل يوسف شاهين عام 1963 وكانت القدس حاضرة في فيلم يعتبر من أهم كلاسيكيات السينما العربية. فتاة من فلسطين ربما يكون فيلم »فتاة من فلسطين» أقدم الأفلام المصرية التي تعرضت لتلك الإشكالية... والفيلم تم إنتاجه في عام النكبة، 1948، وهو بطولة محمود ذو الفقار وإخراجه أيضًا، وقد شاركته في البطولة سعاد محمد، وكتبته عزيزة أمير ويوسف جوهر، وتدور أحداثه حول الضابط المصري الذي يدافع عن الأراضي الفلسطينية ضد العدو الصهيوني، وذات مرة تصاب طائرته فيسقط في قرية صغيرة بفلسطين، وهناك يتعرف علي سلمي التي تتولي العناية به في منزلها، ويتعرف أيضًا علي مجموعة من الفدائيين الذين يدفعون حياتهم مقابل الأرض والوطن، وتتوطد علاقته بسلمي فيقع في حبها، خصوصًا بعد معرفته أن بيتها ما هو إلا مركز للمقاومة. أرض الأبطال في العام نفسه، 1948، قدم المخرج نيازي مصطفي فيلم »أرض الأبطال» بطولة كوكا وجمال فارس، وإن كانت قصته لا تبتعد كثيرًا عما سبقه، فالبطل جمال تضربه الصدمة حين يعلم أن الفتاة التي يحبها ستتزوج من والده الثري، فيقرر ترك البلاد ويسافر إلي فلسطين وهناك يتعرف علي كوكا ويقع في حبها. بعد ثورة يوليو بعدة أعوام، في عام 1957 قدم المخرج كمال الشيخ مع فاتن حمامة وعمر الشريف فيلم »أرض السلام»، ما يحسب فعليًا لهذا الفيلم أنه أول فيلم يستخدم اللهجة الفلسطينية، والفيلم هو تكرار لنفس القصص الفائتة تقريبًا. قبل هذا الفيلم بعامين فقط، 1955، وبأمر من جمال عبدالناصر شخصيًا تم عرض فيلم »الله معنا»، والفيلم تم تصويره في عهد الملك. غير أن الملك فاروق منع عرضه. وهو يحكي عن الضابط عماد الذي يشارك في حرب 48 ليقع ضحية الأسلحة الفاسدة فيفقد ذراعه وعند عودته يكتشف أن والد حبيبته نادية متورط في تلك الصفقة المشبوهة فتساعده. والفيلم من بطولة عماد حمدي وفاتن حمامة، وإخراج أحمد بدر خان، أما القصة للكاتب إحسان عبد القدوس. أما فيلم »ناجي العلي» الذي تم عرضه عام 1992 فيُعتبر حالة متفردة، وهو من إخراج عاطف الطيب، وتأليف بشير الديك، وبطولة نور الشريف، ويصنفه النقاد علي أنه سيرة ذاتية، ولكن المتأمل الحقيقي لأحداث الفيلم سيدرك أنها سيرة وطن يناضل بالكلمة أو الصورة ليكون جزاؤه في النهاية الاغتيال، والفيلم يحكي عن ناجي العلي رسام الكاريكاتير الأشهر، ومبدع شخصية حنظلة، وعن نضاله بفنه ضد الصهيونية بأسلحتها، وكيف للرسمة أن ترهب جيشاً بأكمله فيلجأ إلي قتل صاحبها. قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعامين تقريبًا ظهر علي الساحة السينمائية ما عرف باسم سينما الشباب، ويعتبر مدحت العدل والمخرج سعيد حامد، وقد كان فيلم »صعيدي في الجامعة الأمريكية» تدشيناً لمرحلة سينمائية جديدة تعبر عن الشباب ووعيهم بالقضايا، والفيلم من بطولة هنيدي ونخبة من الشباب. بعد ثلاثة أعوام يكتب مدحت العدل فيلم »أصحاب ولا بزنس» ويخرجه علي إدريس، وهو من بطولة مصطفي قمر وهاني سلامة، ويحكي الفيلم عن صديقين يتنافسان علي إعلان لشركة ملابس، كريم وطارق، ويفوز طارق بالإعلان في حين تجبر المحطة كريم علي أن يسافر إلي فلسطين لتغطية أحداث الانتفاضة 2005، تم تقديم القضية في شكل مبتذل للغاية من خلال فيلم »السفارة في العمارة» الذي أخرجه عمرو عرفة وكتبه يوسف معاطي، بطولة عادل إمام وداليا البحيري، وقد تفنن الكاتب يوسف معاطي في جعل القضية تافهة، هكذا اسمها بالكامل لنكتشف معه أن اليساري المصري ما هو غير كراكتر أجوف وقذر ومنحل، هذا ما أبرزته عائلة داليا! ولإعجابه بداليا يقرر أن يناضل ويرفع قضية لطرد السفارة من العمارة.