مع مطلع كل صباح.. في ليبيا يأتي الآلاف من المهاجرين الأفارقة وغيرهم إلي السواحل والمدن الليبية، ويخرج آلاف آخرون منهم من ليبيا، بحثا عن أمل ضائع في أوطانهم الأم هناك في أرض الأحلام "أوروبا"، مستقلين قارباً متهالكاً قد ينجح كل من فيه في الوصول للساحل الأوروبي، وقد يتوه منه الأغلبية بين قتيل وجريح، وقد يعود نفس القارب وهو يجر "ذيول الخيبة" مرة أخري للساحل الليبي، لعل وعسي في المرة القادمة، كل تلك صور اعتاد عليها العالم كله لما يحدث في ليبيا، ولكن الجديد القديم هذه المرة، هو أن يتم استغلال هؤلاء المهاجرين وأغلبهم من الأفارقة في واحدة من أقدم طرق التجارة في العالم وهي تجارة الرقيق، وأن يستغل المال من تلك التجارة في تمويل الأنشطة الإرهابية من خلالها وفي شراء الأسلحة والاتجار بالمخدرات؟ والقصة ثارت مؤخراً عن طريق تقرير مصور بثته شبكة ال»NN الإخبارية الأميركية، وفيه كشفت عن أسواق لبيع وشراء المهاجرين غير الشرعيين، من الذين فشلوا في الوصول إلي أوروبا، كعمال أو مزارعين في مزاد علني ومن خلال 9 أسواق للعبيد رصدتها الشبكة في عدة مدن ليبية منها: صبراتة وزوارة وغدامس وسبها.. وقالت الشبكة في تقريرها المصور إن ليبيا في ذلك عادت لحقبة العصور الوسطي رغم نفي السلطات هناك لصحة هذه المعلومات، واعتبرتها ادعاءات غير بريئة، وتهدف في النهاية إلي إضفاء الشرعية علي توطين هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين في المناطق الليبية.. وفي الوقت ذاته.. خرجت تصريحات ليبية مضادة تؤكد أن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين في نظر القانون، ارتكبوا مخالفة علي الأراضي الليبية، دون وجه حق ودون الدخول بطرق شرعية؟ وأن الدولة الليبية هي التي تتحمل الأعباء المالية والمعنوية والصحية لرعايتهم وإنقاذهم في البر والبحر، بل واستضافتهم وإيوائهم فوق أراضيها لحين عودتهم بإرادتهم لبلدانهم الأصلية.. وقالت المصادر الليبية التي خرجت من جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية التابع لحكومة الوفاق في طرابلس، إنه لولا وجود هؤلاء المهاجرين وأغلبهم من الأفارقة، لما كانت هناك فرصة للمهربين والسماسرة، ولما كانت هناك ظاهرة الاتجار بهم بالبيع أو الشراء أصلا.. والقصة ليست بهذه البساطة.. ليبياً أو دولياً.. ففي أبريل الماضي.. قالت المنظمة الدولية للهجرة، إنه يتم الاتجار في أعداد متزايدة من المهاجرين الأفارقة، الذين يمرون عبر ليبيا فيما يطلق عليه "أسواق العبيد"، وقيل إنه يتم احتجازهم مقابل فدية ويتم إكراههم علي العمل دون أجر أو يتم استغلالهم جنسياً.. وأن الوضع فوق الأراضي الليبية يؤكد وجود تلك الأسواق، حيث يباع المهاجر بما بين 200 و500 دولار للحصول علي خدماته واستغلاله، وبعد أن يتم شراؤه يصبح صاحبه مسؤولا عنه بالكامل، وبعض من يتم بيعهم يهربون وآخرون منهم يبقون قيد الاستعباد. تقرير المنظمة أكد أيضاً قبل تقرير ال»NN بنحو 7 شهور كاملة، أن موظفي المنظمة في كل من ليبيا وعدة دول إفريقية أبرزها: النيجر، تمكنوا من جمع شهادات لمهاجرين غير شرعيين عن وجود تلك الأسواق فعلا، حيث يتم فيها شراء وبيع المئات من الرجال والنساء في ساحات عامة أو مستودعات وعلي الملأ وهم يفترشون الأرض.. ومن بين تلك الساحات رصد تقرير المنظمة، جراچات وساحات في مدينة سبها الليبية في الجنوب، حيث يدير تلك الأسواق "ليبيون" ومعهم بعض الأفارقة من غاناونيجيريا يعملون لحسابهم.. وبعد البيع يتم اقتياد من تم شراؤهم لمناطق احتجاز أشبه ب"السجون"، حيث يتم تعذيب بعضهم أو يطالبون بدفع فدية للإفراج عنهم، وبعض المهاجرات غير الشرعيات يتحولن بعد بيعهن ل"جوارٍ" حسب تقرير المنظمة. ومعظم من يتم استعبادهم.. يعملون في البناء والزراعة كعمالة يومية، وبعضهم يتقاضي أجرا مقابل عمله، وبعضهم الآخر يتم إكراهه علي العمل دون أجر.. والوضع كما رصدته المنظمة كارثي للغاية وخاصة في ليبيا، التي تعد البوابة الرئيسية للمهاجرين غير الشرعيين إلي أوروبا بحراً.. وحسب منظمة الهجرة الدولية في چينيف السويسرية، فإن هناك نحو 150 ألفا من المهاجرين غير الشرعيين قد سلكوا هذه الطريق أي من ليبيا لأوروبا بحراً فقط خلال ال3 سنوات الماضية، منهم نحو 27 ألفا عبروا البحر فعلا وتمكنوا من الوصول سالمين لإيطاليا وحدها، مقابل نحو 600 منهم حسب المنظمة.. قتلوا وهم في طريقهم بحراً لأوروبا، مضافا إليهم عدد غير معروف بالضبط، قتل أثناء سفره من الجنوب للشمال الليبي عبر الصحراء وصولاً للبحر المتوسط. وهنا ترصد إذاعة DW الألمانية قصصا مروعة عن مهاجرين غير شرعيين، أصبحوا عبيدا بالفعل داخل ليبيا، منهم من تم إجباره علي العمل دون أجر، أو دفع الفدية لاطلاق سراحه بعد سجنه وتعذيبه وهؤلاء حسب الإذاعة.. جاءوا من مناطق متفرقة من القارة السمراء، من المغرب وجامبيا إلي مالي والسنغال والكاميرون، وعبر صحراء شاسعة للوصول لحلم الهجرة للقارة العجوز، ومن خلال شبكة عنقودية من المتاجرين بالبشر والهجرة غير الشرعية عبر الصحراء الكبري الإفريقية، ومن طرق شبه مستحيلة تبدأ من نيجيريا ثم النيجر ثم جنوبالجزائر وحتي الوصول إلي ليبيا جنوباً، قبل بدء رحلة طويلة وشاقة للوصول للساحل الليبي إلي البحر المتوسط شمالا وعبر آلاف الكيلومترات. والمشكلة تتفاقم كل يوم.. أكثر والسبب هو استمرار المعارك في ليبيا، وسيطرة الميليشيات علي مقدرات الأمور فيها، ووجود حكومتين وبرلمان في كل من شرق وغرب ليبيا، إضافة لميليشيات خارجة تماما عن سيطرة الدولة في وسط وجنوب البلاد، ومنها عدة قبائل تسيطر سيطرة شبه كاملة علي مناطقها الخاضعة لها بأسلحتها والميليشيات التابعة لها.. ومع كل هؤلاء الجماعات المتطرفة وعلي رأسها داعش والتي توفر التمويل اللازم لعملياتها الإرهابية عبر 3 مصادر رئيسية تجارة السلاح وتجارة المخدرات.. والاتجار بالبشر.