أساءت التأمينات التصرف مع الأديب الكبير وديع فلسطين (95 عاماً)، حينما ذهب لصرف معاشه المتوقف، حيث طلب منه الموظف الصعود للدور الثالث ورفض النزول إليه في الدور الأرضي، لإثبات بقائه علي قيد الحياة وصرف المعاش له! كان لابد من الوقوف أمام هذه القضية، حيث إن هناك آلاف الأصوات من أصحاب المعاشات لا يسمعها أحد تقف عاجزة أمام قوانين عفّي عليها الزمن، وهناك آلاف من أرباب المعاشات فوق سن الثمانين يترددون في مضض علي مكاتب صرف المعاشات تجرهم العكازات والأمراض ويقفون في طوابير طويلة، وفي النهاية يجدون أنفسهم أمام قوانين تجبرهم علي إثبات أنهم لا يزالون أحياءً ليتمكنوا من صرف المعاش! لم يجد وديع فلسطين وهو كاتب من جيل الأربعينيات يبلغ من العمر 95 عاماً، وأصدقاؤه سوي مواقع التواصل الاجتماعي لعرض مشكلتهم، حيث قال فلسطين: فوجئت بتوقف المعاش، وذهبت إلي أماكن كثيرة ولم أجد الحل وظل أصدقائي وتلاميذي يعرضون مشكلتي علي مواقع التواصل، وما حدث معي عندما ذهبت إلي الوزارة وطلب مني موظف التأمينات الذهاب إلي الدور الثالث لإثبات أنني مازلت علي قيد الحياة لأتمكن من استعادة المعاش مرة أخري، لكن عندما علمت وزيرة التضامن الاجتماعي بالأمر حلت المشكلة وأرسلت لي مندوبين من الوزارة يعتذرون لي عما بدر من الموظف. فيما قالت غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي إنه عند مراجعة الجهاز المركزي للمحاسبات أعمال التأمينات اختار الجهاز عشوائيا 10 أسماء تخطت أعمارهم 95 عاماً للتأكد من أنهم مازالوا علي قيد الحياة، إلا أنها وسيلة قديمة لجأ لها الموظف، تم إلغاؤها منذ عام. وأوضحت أن هناك ربطا إلكترونيا مع مكاتب الصحة يغني عن تردد كبار السن علي المكاتب لإثبات أنهم علي قيد الحياة، وفور إصدار شهادة الوفاة يتم تحديث بيانات صاحب المعاش في التأمينات، ولذلك فإن الموظف لجأ لوسيلة تم إلغاؤها. وما بين الواقع والمفروض وما يعانيه أصحاب المعاشات يفاجأ أصحاب المعاشات بين الحين والآخر بتوقف المعاش والحل يكون "كعب داير" ليتمكنوا من استرجاعه مجدداً، بالإضافة إلي أن هناك بعض الشخصيات بمراكزهم القيادية يصرون علي التعامل بأساليب قديمة، لا تتناسب مع أصحاب المعاشات الذين تجاوزت أعمارهم ال 60 وأكثر، وهم في حاجة إلي التقدير وليس الإهانة، بالإضافة إلي تكدسهم في الطوابير علي مكاتب صرف المعاشات. يقول بدري مكي (من أصحاب المعاشات): اليوم الذي أذهب فيه لصرف المعاش هم ثقيل علي قلبي، فلابد من النزول مبكراً جدا حتي ألحق مكانا متقدما بالطابور. نسير علي هذا المنوال أيضاً في التأمينات وعند صرف العلاج وبالطبع نحن جميعاً تجاوزنا الستين ولدينا أمراض كثيرة، فأنا مريض ضغط وقلب وسكر، أما خدمة توصيل المعاش إلي المنازل فلم أسمع عنها من قبل وأعتقد أن الجميع مثلي، وإلا لم نشهد هذا الزحام كل شهر أثناء صرف المعاش. ويشير إبراهيم أحمد (تجاوز السبعين من عمره) إلي عدم قدرته علي المشي بصورة طبيعية سوي بالعكاز ورغم ذلك فهو مضطر للذهاب كل شهر لصرف المعاش الذي يمثل بالنسبة له مصدر الدخل الوحيد، ويقول: أضطر للذهاب شهرياً بنفسي لصرف المعاش وأتحمل المشاجرات والمعاملة غير الآدمية من الموظفين، كما أننا نجد موظفا واحدا علي شباك واحد يتعامل معنا رغم أن عددنا كبير، لذا نرجو أن ينتبه لنا أحد وأن يتم تخصيص أكثر من موظف أيام صرف المعاشات للتعامل مع مستحقي المعاشات حتي لا نضطر للوقوف بالساعات ونحن في أمس الحاجة للراحة بعد تعب السنين. أما سعيد العجاتي (يتجاوز عمره 85 عاماً) فقد تم إيقاف معاشه أكثر من مرة، وكان لابد من التردد علي المكاتب ليعلم أين ذهب المعاش! يقول: فوجئت عند صرف المعاش آخر مرة بتوقف المعاش دون إخطاري بالسبب، ولم أستطع إرجاعه مرة أخري، إلا بعد عدد من المشاوير لا حصر لها، لأسترجع في النهاية معاشا لا يكفي لآخر الشهر. من جانبه، أوضح سامي عبدالهادي رئيس الصندوق العام والخاص للتأمين الاجتماعي أن الوزارة فيما حدث مع الكاتب وديع فلسطين وعدته بصرف المعاش له وتوصيله إلي منزله مطلع كل شهر ليتجنب مشقة الذهاب بنفسه، مؤكدا أن هناك نظاما متبعا بتوصيل المعاش للمنزل لكل صاحب معاش يطلب ذلك، مشيرا إلي أنه لا أحد مسموحاً له بالتجاوز مع أصحاب المعاشات، وأن ما حدث مع الكاتب الكبير يعتبر تصرفا فرديا وغير مقصود رغم أن القوانين معلومة للجميع ولا خلاف عليها، مؤكداً أن ما حدث لا يمكن أن يتكرر. فيما يقول البدري فرغلي رئيس اتحاد أصحاب المعاشات: نحن نعاني ونبكي ونصرخ من هول ما نلقاه، فأصحاب المعاشات يذهبون بالملايين ليناموا أمام منافذ صرف المعاشات حتي يتمكنوا من صرف معاشاتهم، فيتحمل كبار السن والمشايخ المهانة والذل أوقاتا في البرد الشديد أو تحت أشعة الشمس، رغم أنهم في نهاية حياتهم ولابد من تكريمهم، فلا أحد يراعي ظروفهم الصحية أو الاجتماعية فكل ذلك يحدث وسط تجاهل تام من المسئولين. وأكد "فرغلي" ضياع حقوق أصحاب المعاشات، فلا عجب من أن يتم انتهاك حقهم في توصيل المعاش لهم فكل ذلك مجرد كلام علي ورق بالإضافة إلي أننا لا نجد معاملة حسنة من موظفي المكاتب، مشيراً إلي أن أصحاب المعاشات دائما سيظلون يطالبون بحقوقهم، ونحن لنا حق أن نكرم بعد هذا العمر، كما أننا في حاجة إلي حقائق فعلية وليس مجرد كلام في تصريحات إعلامية، فهناك آلاف من أصحاب المعاشات أعمارهم لا تؤهلهم للوقوف بالساعات من أجل الحصول علي معاش لا يكفي قوت يومه، أو أن يذهب لإثبات أنه مازال علي قيد الحياة من أجل خطأ من موظف غير مقصود. من جانبه يعلق سعيد الصباغ رئيس النقابة العامة للمعاشات علي أن مستحقي المعاشات من المفترض أنهم وصلوا إلي مرحلة من العمر أصبحوا فيها غير قادرين علي الاعتماد علي أنفسهم فمنهم المصابون بالأمراض، ومنهم غير القادر علي الحركة بصورة طبيعية خاصة من تتجاوز أعمارهم ال 80، ولذلك فإن التأمينات ملزمة بتوصيل المعاش لمستحقيها بناء علي طلب من صاحب المعاش ولكن هناك بعض المكاتب التي تحترم هذا الكلام وتنفذه، وتحترم أصحاب المعاش وتتفنن في تقديم الاحترام والتقدير لهم، وهناك مكاتب العكس تماماً حيث تتعامل مع أصحاب المعاش بدونية شديدة وبتصرفات غير مسئولة من أشخاص من المفترض أنهم مسئولون وفي مراكز قيادية لابد أن تراعي مصالح الناس. يتابع: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، ولذلك من السهل علي الموظف أن يأخذ قرارا بقطع معاش أي شخص دون أن يسأل نفسه كيف سيعيش هذا الشخص من غير المعاش الذي يعتمد عليه للأكل والشرب، فلو يعلم كل موظف أنه سيوجد من يحاسبه علي فعلته سيفكر ألف مرة قبل استخدام قوانين قديمة لتعذيب المواطن، فالكاتب وديع فلسطين وجد من يعتذر منه ويحل مشكلته، لكن من سيحل مشكلات الآلاف من أصحاب المعاشات، فما يتعرض له أصحاب المعاشات يعتبر تصرفات غير إنسانية، بداية من التعدي علي أموال الصناديق إلي التعامل معهم بطرق غير مناسبة مع أعمارهم. يضيف: الحكومة في التعامل مع المواطن يوجد مندوب كل شهر من مصلحة المياه أو الكهرباء يذهب إلي المنازل ويحصِّل الفواتير، كذلك هناك تجارب أخري استحدثت كذهاب موظف من الشهر العقاري إلي المنازل لعمل توكيل من شخص لآخر في حالة عدم قدرة الشخص علي الذهاب بنفسه، إذاً لماذا لم يذهب مندوب لمستحقي المعاش إلي منزله لتوصيل المعاش له، فصاحب المعاش اشترك في نظام التأمينات وظل يدفع لسنوات طويلة، لذلك لابد من احترامه والتعامل معه بآدمية وأي شخص يحاول استخدام التعنت معه يحاسب ويكون عبرة لغيره، فلابد من أن تشرِّع الدولة قوانين تجرِّم مثل هذه الأفعال مع أصحاب المعاشات لأنه إذا علم كل مسئول في موقعه أنه توجد قوانين لابد أن تطبق وسيحاسب كل من يخالفها، مؤكداً علي وجوب احترام أصحاب المعاشات والحفاظ علي كرامتهم.