داخل حفرة تؤدي إلي بالوعة مجاري كانت نهاية الديكتاتور العقيد، حفرة لاتختلف كثيرا عن الأخري في الأراضي العراقية التي اختبأ داخلها صدام، المفارقة المؤلمة أن الحناجر التي كانت تهتف لهما ولغيرهما من الطغاة وتردد شعارات مثل بالروح والدم، هي نفسها التي تلعن هؤلاء الطغاة، الذين لم يقدموا لشعوبهم طوال سنوات حكمهم سوي الفقر والتخلف والمرض والقهر، كيف تحول هذا الرجل الضعيف الذي يستعطف الثوار لعدم قتله، ويصرخ في المحيطين به للتوقف عن إطلاق النيران إلي ديكتاتور؟ أين ذهبت شجاعته وكلماته وخطاباته الحماسية التي تدعو لمطاردة الجرذان دار دار وزنقة زنقة، كيف يطلب الرحمة ممن كان يقول عنهم عملاء ومرتزقة وخونة، ويطاردهم بطائراته وكتائبه وصواريخه، ألم يشعر لحظة واحده بتأنيب الضمير وهو يقتل بلا رحمة شعبه الأعزل، اللحظات القليلة التي تم تسجيلها للطاغية قبل قتله تصور حجم البؤس والضعف والهوان لرجل أصبح ديكتاتورا أعتقد أن هذه لحظة الصدق الوحيدة التي عاشها طوال حياته، وهو يواجه الموت وحيدا، بعد هروب كتائبه والمرتزقة الذين كانوا يحلمون بعودة عقارب الساعة للوراء، من الذي جعل منه طاغية؟ ومن يضمن عدم ظهور طغاة آخرين علي شاكلة بن علي ومبارك وصدام والقذافي وبشار وعلي صالح، ولماذا ينفرد عالمنا العربي بإنتاج هؤلاء الطغاة، الذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار والعصا والجزرة، ويوظفون الدين أيضا لاستمرار التربع علي السلطة، لا أحد يضمن عدم إنتاج مثل هؤلاء الطغاة، سوي أن يسترد العرب أصواتهم وحقوقهم، ولا يسلمون عقولهم لشخص أو فئة أو جماعة، ويصنعون دساتير تنص علي التبادل الديمقراطي للسلطة، وتحديد سلطات الرئيس، والتوازن بين جميع السلطات وآليات للمراجعة والمحاسبة ، وفتح نوافذ حرية التعبير وحماية حقوق الإنسان ، القذافي وبقية الطغاة مكانهم الطبيعي مزبلة التاريخ، لكن الأهم في هذه اللحظة الفارقة في التاريخ العربي ، أن يصنع الربيع العربي مناخا سياسيا وأجتماعيا مضادا لظهور الطغاة الجدد، وإلا فإن العرب في انتظار خمسين عاما أخري، تتعذب خلالها الأجيال القادمة بطغاة يحكمون بالحديد والنار، لحين تشييعهم لمزبلة التاريخ ،لعبة طويلة ومتكررة ، عاشتها الشعوب العربية مئات السنين، هل حانت لحظة الميلاد، أم أن الحلم مازال أمامه الكثير.