الأمين العام المساعد للدعوة الشيخ سعيد عامر، رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا، بضرورة تشكيل لجان رسمية للإشراف علي الفتاوي في المنابر الإعلامية من أجل منع الأصوات المتشددة من الظهور التي تفتي دون علم، وشدد في حوار ل "دين ودنيا"، علي أن الفتوي علم شريف لا يقوم به إلا أهل الاختصاص الذين تربوا علي منهج الأزهر، محذرا من أن بعض الفتاوي المتشددة أساءت إلي الإسلام ذاته، وفيما يلي نص الحوار: • كيف تتم آلية استخراج الفتوي في الأزهر الشريف؟ - للإفتاء مكانة عظيمة، ومنزلة كبيرة تجليها نصوص الشرع الشريفة، إذ قال تعالي: "وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ" (النساء: 127)، وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يتولي هذا المنصب الشريف في حياته، حيثما كلفه الحق تبارك وتعالي بقوله: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (النحل: 44)، فالإفتاء هو بيان أحكام الله تعالي وتطبيقها علي أفعال الناس، وبيان حكم الله تعالي ممن يعرف الحكم بدليله الشرعي، وعليه فالفتوي لا تكون إلا من العلماء وأهل الاختصاص الذين درسوا علوم الشرع وتخصصوا فيه من علماء الأزهر الشريف، والمجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء. والمفتي مخبر عن الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، ولذا كان حتما أن يتوفر فيه شروط وصفات وآداب، وهذه الشروط منها ما يتعلق بشخصه، ومنها ما يتعلق بالإمكانيات العلمية ومن هذه الشروط: المعرفة العميقة بالكتاب والسنة وبالفقه وأصوله وباللغة العربية وأساليبها وتراكيبها، والمعرفة بأحوال الناس وأعرافهم، والبحث عن الدليل قبل الخوض في الأقيسة وإمعان النظر فيه. إلي غير ذلك من الشروط التي لا تتوافر إلا في علماء الأزهر الشريف الذين تخصصوا في علوم الشريعة وعليه لا يجوز ولا يحق لأي إنسان أن يفتي في أمور الدين، وفي الحديث: "ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العيي السؤال"، وقال الله تعالي: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل: 43). • لكن البعض يلجأ الي التشدد في إصدار الفتوي؟ - من المعلوم أن الشريعة الإسلامية قائمة علي رعاية مصالح العباد في العاجل والآجل، وبعض هذه المصالح يرجع إلي أفراد الأمة، بحيث يدرك كل إنسان مصلحته الخاصة، وإذا أشكل عليه أمر يمكن أن يستفتي من لديه الأهلية للإفتاء من أهل التخصص بعيدا عن التيارات المتشددة، وعلي الفقيه أن يكون عالما بمقاصد الأحكام الشرعية، وأنها رحمة بالعباد، ورعاية لمصالحهم بمراتبها الثلاثة: الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات، كما اقتضت رفع الحرج ومنع الضيق، وتخير اليسر، لقوله تعالي: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة: 185)، فعلي العلماء أن ييسروا، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يحب التيسير والتخفيف علي الناس في جميع الأمور. • كيف نواجه الفتاوي المتشددة؟ - بداية لا يسمح بالإفتاء إلا لمن شهد له العلماء الموثوق بهم ودور الإفتاء الرسمية بأنه أهل لذلك، لكننا ابتلينا بظهور من يدعون الانتساب إلي العلم الشرعي، يفتون الناس بغير علم فتضاربت الفتاوي، وتصدر للإفتاء من ليس أهلا له، ويتعمد أن يسلط عليه الأضواء، وهو أجهل ما يكون بأحكام الوضوء أصلا، وهذه الفتاوي تسيء إلي سمعة الإسلام وأهله، وتلبس علي الناس أمر دينهم: أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. لذا يجب أن تكون هناك لجان رسمية شرعية للإشراف علي الفتاوي في المنابر الإعلامية ووضع الضوابط والقوانين الحاكمة للإفتاء، حتي يمكن التصدي للفتاوي الشاذة والرد عليها والحفاظ علي الوسطية والاعتدال، ومراعاة التيسير. • البعض يلجأ إلي تكفير معارضيه، هل هناك ضوابط لهذا الأمر الأخير؟ - لا يجوز تكفير المسلم إلا بإتيانه ناقضا من نواقض الإسلام لا يقبل تأويلا، وعلي المفتي أن يرتكز علي صفة الوسطية، ولا يتجاوز حدود الشرع والدين في حكمه علي الناس، وعلي المسلمين ألا يغلوا في الحكم علي الناس بالكفر، فلا يجوز للمسلم أن يكفر من يشاء ويؤسلم من شاء، ويهدر بالتالي دم من شاء ويعصم دم من شاء، وفقا لهواه أو نتيجة لشبهة يمكن دفعها. وفي الحديث: "من رمي مؤمنا بكفر فهو كقتله"، وفي رواية: "ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله"، وعلي العلماء الذين أفنوا أعمارهم في طلب العلم الشرعي وتحصيله من منابعه الأصلية، وعلي ولاة الأمور تقديم المفتين المتخصصين في الفتوي والأحكام، ومنع الجهلة غير المؤهلين. • التبني من الأمور التي يتكرر فيها طلب الفتوي، فما هو رأي الدين؟ - لقد كرم الإسلام الإنسان أيما تكريم قال تعالي: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (الإسراء: 70)، لقد أعلن الرسول صلي الله عليه وسلم وحقق عمليا إنسانية الإنسان ووحدة الإنسان وكرامة الإنسان، الرجل إنسان والمرأة إنسان والعبد إنسان والخادمة إنسان والناس كلهم سواء في هذه الإنسانية، فالجميع أصلهم واحد، وكان للإسلام فضل الأسبقية في تقرير مبدأ الشخصية فالتبني يراد به أحد معنيين الأول: أن يضم الإنسان إليه ولدا، يعرف أنه ابن غيره وينسبه إلي نفسه نسبا نسبة الابن الصحيح، وتثبت له جميع حقوقه. والثاني: عمل خيري إذا دعت إليه عاطفة كريمة كحماية المتبني من الضياع لموت والديه أو غيابهما أو فقدهما، أو لإشباع غريزة الأبوة والأمومة عند الحرمان منها، ولا مانع منه شرعا بل مندوب إليه من باب الرحمة والتعاون علي الخير. أما الأول فقد كان معروفا في الشرائع الوضعية قبل الإسلام كما عرفه العرب قبل الإسلام، وظل معترفا به في الإسلام، حتي نزل قول الله تعالي "وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ"(الأحزاب: 4-5)، ومن هنا كان التبني بمعني استلحاق شخص معروف النسب أو مجهول النسب ونسبته إلي ملحقه مع التصريح من هذا الأخير بأن يتخذه ولدا حال أنه ليس بولده حقيقة، فالتبني بهذا المعني أمر محرم في الإسلام بالنص القاطع لأن الإسلام حريص في تشريعه علي أن يكون الطفل الإنسان نتيجة صلة مشروعة هي عقد الزواج بين الرجل والمرأة، وكان من القواعد التشريعية في هذا الصدد قول الرسول صلي الله عليه وسلم "الولد للفراش". والدولة تقوم برعاية الأطفال المولودين دون عقد زواج "اللقطاء" وتلحقهم بأسر بديلة تتكفل بتربيتهم حتي ينشأوا نشأة أسرية لأن هؤلاء لابد من رعايتهم، لأنهم برآء لا ذنب لهم، فإهمالهم ظلمٌ الله قد حرمه ، ولأنه يعرضهم للهلاك بالموت أو الفساد بالتشرد، وذلك ينهي عنه الدين، وقد تكون منهم شخصيات تفيد الإنسانية، وأمر الإسلام بأخذهم وقرر الفقهاء أن التقاطهم واجب وجوبا عينيا إن وجد اللقيط في مكان يغلب علي الظن هلاكه فيه لو ترك. وأرشد الإسلام إلي أهمية تعليم اللقيط، التعليم الذي يكفل له الحياة الكريمة، وإذا كبر اللقيط، كان له الحق الكامل في أن يحيا حياة كريمة، وتثبت له جميع الحقوق التي أثبتتها الشريعة الإسلامية للإنسان، وإذا كان الإسلام قد ألغي نظام التبني، حفاظا علي الأنساب من أن يدعي فيها ما ليس منها، فإنه في المقابل فتح الباب علي مصراعيه لكفالة اليتيم وكفالة اللقيط ويمكن لليتيم أو اللقيط أن يقيم مع أسرة تتعهده وتربيه، بشرط أن يقيم معها وهو يعلم أن هذا ليس أباه، وهذه ليست أمه، مع المحافظة علي الآداب الشرعية، إذا كبر اللقيط وأصبح مميزا.