انتهت منذ أيام أكبر قضية سيريالية أكثر سيريالية من كل لوحات السيريالي سلفادور دالي وشغلت عالم الفن لمدة عامين بل هزت عالم الفن لمدة عامين .. ومنذ أسبوعين انشغلت كبري الصحف حول العالم ومنها "ذي نيويورك تايمز" الأمريكية و"ذي جارديان" البريطانية بقصة مطوّلة عن الشارب الشهير كأيقونة لسلفادور دالي أحد أهم فناني القرن العشرين بما حدث بعد فتح مقبرته لاستخراج الحمض النووي لإثبات أن امرأة تعمل كقارئة حظ ادعت أنها ابنته ووجدوا جثمانه في حالة جيدة وشاربه في حالة سليمة مذهلة .. ولم يمض أسبوع حتي اشتعلت صحف العالم ظهر الخميس 7 سبتمبر مرة أخري تزف خبرا أراح الكثيرين من محبي أشهر وأهم سيريالي عالمي بأن نتيجة فحص الحمض النووي له ليست في صالح المدعية "ماريا بيلار آبيل" ونقلت جريدتا النيويورك تايمز والجارديان علي الفور عن مؤسسة "جالا - ودالي" للفنون التي تدير ممتلكات الفنان ومقتنياته تصريحها: "أن نتائج تحاليل الحمض النووي لسلفادور دالي أثبتت أنه لا علاقة بيولوجية بينه وبين المرأة المسماة "ماريا" المدعية أنها ابنته، وأكد علي عدم بنوته لها وأنها لا تمت له بصلة، وأن التقرير الذي تقدم به المعهد الوطني لعلوم السموم والطب الشرعي إلي المحكمة الأسبانية أثبت أن دالي ليس الأب البيولوجي للمدعية وأن النتيجة لم تشكل مفاجأة لمؤسسة دالي وأن النتيجة أسعدتها" .. أما محامو ماريا فأعلنوا أنهم لم يتسلموا بعد نتائج الفحوصات .. وفي المقابل صرحت "ماريا" الابنة المدعية "يمكنهم قول ما يريدون .. لن أختبئ .. وحتي حين تسلم نتيجة التحاليل رسمياً إن كانت إيجابية سأعقد مؤتمراً صحفياً لأشرح النتيجة .. وإن كانت النتيجة سلبية فلن تغير شيئا من هويتي الحالية" .. القصة بدأت وهزت أوساط الفن التشكيلي حول العالم حين تقدمت امرأة تدعي أنها ابنة سلفادور دالي نتيجة علاقة غير شرعية حدثت أواخر الخمسينيات مع والدتها .. وتقدمت الأسبانية "ماريا بيلار آبيل" عام 2015 البالغة من العمر 61 عاما وتعمل عرّافة تقرأ أوراق الحظ بدعوي قضائية ضد الحكومة الأسبانية ومؤسسة "جالا - سلفادور دالي" الفنية لإثبات نسبها كابنة غير شرعية إلي الفنان السيريالي العالمي "سلفادور دالي" (1904 – 1989) الذي توفي في أسبانيا عن 85 عاما متأثراً بأزمة قلبية ودُفن في مدينة فيجوريس مسقط رأسه أسفل المسرح والمتحف الذي صممه في إقليم كاتالونيا شمال شرق أسبانيا .. وبعد حوالي عام ونصف من تقديم الدعوي وفي قرار مفاجئ في 26 يوليو 2017 بت قاضٍ أسباني في أمر تحديد نسب الابنة المحتملة لدالي وأمر باستخرج جثة السيريالي العالمي لإجراء اختبارات الحمض النووي لتسوية دعوي الأبوة التي رفعتها ماريا بسبب عدم وجود بقايا بيولوجية أو أشياء شخصية يمكن استخدامها في اختبار أبوته لماريا بيلار الابنة لخادمة كانت تعمل لعائلة في منطقة كاديكويس بجوار منزل كان يملكه دالي في منتصف خمسينيات القرن الماضي تحديدا عام 1955، وكان بينها وبين دالي علاقة غرامية .. وأنجبت ابنتها ماريا عام 1956.. وكان دالي وقتذاك متزوجاً من حبيبته وملهمته جالا التي لم ينجب منها أي أطفال .. وأصرت "ماريا" علي بنوتها لسلفادور ويبدو أن الدليل الوحيد لديها الذي صرحت به للصحافة أن والدتها قالت لها في مناسبات عديدة وأمام أشخاص مختلفين أن "دالي" هو والدها .. وبالتالي تدعي "ماريا" أنها تحمل ملامح سلفادور والدها .. وقد ذكرت صحيفة "الموندو" الأسبانية: "أن الفارق بينهما هو الشارب" .. تسعي ماريا منذ 2015 للاعتراف القانوني بأنها ابنة الفنان العالمي واستخدام لقبه مما يعطيها الحق في جزء كبير من ممتلكاته التي قد تبلغ أكثر من 400 مليون يورو وأيضاً لما سيعود عليها من عائد ضخم عن حقوق لوحاته وأعماله الفنية التي ورثتها الدولة الأسبانية ومؤسسة "جالا سلفادور دالي" .. وحينها صرح محامي ماريا بأنه من المتوقع استخراج رفات دالي في بدايات شهر يوليو بعد 28عاما علي وفاته .. أما مؤسسة دالي الفنية التي تدير ممتلكاته فصرح مستشارها القانوني بأنه سوف يستأنف ضد هذا الحكم باستخراج رفات دالي وذلك خلال أيام .. وفي الشهر الماضي أعلنت مؤسسة "جالا - سلفادور دالي" للفنون أن خبراء الطب الشرعي أخذوا بالفعل عينات من شعر وأظافر وعظام جثمان سلفادور دالي لإجراء اختبار النسب وهذه الخطوة أثارت استياء المؤسسة .. وقالت عمدة فيجيراس "مارتا فيليب" التي كانت حاضرة استخراج الجثمان في مسرح ومتحف "دالي" في المدينة الكتالونية أن جثمان "دالي" المحنط كان " في حالة جيدة"، واكتشف خبراء الطب الشرعي حالة مُذهلة وهو وجود شارب "دالي" الشهير الذي ظل لعقود كعلامة تجارية للفنان في حالة سليمة بشكل مُذهل .. وقال لويس بينويلاس أمين عام مؤسسة دالي الفنية تعليقاً علي هذا: "إن هذه المفاجأة شكلت لحظة عاطفية جداً" .. وقال "نارسيس بارداليت" الذي حنّط جثمان دالي: "إنه كان سعيدا جدا لرؤية السمة السيريالية الأكثر شهرة حول العالم لسلفادور وهو شاربه سليماً الذي يُعد معجزة، وبدا مثل عقربي الساعة حينما يُشيران إلي الساعة العاشرة وعشر دقائق كما كان في الماضي وكما كان يحب سلفادور أن تكون هيئة شاربه" .. وأضاف "إنه سلفادور دالي إلي الأبد " .. وكانت ردود فعل استخراج الجثمان عديدة .. فصرح مسئول المؤسسة "إن عملية استخراج الجثمان تمت في خصوصية كاملة ولكنها خلقت وضعاً غير مريح بالنسبة لمن يشعرون بالقرب من دالي" .. وقبل استخراج الجثمان وصف وزير الثقافة الأسباني "منديز دي فيجا" بأن "هذا الإجراء عار ولكنه ضروري مادام أمر به القانون .. ولكن هذا يكسر قلبي" .. ولتنتهي أغرب قصة سيريالية في الواقع وليس عالم دالي صانع السيريالية الفنية كأن كل الأحداث السيريالية تظل تحيط بالفنان حتي بعد حوالي ثلاثة عقود من رحيله .. ولكن الأمر لم ينتهِ لدي محامي مؤسسة جالا- دالي للفنون محذرا بأن مطلب المدعية "ماريا" كان كاذباً ويجب أن تسدد التكاليف الضخمة لاستخراج الجثمان .. يبدو أن الفنان السيريالي غريب الأطوار لايزال يثير الجدل حتي يُفتح قبره ويُبش جسده بشكل سيريالي في قضية نسب كاذبة بعد وفاته .. مثلما كان يُثير بتصرفاته ومظهره وعلاقاته ولوحاته حالات من التصرفات السيريالية لعقود من حياته .. ولتُعيد الآن هذه الدعوي القضائية من ماريا مدعية البنوة عملا سيرياليا في ذاته والأشد سيريالية في حياة أشهر سيريالي عالمي خاصة أن "دالي" كان مُغرما بملهمته وزوجته "جالا" بجنون وبلا حدود ..