سلفيون لكنهم مختلفون، لا يرتدون الجلباب الأبيض ولا يحملون السبحة أو يرفعون المصحف، وإنما هم مجموعة من الشباب المثقف الذي ينشد مجتمعاً مختلفاً لما عايشوه طوال السنوات الماضية، أراد هؤلاء الشباب أن يغيروا الصورة النمطية المترسخة لدي أغلب المواطنين عن السلفيين، فأنشأوا مجموعة علي موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أطلقوا عليها اسم "سلفيو كوستا" نسبة إلي سلسلة المقاهي العالمية "كوستا كافيه" والتي دائماً ما يلتقون فيها، ويؤكد أعضاء الجماعة أنهم حريصون من خلال هذا التجمع علي خلق حالة من الوحدة بين صفوف كافة التيارات السياسية من إسلاميين بمختلف اتجاهاتهم سواء إخوانا أو سلفيين أو صوفية وكذا الأقباط والليبراليون والعلمانيون وغيرهم من التيارات والاتجاهات الأخري، ليثبتوا للجميع أن الاتفاق بين كافة هذه التيارات أمر ممكن للغاية. ويقدم مجموعة شباب "سلفيو كوستا" مجموعة من الأنشطة والخدمات للمواطنين غير القادرين في مختلف الأماكن التي يصلون إليها ومنها تعليم الصغار، ومحو أمية الكبار، وتنظيم قوافل علاجية، وتعليم الشباب وتدريبهم علي العديد من الحرف والمهن التي يمكن أن يعملوا بها، معتمدين في ذلك علي ما يجمعونه من تبرعات نقدية وعينية، ويمارس "سلفيو كوستا" الرياضة مع الليبراليين والشيوعيين كما أنهم أحياناً ما يلتقون مع مختلف الأحزاب والقوي السياسية الأخري. أين ودني وأنشأ هؤلاء السلفيون جروباً لهم علي فيس بوك وأنتجوا فيلمين أحدهم يحمل اسم "أين ودني؟"، والآخر "أين المحل؟"، شاهدهما أكثر من 70 ألف زائر علي موقع اليوتيوب، واستهدفا من خلالهما نقل رسائل تركزت علي ضرورة التعايش السلمي مع الآخر والاستماع لمختلف وجهات النظر دون الحجر علي الآراء المختلفة. وليد مصطفي أحد أعضاء "سلفيو كوستا" يؤكد أن الفكرة من الاسم جاءت بالصدفة، فيقول:"نحن جميعاً نجتمع بصورة شبه دائمة في "كوستا كافيه"، فقررنا أن نطلق علي أنفسنا هذا الاسم". ويوضح أن الفكرة من الجروب تنبع من رغبة المجموعة في إقرار مبدأ التعايش بين الجميع خاصة أن معظم أعضاء الجروب يعمل في شركات دولية وبنوك أجنبية ويتعامل مع مختلف الجنسيات وكافة الأديان، ومن ثم كان كل من في المجموع يفكر في نشر هذا المبدأ داخل المجتمع، وهو التعايش مع الجميع والاستماع للرأي والرأي الآخر. أضاف:"أعتقد أن ذلك أحد المبادئ التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير خاصة أن الجميع يعي جيداً أن النظام السابق كان يضع حدوداً فاصلة وقيودا شديدة بين الأفكار والاتجاهات وكان يخشي من وحدة الصفوف، ويتفنن في خلق الصراعات والنزاعات بين مختلف التيارات الموجودة في المجتمع ويصنع من كل منها فزاعة للآخر. ويري وليد أن السلفيين شأنهم شأن أي فصيل ديني أو سياسي آخر وليس كما يتصوره البعض أو كما أراد أن يصوره النظام السابق للكثيرين بأنه مجموعة من الجاهلين القادمين من العصور الوسطي علي جمال ليقطعوا أذن وألسنة كل من يخالفهم الرأي. وحول شعارهم »إحنا دايماً اللي بنحاسب علي المشاريب« أوضح أنهم أرادوا أن ينقلوا للجميع رسالة بطريقة كوميدية مفادها أنهم أكثر من نالوا الحساب والعقاب والمساءلة في عهد النظام السابق من تعذيب وسجن وما إلي غير ذلك من وسائل للقمع. كما أكد عضو »سلفيو كوستا« أن الانضمام للمجموعة لا يقتصر علي شباب السلفيين فحسب وإنما هو مفتوح للجميع بدليل وجود أشخاص مثل عزت أمين الليبرالي وهو مخرج فيلم "أين ودني"، مشيراً إلي أن لديهم عددا كبيرا من الأعضاء من الليبراليين واليساريين وأيضاً المسيحيين، وجميعهم يؤمن بأن كل الأطياف الموجودة بالمجتمع من حقها التعايش في المجتمع بصورة سلمية بدون تجريح في أحد. وأشار إلي أن الجماعة تضع لنفسها عددا من القوانين التي تشترط علي أي عضو جديد قبولها قبل الانضمام للجماعة ومنها علي سبيل المثال ضرورة عدم التجريح في أحد أو في رموز التيارات الأخري، ومناقشة القضايا والموضوعات بأسلوب هادف وبناء. العلم والعمل كما أكد أن المجموعة تتفق حول تنفيذ مشروعات بعينها وتسعي لتطبيقها، وعلي رأسها مشروعات التعليم والعمل لأنهم يؤمنون أن شعار المرحلة القادمة يجب أن يكون "العلم والعمل"، وكل أنشطة المجموعة تقوم علي تحقيق إنجازات في هذين المجالين، وقال: "كل التيارات الموجودة في المجتمع لديها ثلاث سمات رئيسية هي الاستعلاء في القول، وادعاء الحق المطلق، ورفض الرأي المخالف، وهو ما كنا حريصين علي تفاديه خلال إنشائنا لمجموعة »سلفيو كوستا«. وعن احتمالات مشاركتهم في الانتخابات القادمة أكد أنهم يرفعون شعارا طريفا يقول: "سلفيو كوستا مش بتاع انتخابات .. سلفيو كوستا بيجمع كل الاتجاهات"، في إشارة واضحة إلي أنهم لا يشغلون بالهم بأن يمثلهم أحد في الانتخابات التشريعية القادمة، وأن كل ما يعنيهم هو تجميع أكبر عدد من الشباب الذين يمثلون مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية والدينية ليجتمعوا حول هدف وحلم واحد. ويقول شباب "سلفيو كوستا" في تعريفهم بأنفسهم علي "فيس بوك":"دعوة الأطياف الفكرية المختلفة إلي المجموعة من باب المخالطة والمشاركة والنقاش الحر، ليس من باب السب والتشهير وتغذية العصبية والقبلية، وينبغي علي الجميع مراعاة مشاعر الجميع. الحرية والحوار المفتوح ليسا من أسباب الفرقة وإنما تمرين عملي علي تفعيل سبل وأخلاقيات التعايش". كما تؤكد مجموعة "سلفيو كوستا" أنه لن يسمح بإهانة وتحقير أعضاء المجموعة لبعضهم البعض، كما لن يسمح بتوجيه الخلاف إلي اتهام في الدين أو الوطنية أو في القوة العقلية للمخالف، موضحين أن كسر القاعدة الواحدة عن عمد مرتين متتاليتين يؤدي إلي الطرد من المجموعة. ودعا الشباب جميع السلفيين للاستماع بصورة أفضل للآراء المحيطة وعدم الانفصال عن المجتمع، والانفتاح علي مدارس أخري فقهية موجودة بالواقع المعاصر وعدم حصر الدين في مثال أو اثنين. وقد شارك "سلفيو كوستا" في جمعة الغضب الثانية بالرغم من مقاطعة الجماعة السلفية النزول إلي ميدان التحرير، وجاء ذلك كدليل علي أنهم لا يعتنقون نفس الفكر المتشدد للجماعة السلفية والتأكيد علي مبدأ أنه ليس كل ما يقال يطاع. وكانت إحدي مبادرات "سلفيو كوستا"، هو لعب مباراة في كرة القدم مع مجموعة من الأقباط الذين يساكنونهم الجوار والمسكن، مؤمنين أن الدين تعايش ورحمة، وأن البناء مع الآخر يسبقه هدم ما تبنيه الصورة المشوشة والمغلوطة. ومن التعليقات الطريفة لأحد المستخدمين علي صفحتهم علي "فيس بوك" قال:"بالتوفيق يا شباب..الصفحة هتكبر ان شاء الله..لإني شايفاها مسكت العصاية من النص..أنا تبع المنهج السلفي بس بروح كوستا وبينوس".