تصريح يجابهه آخر، وتهديد يقابله وعيد.. علي مدي الأيام الماضية لم تهدأ حدة التراشق الإعلامي بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية، وبلغت الحرب الكلامية إلي حد إعلان بيونج يانج نيتها ضرب جزيرة جوام الواقعة في المحيط الهادي، التي يوجد بها قاعدة عسكرية أمريكية وعشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين، فضلا عن وصف كوريا الشمالية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمخرف. أما سيد البيت الأبيض فرد قائلاً إن النظام الستاليني سوف يندم أشد الندم إذا ما تجرأ وهاجم بلاده. وصعد ترامب هذا هجومه علي كوريا الشمالية علي خلفية برنامجيها النووي والصاروخي، في ظل تواتر معلومات تفيد بأن بيونج يانج نجحت في إنتاج رأس نووي مصغر. يُنظر إلي »جوام» علي أنها هدف محتمل، باعتبارها تمثل قاعدة عسكرية أمريكية استراتيجية ومنصة لانطلاق قاذفات القنابل النووية التي من شأنها ضرب كوريا الشمالية، وكانت قذيفتان من طراز »بي 1» الأمريكية انطلقتا من جوام إلي شبه الجزيرة الكورية، وتشير التجارب الصاروخية لبيونج يانج إلي أنها تقع ضمن نطاق ترسانة البلاد. وفي حين تستخدم جوام لمواجهة التهديدات من كوريا الشمالية، كثير من المقيمين يقولون إن الوضع الحالي يوحي بمزيد من الخطورة، ويرجع ذلك جزئيًا إلي التقدم في برامج أسلحة كوريا الشمالية، وأيضًا بسبب خطابات الرئيس ترامب. يقول التصور التقليدي إن أي إجراء انتقامي لكوريا الشمالية سيستهدف القوات الجوية الأمريكية والقواعد العسكرية في كوريا الجنوبية، مثل: جونسان وأوسان، فضلًا عن الموانئ الرئيسية في الجنوب لتعطيل وتأخير وصول التعزيزات الأمريكية العسكرية، حتي أن مدينة سول نفسها تقع ضمن نطاق مدفعيات وصواريخ كوريا الشمالية المنتشرة بأعداد كبيرة علي طول الحدود. كما يشير الخبراء إلي أن الأهداف الأكثر احتمالًا لهجوم كوريا الشمالية ستكون العاصمة اليابانيةطوكيو، التي تضم قرابة 35 مليون مواطن في منطقة العاصمة الكبري والقواعد العسكرية المنتشرة حول البلاد. وتجدر الإشارة إلي أن الولاياتالمتحدة لديها حوالي 50 ألف جندي في اليابان في ظل التحالف الذي استمر قرابة عقود بين البلدين، ويتمركز حوالي نصف عدد الجنود في الجزيرة الجنوبية أوكيناوا، في حين ينتشر الباقون في عشرات القواعد الواقعة بالجزر الرئيسية الكبري في اليابان. وحذر الجيش الشمالي بأنه سيحرق كل شيء في المناطق الحدودية للجنوب، من بينها سول، وذلك في اللحظة التي ستشن فيها الولاياتالمتحدة هجومًا استباقيًا، وأن كل النصف الجنوبي من كوريا سيكون هدفًا له. مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية حذرت من التوتر المتزايد بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة، في ظل التهديدات المتبادلة بين الطرفين، وتساءلت ما إذا كان هذا التصعيد سيؤدي لاندلاع حرب نووية بينهما. الباحث والمحلل السياسي باتريك كرونين أجاب علي سؤال المجلة قائلاً إنه ينبغي لواشنطن الاستعداد لمواجهة مستوي جديد من الأزمة الدائمة مع كوريا الشمالية، إذ من المرجح أن بيونج يانج أصبحت قادرة علي توجيه ضربة نووية. وأوضح أن تقريرا لوكالة المخابرات الدفاعية الأمريكية يؤكد قدرة كوريا الشمالية علي تحميل رؤوس نووية علي صواريخ باليستية بعيدة المدي يمكنها الوصول إلي الأراضي الأمريكية، وأن نظام الرئيس الكوري كيم جونج أون يمتلك نحو ستين رأسا حربيا نوويا، الأمر الذي يحد من الخيارات المتاحة في هذه الأزمة المتفاقمة. وأشار كرونين إلي أن أحد هذه الخيارات المحتملة هو ما يتمثل في زيادة حدة التوتر المطول علي شكل حرب باردة بين واشنطنوبيونج يانج، وقال إن الطرفين يشهدان تزايدا في التراشق اللفظي والتهديدات المتبادلة بين الرئيس الكوري الشمالي ونظيره الأمريكي دونالد ترمب. تهديد ووعيد وأضاف أن هذه التهديدات الغاضبة المتبادلة أو سياسة حافة الهاوية بين الطرفين قد تتصاعد لتخرج عن السيطرة، فتؤدي إلي اندلاع حرب مفاجئة، خاصة أن بعض المحللين يعتقدون أن كيم أو ترامب قد يفعل أي منهما ما لا يمكن تصوره ويشرع بالعمل العدواني أو شن الحرب. وقال الكاتب إن الخشية من نشوب حرب نووية في المنطقة قد يقود إلي تدخل أطراف أخري للتهدئة، وذلك وسط استمرار أمريكا بسياسة العصا والجزرة التي اعتمدتها الإدارات الأمريكية السابقة في التعامل مع هذه الأزمة. قنوات محدودة الولاياتالمتحدة وروسيا أنشأتا علي مر السنين آليات لمنع خروج الأزمات عن نطاق السيطرة من خطوط اتصال ساخنة إلي الأقمار الصناعية بل والتحليق بالطائرات بما يتيح لأي من القوتين النوويتين تتبع التحركات العسكرية للطرف الآخر. ويشعر الخبراء بالقلق لعدم وجود مثل وسائل الأمان تلك بين واشنطنوبيونج يانج ويقولون إن أي حادث طارئ أو تحوير لتصريح أو قراءة خطأ من جانب طرف لتصرفات الطرف الآخر قد تتصاعد بسرعة إلي صراع شامل حتي إذا لم يكن أي منهما يريد الحرب. وقال الخبراء إن هناك قنوات محدودة يمكن من خلالها أن يحاول الجانبان تبادل المقترحات للتخفيف من حدة التوتر حول برامج التسلح الصاروخي والنووي لكوريا الشمالية. وقال جون وولفستال أحد كبار مستشاري منع الانتشار النووي للرئيس السابق باراك أوباما »لدينا بعض الوسائل المؤقتة والتناظرية للتواصل مع كوريا الشمالية لكن ليس لدينا أي شيء أثبت كفاءته ويمكن أن يتحمل ضغط الأزمات». ومن المعروف أنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين. ويتواصل البلدان من خلال بعثتيهما في الأممالمتحدة وسفارتيهما في بكين واجتماعات بين ضباط عسكريين في بانمونجوم علي الحدود الفاصلة بين الكوريتين حيث تم توقيع اتفاق الهدنة الذي أوقف الحرب الكورية التي دارت رحاها بين عامي 1950 و1953. كما تنقل واشنطن رسائلها عبر الصين حليفة بيونج يانج أو عن طريق السويد التي ترعي المصالح الأمريكية في كوريا الشمالية. وكان هناك خط ساخن يربط بين سول وبيونج يانج غير أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون قطع هذه القناة عام 2013 ورفض إعادتها علي حد قول جاري سامور المستشار السابق بالبيت الأبيض الذي يعمل الآن بمركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد. وقال جوزيف سيريسيون رئيس جماعة بلاوشيرز فاند التي تسعي للحد من انتشار السلاح »لا يمكنك التعامل مع هذه الحرب من خلال التغريدات والتصريحات العلنية» وذلك في إشارة إلي ميل ترامب لاستخدام تويتر في الكشف عن تصريحاته السياسية. اتفاقات أساسية وحتي الهند وباكستان اللتان تملك كل منهما ترسانة نووية توصلتا إلي سلسلة من الاتفاقات الأساسية التي تهدف للتقليل من خطر نشوب حرب بطريق الخطأ وتعهد كل منهما بعدم مهاجمة المواقع النووية للطرف الآخر. وفي فبراير الماضي جدد الخصمان اللذان يعملان دائما علي توسيع برامجهما النووية والصاروخية، ولمدة خمس سنوات أخري اتفاقا يقضي بأن يخطر كل منهما الآخر بالحوادث المتعلقة بالأسلحة النووية حتي لا يحدث سوء فهم. ويتبادل البلدان في يناير من كل عام قائمة بالمواقع النووية في إطار اتفاق تم التوصل إليه عام 1998 للامتناع عن مهاجمة هذه المنشآت بسبب مخاطر الإشعاع علي المراكز السكانية. ومع ذلك يقول الخبراء إن الهند وباكستان تحتاجان لأخذ تدابير أخري لبناء الثقة في المجال النووي لأن التوترات بينهما شديدة. وقال وولفستال إن الأمر استغرق من واشنطن وموسكو سنوات خلال الحرب الباردة لإقامة خط ساخن وتطوير بروتوكولات يمكن لرئيس كل منهما وكبار مسؤوليه من خلالها التحقق من هوية من يخاطبونه من الطرف الآخر بسبب انعدام الثقة.. ورغم ذلك فقد طرأت حوادث خلال الحرب الباردة قربت البلدين من شفير الحرب لأسباب أهمها أخطاء في نظم الإنذار المبكر وفقا لما قالته ليزبث جرولوند من اتحاد العلماء المعنيين وهو منظمة معنية بالحد من التسلح. وقالت »في إحدي المرات تلقوا في الاتحاد السوفيتي إنذارا أن هجوما قد بدأ. وبدا كل شيء حقيقيا لكن الشخص المعني في موقع الحدث قرر عصيان الأوامر وعدم إبلاغ رئيسه. وكان ذلك تصرفا وجيها لأنه لم يكن هناك هجوم. فقد رصد قمرهم الصناعي انعكاسا للسحب». جذور الصراع الصراع بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية ليس جديدا، بل هو من مخلفات الحرب الباردة التي كانت سائدة لعشرات السنوات بين أنصار الرأسمالية وبين أنصار الاشتراكية، في عالم ثنائي القطبية في حينها، إذ كانت كوريا مستعمرة يابانية، وبعد هزيمة اليابان أصبحت كوريا غنيمة حرب للمنتصرين، فقسمت بين الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدة، الشطر الشمالي للسوفييت، والجنوبي للأمريكان، وعام 1948 أصبحت الكوريتان مستقلتين، فساد نظام شيوعي في الشمال، ونظام رأسمالي في الجنوب. وعام 1950 حاول الشمال غزو الجنوب وضمه إليه، فتدخلت الولاياتالمتحدة وتم طرد الشيوعيين من الجنوب، واحتلت أمريكا وحلفاؤها معظم أراضي كوريا الشمالية حتي العاصمة بيونج يانج، فتدخلت الصين بدورها لمناصرة كوريا الشمالية فخسرت نحو 400 ألف شخص خلال أيام، بالإضافة لمقتل 4 ملايين كوري شمالي و50 ألف جندي أمريكي، وكادت أمريكا أن تستعمل القنبلة النووية ضد الصين، لولا تدخل الاتحاد السوفيتي حيث تم إبرام هدنة بين الكوريتين، ومن المفترض أنها مستمرة حتي اليوم.