[email protected] معني الإصرار علي نسبة العمال والفلاحين؟ مامعني الإصرار علي إجراء الانتخابات بنظامي القائمة والفردي؟! مامعني الإصرار علي تقسيم الدوائر بهذه الطريقة؟! مامعني الإصرار علي كل مايصب في صالح الفلول ويعيق القوي السياسية الأخري. في قاموس العسكرية يمكن وصف قانون الطوارئ بأنه تقهقر.. بمصطلح علم الاجتماع هو نكوص.. وفي الطب هو انتكاسة.. وبلغة الدين هو ردة.. وفي عرف السياسة هو التفاف وخطوة للخلف.. وبمنطق الثوار فهو مؤامرة. وبكل اللغات هو قانون غير مقبول وسيئ السمعة ومهما قيل عن ظروف وملابسات ودواعي صدوره فكلها مبررات حق يراد بها باطل.. ويكفي ثلاثون عاما وهو يحكمنا وكأننا في سجن أبدي لامفر منه. لا أستطيع أن ألتمس العذر للمجلس العسكري ولا الحكومة في إقدامهما علي العمل بقانون الطوارئ.. وكل ما سبق من حجج لتسويغ تمريره كلها في نظري واهية بل وتتناقض تماما مع ثورة قامت .. وكان أول مادعت إليه هو الحرية.. وأول مانادت به هو كسر حاجز القهر والصمت والخوف.. فهل يعقل بعد مضي شهور فقط علي تلك الثورة العظيمة أن يجهض أول أحلامها وأن تدهس أولي ثمارها ويغتال أول بريق لآمالها. شهور مضت والصبر كان السمة الأبرز للثوار.. قرارات متناقضة متضاربة وخطوات متعثرة وتخبط يشي بعجز وضعف وتخاذل يدفع الكثيرين لوصف تحركات الحكومة وكذلك المجلس العسكري بالتباطؤ ويتجاوزه لحد التواطؤ. وكأنه لايكفي الثوار محاولات الفلول للتربص بهم.. وكأن هناك من يراهن علي قصر نفس اتسم به المصريون.. محاولات لاتكف ولاتنتهي لوأد حلم إسقاط النظام، مؤامرات من رجاله الذين مازالوا طلقاء لايستبعد مع خبثها واستمرارها أنها تتحرك بإرادة قادة النظام ممن يقبعون خلف الأسوار.. أو ربما من دون إرادتهم ولا تعبر عن ولاء لهم بقدر ماهي تعبير عن استماتة في الدفاع عن المصالح التي اهتزت كثيرا مع سقوط رأس النظام السابق. وسط هذه الظروف الصعبة يواصل الثائرون مسيرتهم.. مليونيات لاتتوقف.. احتجاجات لاتنتهي.. تحركات هنا وصرخات هناك تعلن أن قلب الثورة مازال ينبض وأن قلوب الثوار مازالت متحمسة ومازالت عقولهم يقظة متربصة لكل محاولات الالتفاف والإجهاض. وكأن لايكفي ماتمر به الثورة من مخاض الصعب لتحقيق أحلامها.. فأراد القائمون علي حكم البلاد زيادة آلام الثوار آلاما. لا أقتنع بأن ماحدث يوم جمعة »تصحيح المسار« هو السبب في إسراع المجلس العسكري بإصدار قانون الطوارئ أشعر أن النية كانت متجهة إليه وإلا فلماذا التسرع في إصداره أو لماذا لم يتم الاكتفاء بقانون العقوبات وتفعيل مواده الكفيلة بمواجهة كل حالات العنف والبلطجة والشعب؟ فلماذا لم يطبق هذا القانون لمواجهة الانفلات الأمني الذي بحت أصوات الكثيرين مطالبة بمواجهته؟ لماذا يترك البلطجية يمرحون ورجال الأمن يتقاعسون عن أداء مهمتهم؟ لماذا لايدخر هؤلاء وسعا في حماية مبارك ورجاله وتأمين محاكمته بينما يقفون مكتوفي الأيدي أمام تعدي أبنائه من حملة لافتات »آسفين يا ريس« الذين دأبوا علي مهاجمة والتعدي علي أسر الشهداء. والأهم من كل ذلك لماذا لم يصدر في المقابل قانون الغدر ولم يتم تفعيله بنفس السرعة التي صدر بها قانون الطوارئ! هل يعقل أن تقوم الثورة ولايمضي شهور إلا وتكمم الأفواه بعدها ويقدم الثوار للمحاكمات العسكرية وتغلق فيه إحدي القنوات بحجة عدم الحصول علي ترخيص.. وهي نفس الحجج التي كان النظام السابق يسوقها عند إقدامه علي تكميم الأفواه وحجب الأصوات المعارضة. مايحدث بالفعل عبثي ولايتفق أخلاقيا مع روح ثورة الحرية والكرامة.. من غير المقبول أن نضع الثوار تحت رحمة قانون الطوارئ بينما يرتع رجال النظام الفاسد يتسللون إلي أحزاب وليدة وأخري قديمة لايكفون عن محاولتهم للعودة مرة أخري لصدارة المشهد السياسي واحتلال الصورة. الغريب أنه في الوقت الذي يترك هؤلاء يتحركون بحرية لايردعهم قانون يحظر ظهورهم ويمنع ممارستهم للحياة السياسية علي الأقل لخمس سنوات قادمة نجد القيود تكاد تعصف بكل أحلام تغيير هذه الوجوه وتضع العراقيل أمام الأحزاب الوليدة وحتي القديمة. لا أعرف كيف يحدث هذا التناقض؟.. وكيف يمكن غض الطرف عن تحرك فلول النظام وفتح الطريق أمامهم في الوقت الذي تسد فيه الأبواب أمام القوي الأخري. لا أعرف إن كان مايحدث عن غفلة أم عن تعمد وإن كانت المحصلة في النهاية واحدة!! وهي الإحباط. قوانين كثيرة صدرت تدعم هذا الاتجاه.. أخطرها وأهمها قانون الانتخاب.. فما معني الإصرار علي نسبة العمال والفلاحين؟ مامعني الإصرار علي إجراء الانتخابات بنظامي القائمة والفردي؟! مامعني الإصرار علي تقسيم الدوائر بهذه الطريقة؟! مامعني الإصرار علي كل مايصب في صالح الفلول ويعيق القوي السياسية الأخري. من الصعب افتراض حسن النية ومن الصعب اعتبار مايحدث يتم عن غفلة وسوء تقدير وبفرض أنه كذلك فالظروف الخطيرة التي تمر بها البلاد يصعب معها أيضا التسامح مع هذه الغفلة وإن كانت كذلك.. مايقودني لهذه القناعة أن الأصوات بحت للمطالبة بتعديل قانون الانتخابات وكثير من الاحتجاجات وجهت إلي نظام تقسيم الدوائر ومع ذلك تطلب الأمر وقتا طويلا ليتحرك المجلس العسكري في اتجاه الاستجابة لتلك المطالب إلا أن التعديلات والتي جاءت بعد فترة لم تحظ أيضا بقبول ولم ترتق لتحقيق مطالب القوي السياسية في إلغاء نسبة العمال والفلاحين أو لإقرار الانتخابات بنظام القائمة فقط.. ولم تتطرق لإعادة النظر في تقسيم الدوائر. وكأن قدرنا أن نتحمل هذا التخبط وكأن قدرنا أن نسير في طريق بالغ الصعوبة حتي تتحقق أهداف الثورة.. وكأنه من غير الوارد أن يسمح للثوار بالتقاط الأنفاس حتي لو قليلا.. أو يدخروا طاقتهم للبناء وليس لاستنزاف طاقتهم في التأكد من هدم النظام القديم. الوضع بالفعل مضطرب ومع ذلك مازال الرهان علي نجاح الثورة قائما.. فأصوات وحماس الثوار لن تتوقف حتي إتمام نجاحها.. مايبشر بالخير محاولة لم شمل الشباب مرة أخري وتنظيم صفوفهم وتحركاتهم استعدادا لخوض الانتخابات .. صحيح أن ملامح وشكل التحرك لم يتضح بعد لكن بالتأكيد أنها خطوة في الاتجاه الصحيح.. لايهم ضيق الوقت.. فليس بعيدا علي شباب فجروا معجزة الثورة أن يصنعوا معجزة أخري ويحصدوا مقاعد في البرلمان.