»جواب اعتقال» صياغة لفكرة المفترض أنها تعالج خللا كبيرا في حياتنا في العلاقة الاجتماعية والسياسية والدينية للمجتمع المصري والعربي.. بل والعالم أجمع.. وهي مشكلة التطرف بكافة أشكاله خاصة الديني منها.. الذي بات يؤرق كل النظم والحكومات أيا كان توجهها السياسي.. فالقضية أصبحت الخطر رقم واحد علي »فكرة» الدولة نفسها.. باعتبار أنها تغير من أولويات الانتماء للمواطن في الوطن إلي الدين.. مما يجعل الوطن مستباحا. الفكرة التي تشغل بال العالم وتؤرقه.. دخلت في الفيلم في سياق التشويق وبالصياغة التجارية ابتعدت تماما عن جوهرها.. وجاء شريط الفيلم أقرب لفيلم »أكشن» وحركة ومطاردات.. من خلال بطولة خارقة لبطل هو نموذج صدرته لنا السينما الأمريكية منذ منتصف القرن الماضي.. وهو البطل الذي لا يقهر.. وهي نوعية الأفلام التي تدر ربحا وفيرا لجيوب المنتجين. وفي محاولة تأصيل الشخصية الرئيسية (خالد الدجوي) الإرهابي الدموي (المسئول عن الجناح العسكري) الذي يقتل من أجل المال فقط، ويعمل لحساب الإخوان المسلمين سواء الجماعة في مصر أو التنظيم الدولي. أقول وقع في المحظور.. فما هو محاولة إيجاد مبرر للعنف الشديد وكره المجتمع والآخرين أيا كانوا.. هذا المبرر كان أحيانا الفقر المدقع.. اليتم المبكر.. الجهل الشديد مما يمكن أن يخلف حالة من التعاطف ولو البسيط معه. أما الآن فحين ننظر للإرهاب والإرهابي لسنا في حاجة إلي تحليل مكرر.. فقد تغيرت الصورة تماما وأصبح المنتمون إلي عالم الإرهاب أثرياء وشبابا واعدا من المفترض أنه دارس ومثقف وحاصل علي أعلي تعليم.. ليس لديه ظروف اجتماعية قهرية.. بل ظروف نفسية تسمح للآخرين من متطرفي الفكر في اختراق العقول وتحويل البشر من وسطيين أسوياء إلي متطرفين يكفرون بالمجتمع.. ويبدو بعيدا بالنسبة لهم علي أن يكون وطنا. إن محاولة التركيز علي أن دافع القتل عند الإرهابي هو الأموال.. بخلاف كراهية المجتمع والإحساس الشديد المتناقض »بالدونية» هي محاولة ساذجة ومتخلفة من الفهم معني.. وزمنا. لقد كان من الممكن أن تقول ذلك من أكثر من ثلاثين عاما أما الآن فهناك بديهيات تؤكده . ورغم ذلك يبقي هذا الاحتمال لايزيد عن 10٪ ولعل الكتب الصفراء التي تحض علي الكراهية الشديدة وتبيح الإرهاب باسم الدين هي أكبر مصدر. ولذلك فإن محاولات التبرير تلك حولت الفيلم إلي فيلم تجاري يمكن لو جردنا الأسماء أن يكون الصراع بين تجار مخدرات أو سلاح أو دعارة ولايحدث تغيير في السياق.. فالشخصيات كلها مرسومة بشكل نمطي تشعر أن المؤلف يقف وراءها جميعا ليوصل فكرة واحدة لكن علي لسان عدة شخوص. في »جواب اعتقال».. »خالد الدجوي» الفتي اليتيم ابن الخادم.. الذي لقبته الجماعة »بالطاووس» وأصبح المسئول عن الجناح العسكري والذي تبناه »الشيخ عبدالله» المسئول الأول عن الجماعة.. أما الباقون فينقسمون مابين مؤيد ومعارض وعلي رأسهم الشيخ »مصطفي». خالد »محمد رمضان» ارتباطه بالجماعة ينحصر في المال.. والرغبة في التخطيط والكراهية الشديدة التي تحركه لسفك دماء الأبرياء خاصة من رجال الدولة »الشرطة» وهو المشهد الذي يبدأ به الفيلم بقتل ضابط أثناء تأديته وظيفته .. لكن هذا المشهد يتحول في نهاية الفيلم إلي صورة عكسية عندما تنجح الشرطة في قتل خالد الدجوي والذي بعد أن خان الجماعة وانقلب عليهم بتعليمات خارجية فانقلبوا هم أيضا عليه وقاموا بقتل شقيقه الوحيد الذي يعتبره بمثابة ابنه.. لتبدأ رحلة من المطاردات والقتل يتفوق فيها بالطبع البطل الأوحد. وبذلك ينتهي الفيلم بتصفية الشر وإن كان ليس بشكل نهائي ولأن لكل منا نقطة ضعف فإن ضعف خالد هو حبه الشديد لابنة عمه دينا الشربيني »فاطمة» والتي لا تحبه لكنها توافق علي الزواج منه متعاونة مع الشرطة لتأتي لهم بالأدلة فهم رغم تأكدهم من تورطه وتحقيقهم المتعدد معه وأفراد الجماعة إلا أنهم لايملكون الدليل.. وعندما تنجح في ذلك ويعلم هو بخيانتها يتركها دون أن يستطيع أذيتها.. الحقيقة إن نهاية الفيلم ترضي الجمهور الذين يبحثون عن ثأرهم من الجماعات الدينية المتطرفة. الفيلم مصنوع صناعة جيدة ولقد لعبت الموسيقي دورا معبرا وساعدت في تحقيق الصراع والتوتر المطلوب والتشويق.. كما تلونت بشدة إلي الاتجاه العاطفي مع ابنة عمه ورغبتها أيضا في الإيقاع به. كما يجب الإشادة بأداء الممثلين وعلي رأسهم »محمد رمضان» ودينا الشربيني.. وسيد رجب.. صبري فواز وإياد نصار كما يجب الإشادة بأداء الفنان الراحل القدير أحمد راتب فقد كان آخر ماقدمه للسينما. ليبقي رغم ذلك العمل فكرة جادة تؤرق الجميع.. وتنبه الشباب علي أن ليس كل مايقدمه دعاة الدين بصواب وليس عن مبدأ حقيقي.. ورغم ذلك فإن الكثيرين ينخدعون وينضمون لهذه الصفوف بحثا عن »شهادة» زائفة حيث إن الدين بريء منهم تماما.