من المعروف أن الريف المصري هو منبع الأصالة والإبداع والحفاظ علي التراث إلا أنه بعد غزو التكنولوجيا الحديثة جميع المجالات الحياتية حتي بتنا نخاف علي اندثار هذا التراث ومن ضمنه طقوس الأفراح وخاصة أغاني ليلة الحنة والتي تعد ليلة العروس الخاصة والتي تتجمع فيها سيدات القرية ليبدأن في إنشاد الأغاني التي ورثنها عن أمهاتهن وجداتهن علي إيقاع الطبلة وتصفيق فتيات القرية واللاتي يحلمن بهذه الليلة وظل الوضع يسير علي هذا المنوال حتي ظهر الدي جي ذلك الجهاز الحديث الذي سحب البساط من تحت قدميها. وسرعان ما تجمعت مجموعة من فلاحات مركز الشرفا التابع لمدينة شبين القناطر وكون فرقة ريفية شعبية ليدافعن عن التراث الريفي ومواجهة هذا الغزو التكنولوجي . الفرقة تتبع قصر ثقافة المدينة وتشرف عليها الهيئة العامة لقصور الثقافة وقد اكتسبت الفرقة شهرة كبيرة ومثلت مصر في العديد من المهرجانات الدولية. يا عريس ياغالي ...والله لأغني لك ياعريس ياغالي والله لأغني لك وأسهر الليالي لأغديك بوزة وأعشيك بوزة وحياة رب العزة بتلك الكلمات تبدأ فرقة الفلاحات المكونة من إحدي عشرة فتاة في إحياء ليلة الحنة علي اختلاف أطياف زبائنها يرتدين الجلابية ذات الألوان المبهجة والمنديل بقوية ويزين صدورهن بالكردان واللبة العريضة وقد لاقت نجاحا كبيرا أهلها لتكون ضيفا أساسيا في أفراح الخمس نجوم وعلي إيقاع طبلة عم محمود تبدأ صبحية مايسترو الفرقة في إنشاد الأغاني المعبرة عن مناسبات بعينها فعند انتقال العروس من بيت والدها إلي بيت العريس يغنين (وإن شاء الله تعمريها.. وولادك يجروا فيها.. ياأخويا بركة لك خدت اللي تعمر دارك.. إديها ريال إديها.. اديها ريال تديك بوسة وتوكلك لحمة وكوسة وأنت الكسبان إديها.. واوعوا تقولوا العيلة دي كدابة دا العيلة دي بتوصل النيابة واوعوا تقولوا العيلة دي هفية.. دا العيلة دي بتوصل المديرية.." اقتربنا أكثر من عضوات الفرقة لنتعرف علي أسباب تكوينها وملامحها.. تقول صبحية عبد الغني مايسترو الفرقة: بعد أن لاحظنا الخطر الذي تعرضت له عاداتنا الريفية التي تعد أغاني الأفراح والحنة جزءا أساسيا منه قررنا الانضمام للفرقة التي كونها قصر ثقافة الشرفا بهدف الحفاظ عليها وقد حظيت الفرقة باهتمام غير مسبوق من أهالي القرية والقري المجاورة ومن أهم سماتنا أنه لابد علينا ارتداء الزي الفلاحي المكون من الجلابية المشجرة ذات الألوان الزاهية والتي تناسب مثل تلك المناسبات والكردان واللبة اللتين أصبحتا موضة بالية ونضع علي رؤوسنا المنديل بقوية والذي يحمل نفس لون الجلباب وعند بدء الليلة نجلس في ركن خاص بنا ويتجمع حولنا الضيفات ويرددن ما نغنيه. أما فايزة فؤاد (30سنة) فقالت:عندما كنت في فرح من الأفراح تعرفت علي الفرقة فانضممت لها، ولاتزال هناك بعض التقاليد في أفراح الريف خصوصا في ليلة الحنة فمثلا نعمل أرز باللبن وترمس ونوزعه علي الحبايب ونغني "ياأبوالشال تلاتاتي قلبي بيحبك".. ونغني لأم العريس "ياأم العريس الله يتم عليك إنت القمر واحنا النجوم حواليك.." وكل الأغاني سريعة ولكن المشكلة التي من الممكن أن تجعل الفرح ينام منا هي الطبلة، والفرقة عادة فيها طبال لكن ممكن يتعب أو ينام فالإيقاع يروح في داهية والناس والمعازيم كمان يناموا منا وكمان بعد فترة طويلة من الفرح ومن الغناء ممكن نتعب من التصفيق وعندما نرتاح نرجع مرة أخري لنفس نشاطنا. وتضيف مرزوقة عبد الغني ربة بيت: منذ نعومة أظافري وأنا مهتمة بمثل هذه الأغاني وكنت أصاحب جدتي في جميع الأفراح وألاحظ طريقة إنشادها للأغاني وإيقاع الطبلة والذي يختلف حسب كل أغنية ومنذ أن قرر قصر الثقافة تكوين الفرقة منذ عشر سنوات انضممت علي الفور ونغني الأغاني في مناسبات عديدة كالحنة والطهور ونقل أثاث العروس لبيت العريس وبالطبع لا نستطيع الغناء في فرح به الدي جي الذي يشتت انتباهنا فالناس تنصرف عن متابعتنا وتتحول إلي الرقص علي أنغامه. وتفتخر مرزوقة بالشهرة التي حظيت بها الفرقة فتقول:حققنا قدرا كبيرا من الشهرة في القليوبية وامتدت شهرتنا للبلدان المجاورة وبدأت العروض تنهال علينا من أفراح الخمس نجوم وسافرنا العديد من المهرجانات الدولية في المغرب وسلطنة عمان لنمثل مصر فيها. وقد لفت انتباهنا إيمان محمود (71سنة) أصغر عضوات الفرقة والتي بررت انضمامها قائلة:منذ أن تكونت الفرقة وأنا أتابع نشاطاتها وأتبعهن في كل أفراحهن وقد استطعت حفظ عدد كبير من الأغاني وقررت الانضمام وقد شجعني والدي الذي يعمل منشدا دينيا ولم يعترض علي هذا النشاط وقد سعدت بالإقبال علي فرقتنا الغنائية من جميع الأطياف وبتنا محل اهتمام الكثيرين وعن نشاط الفرقة يقول أمين شاهين (82 سنة)، المشرف الفني ومدير فرقة قصر ثقافة الشرفا للآلات الشعبية : الفرقة نشأت عام 0002 وهي تضم أربعة أنشطة رئيسية فهناك مجموعة للإنشاد الديني بتنورة وهناك مجموعة للمزمار البلدي ومجموعة موال شعبي وأخيرا مجموعة الغناء الريفي المكونة من عدد من السيدات الموهوبات فالغناء الريفي للأسف انقرض والأجيال الجديدة لاترتبط بعادات ولا تقاليد وتعتمد علي تطورات التكنولوجيا .. وطبعا الكثير من كلمات الأغاني الريفية غير معروف علي الإطلاق من قاموا بكتابتها أو تلحينها بهذا الشكل وإنما هي أشياء متوارثة والطريف أن هذه الكلمات تجعل من يسمعها يعيش اللحظة فيشعر بالفرحة والسعادة خاصة عندما يتأمل في معانيها وعن تبعية الفرقة يقول: هذه الفرقة في الأصل تابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة وهذا يعطيها الفرصة للمشاركة في المهرجانات والاحتفاليات الشعبية المختلفة. وهذه المهرجانات تكون فرصة للتعريف بالفرقة وتقديمها للجمهور فالدي جي حرم الكثيرين من معرفة هذه الأغاني.. ومن أجل أن تقوم الفرقة بإحياء الحفلات والأفراح فإنه يجب تقديم طلب لوزارة الثقافة علي هيئة خطاب موضح فيه طبيعة المشاركة ومكانها وموعدها والاستجابة عادة تكون فورية، أو ببساطة متاح للفرقة أن تقدم عروضها في أفراح الكفر والقري المجاورة وتحصل عضوات الفرقة علي مكافأة تصل إلي 002 جنيه ونتمني أن تهتم وزارة الثقافة بمثل هذه الأغنيات التي تعبر عن التراث ويمكن أن تقوم بأرشفتها وحفظها.