وبعيدا عن حماية المال بالحصانة وصل الأمر من قبل بعض رجال الأعمال في استخدام حقهم الدستوري في تقديم مشروعات قوانين لكن هذه القوانين كانت مشبوهه فأحمد عز الرجل الحديدي في النظام السابق أمين التنظيم بالحزب الوطني المنحل تقدم لمجلس الشعب بعدد من مشروعات القوانين التي تخدم علي مصالحه الشخصية حيث سبق له أن تقدم بمقترح لمشروع قانون لحماية الآثار، يطالب فيه الدولة بالموافقة علي السماح بحرية تداول الآثار والتجارة فيها في الداخل.وفي المقابل هددا فاروق حسني، وزير الثقافة السابق وزاهي حواس، أمين عام المجلس الأعلي للآثار وقتها بالاستقالة من منصبيهما في حالة الموافقة علي مقترح مشروع قانون عز بشأن تجارة الآثار. وفي قانون الضريبة العقارية، عندما اعترض غالبية أعضاء مجلس الوزراء، الذين طالبوا بإعفاء المسكن الخاص من الضريبة، ذهب إليهم عز داخل المجلس واجتمع بهم وأقنعهم وعندما جاء القانون إلي مجلس الشعب، لم تنجح الاقتراحات التي تقدمت بها المعارضة من تخفيف عبء القانون من علي كاهل المواطنين. وكانت رائحة أحمد عز قد فاحت في مشروع قانون لتعديل بعض مواد قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية واستهدف المشروع وقتها تخفيف العقوبات علي المحتكرين.. مجلس الشعب في مصر انتشر فيه عدد من الظواهر التي لم تكن معروفة من قبل وبدأت قصة رجال الأعمال تحت القبة بنواب القروض، أمثال محمود عزام وخالد حامد محمود وإبراهيم عجلان وتوفيق عبده إسماعيل، إضافة إلي إبراهيم كامل. استمرت رحلة الزواج بين رأس المال والسلطة بعد ذلك في انتخابات 0002 و5002 حيث بلغ عدد رجال الأعمال فيها 71 رجل أعمال، منهم طارق طلعت مصطفي رئيس لجنة الإسكان، وأحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة، ومحمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة والطاقة. وبعد دخول رجال الأعمال المجلس وتحصنهم بالحصانة البرلمانية نشأت دولة النفوذ والتحكم في الثروة، وتأسست دولة البلطجة أيضا، والتي استخدمها رجال الأعمال في معاركهم الخاصة لترويع الناس، والاستيلاء علي الممتلكات العامة، وأراضي الدولة، وتزوير انتخابات مجلس الشعب بمباركة وتأييد من لجنة السياسات. توحش رأس المال في فترة التسعينيات وما بعدها لم يعرف له مثيل في تاريخ مصر السياسي حتي قبل ثورة يوليو، أو حتي فترة قريبة بعد حكم الرئيس السادات، فحالة التقارب بين المهندس عثمان أحمد عثمان والسادات لم تصل إلي حد التوحش الذي حدث بين رجال الأعمال والسلطة في عهد مبارك، وكان هذا الرجل يستفيد من قربه للسلطة، وكانت السلطة تعول عليه أيضا في بناء بعض المشروعات، لكنه لم يتدخل في القرار السياسي، أما في فترة التسعينيات وبداية الألفية الثانية فكان رجال أعمال في عصب السلطة التنفيذية. ومن أبرز رجال الأعمال الذين حصلوا علي الحصانة البرلمانية في مجلس الشعب المنحل منهم 71 كانوا في المجلس المنقضي 5002 ومن برلمانات سابقة بينما ال 01 الباقون يتمتعون بالحصانة لأول مرة .من القدامي يبرز ثلاثة من رؤساء اللجان وهم طارق طلعت مصطفي رئيس لجنة الإسكان وأحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة "الموجود حاليا بطرة" ومحمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة والطاقة.. ومن النواب القدامي خالد خيري ومحمد المصيلحي وحسني خليل إضافة إلي محمود عثمان من الإسماعيلية وطلعت السويدي ومحمود خميس من الشرقية ومنصورعامر من القليوبية وعادل ناصر من الجيزة وأحمد عبد السلام قورة من سوهاج وعبد الرحمن بركة من الدقهلية و محمد المرشدي من حلوان و طلعت القواس وإبراهيم العبودي وهشام مصطفي خليل من القاهرة. وهناك رجال أعمال كانوا من برلمانات سابقة علي 5002 منهم رفعت الجميل من دمياط ويسري المغازي من الدقهلية ونبيل فسيخ من الغربية وحمدي قريطم من البحيرة.وعن مجموعة رجال أعمال الذين أصبحوا نوابا في البرلمان لأول مرة نجد هاني أبوريدة عن بور سعيد ومحمد الشامي من الغربية وعفت السادات من المنوفية وفخري طايل من المنوفية وعلي عبد الفضيل من بني سويف وعبد المحسن أبو الخير من الغربية وعلاء طاحون من المنوفية وجلال مازن من السويس ومحمد البنا من دمياط وشريف العناني من الجيزة وياسر الجندي من الغربية وخالد الأسيوطي من القاهرة فيما لم يتمكن عدد من رجال الأعمال من الاحتفاظ بمقاعدهم ومنهم عبد الفتاح دياب من الدقهلية ورامي لكح من القاهرة فيما لم يرشح النائب السابق ورجل الأعمال المعروف هاني سرور نفسه. مصائب أصحاب المال كثيرة ومتعددة ولها طرقها المختلفة فمن فساد الحياة السياسية إلي التزوير والغش الانتخابي تتنوع وتتطور الرشاوي الانتخابية لديهم فبعض المرشحين من رجال الأعمال يقدمون عطاياهم لأهالي الدائرة حسب احتياجهم فمنهم من يقدم وجبات كباب وكفتة علي الفقراء الذين لا يأكلون مثل هذه الأطعمة وربما لا يمنحهم الحظ ولو بالمصادفة بمثل هذا الأكل، وآخرون يوزعون أجهزة تليفونات محمول. والبطاقة الدوارة واستخدام نصف العملة قبل التصويت والجزء الآخر بعده من أبرز مظاهر الرشاوي الانتخابية التي تم رصدها لشراء الأصوات خلال الانتخابات السابقة. الخبراء والمتخصصون في مجال السياسة تنبأوا بخطورة هذه الكارثة قبل الثورة أي في برلمانات سابقة ففي عام 2006 عقب انتخابات برلمان 2005، نشر الدكتور سامر سليمان، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، دراسة تناولت الانتخابات وشملت مقارنة بينها وبين ما عرفته مصر من انتخابات سابقة، وكانت بعنوان "المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية - العوائق والمتطلبات" الدكتور سامر سليمان قال إن تدخل المال في عالم الانتخابات لا يقتصر علي الدعاية الانتخابية فقط، لكن له أكثر من وجه، يبدأ بالدعاية وينتهي بالرشوة الانتخابية وتأجير البلطجية، وهي ظاهرة ليست بالجديدة علي الانتخابات والبرلمان ، لكنها وسيلة معروفة منذ برلمان 1923، وتفاقمت في السنوات الأخيرة إلي حد رصد الجمعيات الحقوقية، المهتمة بالشأن الديمقراطي، لها في أكثر من تقرير، خاصة منذ انتخابات 2005 التي عرفت مصر فيها معدلات غير مسبوقة من الإنفاق علي حملات الدعاية، تجاوزت الحد المسموح، وكان 70 ألف جنيه، وهو ما توطن أيضاً في انتخابات هذا العام، رغم رفع الحد الأقصي للدعاية إلي 200 ألف جنيه. فالمرشحون الأثرياء يعبرون عن أقلية من طبقات الشعب المصري، والناخبون فقراء، يستخدمهم الأثرياء كمستودع للأصوات يوم الانتخابات.. فرق سليمان في الدراسة التي أعدها بين أكثر من جهة ينفق فيها المال في الانتخابات، أولها الإنفاق علي الحملات الدعائية للمرشح، الذي اشترطت اللجنة العليا للانتخابات ألا يتجاوز 200 ألف جنيه، بينما أكدت كل الظواهر تجاوزه هذا المبلغ بكثير، دون أن يتعرض المتجاوزون للمساءلة من قبل اللجنة المنظمة للانتخابات، أما الجهة الثانية فتتمثل في تأجير بلطجية ومحترفي إجرام لإرهاب الخصوم ومؤيديهم وناخبيهم، أو لردع مرشحين منافسين يستعينون هم الآخرون ببلطجية لحمايتهم. والطريف هو ما قاله سليمان من أن الرشوة الانتخابية قد لا تستخدم للتصويت لصالح أحد المرشحين، لكن البعض استخدمها في انتخابات 2010، لضمان عدم التصويت للمنافسين، وهو ما حدث من بعض الأسماء، التي تم استبعادها من قوائم انتخاب الحزب الوطني، وكانوا يدفعون رشوة لإسقاط زملاء لهم في الحزب خاضوا الانتخابات. أما يسري الغرباوي، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فقال إن الإنفاق علي الناخبين في الانتخابات يندرج تحت مسمي المال السياسي، وغالباً ما يكون دافعه تكالب رجال الأعمال والسياسة علي البرلمان.موضحاً أن هناك زيادة ملحوظة في عدد رجال الأعمال، الذين خاضوا انتخابات مجلس الشعب 2010 المنحل، مقارنة بعددهم في انتخابات 2005، وأضاف أنه وفي انتخابات 2000 ومع بداية التزاوج بين المال والسلطة داخل الحزب الوطني، دفع الحزب بعدد من رجال الأعمال في انتخابات البرلمان لم يتجاوز عددهم يومها 100، نجح منهم 77 فقط، وارتفع العدد في انتخابات 2005 ورشح الحزب الوطني عدداً من رجال الأعمال، تراوح بين 175 و200، نجح منهم 100 رجل أعمال، وهو ما تواصل في انتخابات 2010 أيضاً. وأضاف امتدت الظاهرة لأحزاب أخري، مثل (الوفد) و(الغد)، وكان في كل دائرة انتخابية اسم أحد رجال الأعمال علي الأقل، وتعدت الظاهرة عملية الترشح في الانتخابات، ووصلت لإدارة الأحزاب ذاتها، فحزب (الوفد) بات يرأسه واحد من أكبر رجال الأعمال في مصر، هو السيد البدوي، وكذلك الحزب الوطني المنحل كان المسؤول عن أمانة التنظيم به رجل أعمال له نصيب الأسد في عالم الأعمال، خاصة صناعة وتجارة الحديد، هو أحمد عز.. ولا يقتصر الأمر علي القاهرة أو المدن الكبري، لكنه امتد أيضاً للصعيد الذي يعرف الجميع أنه يحتضن أفقر مدن وقري مصر، فهناك تقرير صدر عقب الانتخابات الماضية قال إن ملايين النواب حسمت المعركة وانتصرت علي نواب الألوف، في إشارة إلي أن من أنفق الملايين نجح في اقتناص مقعد البرلمان، متفوقاً علي من أنفق الآلاف، وأضاف التقرير أن عدداً من الأسماء فاق إنفاقها في الانتخابات ملايين الجنيهات، من بينهم أحمد عبدالسلام قورة، في دائرة السلام بسوهاج، والسيد محمود الشريف، في مركز أخميم، وفي أسيوط تصدر عمر جلال هريدي، في البداري، قائمة المرشحين الأكثر إنفاقاً علي حملاتهم الدعائية التي وصلت، كما ذكر التقرير، إلي 3 ملايين جنيه. ويضيف الغرباوي أن سبب التكالب علي مجلس الشعب من قبل رجال الأعمال، علي وجه التحديد، هو الرغبة في المزيد من النفوذ والسلطان والوجاهة الاجتماعية، ناهيك عما تمنحه عضوية البرلمان من حصانة وحماية لفئة باتت تستغل مناصبها في تحقيق أعلي المكاسب، بغض النظر عن أي قواعد، كما أن وجود رجال الأعمال في مجلس الشعب، الذي يمثل السلطة التشريعية، يجعلهم قريبين من مركز صناعة القوانين وصياغتها وما يعنيه ذلك من احتمالات تحقيق مكاسب وأرباح، لذا فالمرشح الذي ينفق قرشاً في الانتخابات يعرف أنه سيسترده أضعافاً مضاعفة.