أستأذن القراء المحترمين في وصلة نقد ذاتي لمصريتنا وطنيتنا حماها الله.. فليس كل من نزل التحرير ثائرا بحق، علي الأقل الحفنة الأخيرة التي شوهته بهمجية لاتنتمي لأخلاق وسلوك 52 يناير/11فبراير، وهي الأيام الماسية التي تسابقت فيها الطوائف والتيارات المتباينة علي تقديم صورة حضارية للثورة المصرية، حيث تركت الميدان بعد إنجاز التنحي نظيفا لامعا وشامخا بالنصر التاريخي الذي تحقق فيه. وأما الهمجية فهي داء أصيل ومتجذر في النفسية الإنسانية لبعض المصريين الذين أجبرهم المنهج العشوائي الناتج عن الفساد العام وارتباك خطط التنمية البشرية وتعثرها التام، علي شق طريقهم في الحياة وانتزاع حقوقهم الضائعة بقوة البطش والبلطجة والتحالف الشيطاني في معظم الأحيان مع القوي الفاسدة لتبادل المصالح.. وتلك هي أقصي مستويات الهمجية التي تمثلت بوضوح في توظيف البلطجية لصالح ترسيخ النظام السابق الذي لم يعبأ بإعادة صياغة هذه الطبقة المنحرفة لخدمة النهضة الوطنية، بل أمعن في استغلالها وتجنيدها لإرساء مفاسده ودعم مصالحه علي جثة الشعب المسحوق. ومن قمة هرم الفساد الهمجي للبلطجية المذكورين، تتدرج مستويات أخري من الهمجية السلوكية التي اكتسبها المصريون عموما بسبب سوء الأوضاع العامة والمعاناة الشديدة يوميا في مسار إنجاز العمل أو الحاجات التي يفترض أن تتم بسلاسة علي غرار ماسيحدث في العالم المتقدم، فليس من الإنسانية أن ينتحر بني آدم في طابور أنابيب البوتاجاز والخبز وأن تشهر الأسلحة ويسقط القتلي في ذلك السبيل!! والمشهد المدمر يتكرر في الشوارع المزدحمة حيث اعتاد سائقو الميكروباص علي التزاحم والتلاحم والسير عكس الاتجاه والوقوف فجأة في عرض الطريق واعتراض السيارات المستكينة لتجاوزها دون وجه حق والسب والقذف بأبشع الألفاظ بمناسبة وبدون مناسبة إذ أصبحت الشتائم وسيلتهم المفضلة في التعبير التلقائي!! وحكاية سائقي السرفيس أو الميكروباص تعود لكون أكثرهم بلطجية مأجورين من ضباط شرطة فاسدين للعمل كسائقين علي عربات هؤلاء الضباط بأجر زهيد مقابل التجاوز عن ملفاتهم الإجرامية، ولأنهم أجراء عند الباشوات الضباط فإن كل عسكري مرور يضرب لهم تعظيم سلام ويمرر تجاوزاتهم البشعة في الشارع، فلا مخالفات ولا سحب رخص، ولو حدث ذلك عن طريق الخطأ يستعيدونها فورا.. وبالتالي يكون الأمن نفسه داعما مباشرا للهمجية بدعوي المصلحة المشتركة والمنفعة المشبوهة!! أما الباعة الجائلون فحدث ولا حرج، ففي أكثر الشوارع حيوية وحساسية، لا يتورعون عن افتراشه بالعربات الكارو واحتلال معظمه وإعاقة السيولة المرورية بمتنهي الجرأة والسلاسة، وإعلان الرقعة المحتلة سوقا دائما تعاني السيارات ويجن جنون أبواقها لإفساح مساحة للمرور العسير.. وذلك علي مرأي من شرطة المرافق التي اعتادت وجودهم ورحبت به بمنطق فاسد هو »نفع واستنفع«.. فبين شرطة المرافق والباعة اعتناق متبادل للهمجية وإهمال القانون بالاشتراك مع جهاز المرور الذي يتركهم ينشرون الفوضي دون رادع! وفي البلاد التي احتلت صدارة الأمم المتقدمة تلتحم مصلحة الفرد مع الجماعة فلا يحق لأحد أن يكسر القانون وإلا تم ردعه بقوة.. ولايمكن مثلا لجدع بشوارب وحشية وبطن متخوم بالدهون أن يستعظم نفسه فيظل جالسا علي مقعده في وسيلة مواصلات، بينما تحتم الإنسانية والقانون أن يترك مكانه للمسنين أو المعوقين، وهو ما لايحدث في مصر المحروسة حيث إن من يجد مكانا لنفسه يقتنصه دون مراعاة للآخرين المعوزين والضعفاء.. وهذا المشهد المشين شائع في مصر كدلالة دامغة علي الذاتية والهمجية المستفحلة! إذن الهمجية ابنة الفساد، والفساد يراوغ القانون، والقانون مهمل ومنسي، والضمير الذي يجب أن يحييه مسحوق ومدفون.. وثوار 52 يناير يحاولون إعلاءه وصحوته.. والفسدة كثر!! والحكومة تتأني في تفعيل الإصلاحات وتعيد توظيف أسماء شاركت في همجية وتزييف انتخابات 0102!!! ولنا في قول الله سبحانه وتعالي موعظة وحكمة: »إن الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم« صدق الله العظيم. ❊❊❊ »أرجوك متفتيش بعد الثورة«!! برنامج رمضاني ينتقي ضيوفه من مختلف الطبقات ليوجه إليهم أسئلة عبثية مثل : »من هو رئيس الاتحاد الاشتراكي الدولي الآن، هل هو المناضل الثوري سمير الإسكندراني، أم الناشط السياسي عجاج عجاج، أم السيد كاف!! والمثير أن الجمهور يندفع للإجابة التي لاتقل هزلا وخرفا عن السؤال !! وبتأمل الشرائح المتباينة من الناس ووعيهم المحدود (بالأحري المعدوم) أتصور أنهم يمثلون شريحة عريضة من بسطاء هذا الشعب الذين يسهل علي التيارات المتأسلمة بالذات أن تستدرجهم وتجندهم لتسييد منهجها المتشدد، فهؤلاء بالتأكيد هم الذين اندفعوا بالموافقة علي التعديلات الدستورية السابقة حتي ينصروا الإسلام كما أقنعهم الإخوان المسلمون والسلفيون وقتها، مستثمرين مايتمتعون به من خواء فكري، أنتجته سنوات طويلة من الانحطاط التعليمي والثقافي في عهد مبارك. أما حسنة البرنامج فهي قيام المذيعة في نهايته بمواجهتهم وحثهم علي عدم الفتوي فيما لايعلمون.. وربما يكون ذلك دافعا لهم وللمشاهدين علي عدم الاسياق وراء الأفكار دون إعمال للعقل، وهو الأمر الذي يحثنا عليه الدين، وتكرره الآيات القرآنية الكريمة التي تدعو للاستنارة. ❊❊❊ من دعاء رمضان علي الفيسبوك: »اللهم احشر أحباب مبارك معه«!!