هم »أولادنا».. فلذات أكبادنا.. من متحدي الإعاقة لهم الحق في الحياة. هم في حياتنا بهجة.. ونور وبركة.. من أجلهم اتحدت كل القوي في مصر لتقديم مهرجان يليق بهم وباسمهم فهم نماذج للإرادة والتحدي.. يعلموننا كيفية مواجهة ومجابهة الحياة. الملتقي الدولي الأول لفنون ذوي القدرات الخاصة.. »أولادنا» برئاسة سهير عبد القادر التي وضعت أحزانها جنبا برحيل شريك الحياة الزوج الحبيب جلال حمودة لتضع اللمسات الأخير لهذا الملتقي الدولي الأول الذي تشارك فيه ثمانٍ وعشرون دولة من أنحاء العالم وتقدم من خلاله أفلاما سينمائية وفرقا موسيقية.. وورشا فنية.. وفنونا شعبية. "أولادنا".. بنحبك يا مصر الكاتب الكاميروني "سيمون أولوندو": الأهرامات وأبو الهول كانا حلما "أولادنا". من ذوي القدرات الخاصة.. من حقهم أن تصبح أحلامهم حقيقة.. وأن يكون لهم الحق في الحياة بكرامة. يقولون ربما نكون مختلفين في الشكل والمظهر والتكوين الجسماني لكننا نتمتع بمهارات نتفوق بها أحيانا علي الأسوياء. ونحن ترجمة صادقة لفعل "الحب" ولإرادة الأمهات.. وتحدي الآباء.. وصمود وتفهم وتعاون الأشقاء الصغار.. فهم جميعا يستحقون منا كل تحية وتقدير فهم الأبطال الحقيقيون في هذه الدنيا التي يحاول البعض أن يغلقها علينا.. إن كل دول العالم تعطي صاحب كل "إعاقة" حقوقا كثيرة وفي استخدام هذه الكلمة حتي لو كانت قاسية أحيانا.. إلا أنها ضرورة "لفظية" في سن قوانين وتشريعات محددة لحماية جزء عزيز منا وعلينا له كل الحقوق في حياة أفضل.. دون انفصال عن النسيج المجتمعي مهما كان الاختلاف أو المبرر. وفي مصر جاء التكريم من الدولة في رعاية الرئيس السيسي شخصيا لهذا الملتقي الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة.. الذي يقام في الفترة من الرابع والعشرين من مارس إلي الحادي والثلاثين منه. في هذه الدورة التي حرصت أيضا جهات كثيرة علي رعايتها ومن بينها مؤسسة أخبار اليوم.. تتواصل جهود الجميع لإسعاد "أولادنا". من ذوي الاحتياجات الخاصة واكتشاف مواهبهم. وما أكثر المواهب التي يمارسونها ويجيدونها.. ويتفوقون فيها.. ورفعوا فيها اسم مصر عاليا.. خاصة في مجال الرياضة. • • في هذا الملتقي الذي ضم ما يقرب من ثمانٍ وعشرين دولة متمثلة من خلال أشخاص أو فرق.. أتوقف أمام ثلاث أو أربع شخصيات كان لهم صدي عالمي كبير.. الأول هو الفنان البلجيكي الممثل "باسكال دوكين" الذي قدم العديد من الأدوار السينمائية والمسرحيات.. ولعل أشهر أفلامه التي نعرفها نحن في عالمنا العربي "اليوم الثامن" من إخراج "جاك فان دورمال" وشاركه في البطولة "دانييال أوتوي". و"باسكال" ليس مجرد ممثل محترف في السينما والتليفزيون والمسرح بل هو بطل سباحة في الإوليمبياد بالإضافة لعزفه علي "الباتري" وقد بلغ رصيده من الميداليات الذهبية (19) تسع عشرة ميدالية.. و(11) وإحدي عشرة ميدالية فضية.. و(11 ميدالية) برونزية معظمها في السباحة التي يجيدها.
الأب الروحي ل "باسكال" هو فنان قدير للغاية يعد واحدا من أعمدة أوبرا باريس "جيلبير سار" وهو صديق للأسرة.. ورغم أنه تقريبا في الثمانين من عمره إلا أنك لاتعطيه مثل هذه السن.. فهو يبدو وكأنه في الخمسينيات.. وقد أتيحت لي الظروف أن أعرفه عن قرب.. فهو رغم شهرته الواسعة إلا أنه شديد البساطة يلخص الحياة التي يعيشها حاليا في كلمات بسيطة صادقة.. " لقد عشت حياة شديدة الثراء سعدت بها جدا.. لذا فإن سعادتي الحقيقية اليوم هي أن أساعد الآخرين والعمل علي إسعادهم".
في صالة الطعام كان يحرص علي الاهتمام بتقطيع الطعام لسيمون ومساعدته في تناوله.. وجدت الرجل يتخلي بكل كرم عن جاكت غالي الثمن ويعطيه لسيمون الذي شعر بالبرد ولم يأت معه بشيء ثقيل.. تصرفات صغيرة لكنها تدل علي نبل وسمو الأخلاق جعلتني أدرك لما يعتبره "باسكال" الأب الروحي له . وقد أهداني "جيلبير سار" الكتاب الذي وضعه عن باسكال وعنوانه "مشوار حياة استثنائي" ..وذلك بعد عدة لقاءات مع والدته ، هذه السيدة التي ككل أو معظم أمهات متحدي الإعاقة تعد من الأبطال في الحياة
"أوجيت" هذه الأم البطلة كما يسميها الجميع تقول إن أول طفلة لها "كارين" ولدت مشلولة بسبب خطأ جسيم في الولادة حيث تم سحبها من رأسها بالضغط عليها حتي أن "المخ" تفتت تماما.. ولا أحد يدري هل من حسن الحظ أو السوء إنها توفيت بعد عامين.. لترزق بعدها "بإيف" ولد جميل عاني كثيرا لأنها كانت تعمل ليل نهار هي ووالده ليسددا ديونهما عن علاج "كارين" بعدها بفترة حملت للمرة الثالثة ليجيء "باسكال" ولم تكتشف إنه يعاني من "متلازمة دارون" إلا عندما تعدي عامه الأول. لم تستسلم "أوجيت" ولم تبال بنظرات الآخرين لابنها.. وبدأت في تعليمه.. حتي جاءت الفرصة وعمره ثلاثة عشر عاما ليلتحق ب "crealnn" وهو شبه أتيلييه مخصص لمتحدي الإعاقة يستعين بالفنون المختلفة للعمل علي علاجهم.. وأبرز باسكال تحديا كبيرا في تعلم التمثيل والسباحة والعزف علي آلات موسيقية متعددة.
عندما حاورته ونحن في زيارة للأهرامات كيف يحفظ دوره سواء أكان يعمل في فيلم أم مسرحية أم مسلسل؟ أجابني بصدق شديد :لا أحفظ فأنا ليست لدي قدرة علي الحفظ.. إنهم يشرحون لي الموقف ويقولون لي ما يجب عليّ أن أفعله.. وبعد ذلك أؤدي المشهد وارتجل الحوار. أقول في نفسي ربما هذا يكون سر تميزه الشديد وأدائه الصادق..
سبحان الله قد نري في مثل هؤلاء من وجهة نظرنا القصيرة التي لا تدرك شيئا من أسرار الحياة.. أنهم ناقصون.. بينما هم في الحقيقة متسقون مع أنفسهم ينتمون بمرح شديد حتي لو كان مصحوبا أحيانا بغضب. يبتسم "باسكال" ابتسامة تعكس طيبة قلب شديدة وهو يقول لي: نعم أغضب أحيانا بسرعة عندما أري نظرة غير آدمية تجاهي وكأنها تقول لي أنت "مختلف".. نعم أنا "مختلف" لكن ليس معني هذا أني سيئ.
أسأله: كيف تعيش وتتصرف في الحياة؟ هذه المرة ترتسم علي وجهه ملامح جدية شديدة قبل أن يجيبني قائلا: أنا شخص محظوظ.. اهتمت أمي بي كثيرا.. وهي في الثمانين من عمرها حاليا.. وعلمتني هي وأبي الروحي كيف اعتمد في أشياء كثيرة علي نفسي.. أنا أقيم في شقة تعلو الشقة التي تقيم فيها وقد ساعدتني علي أن يكون ثلاثة من أصدقائي حالتهم تشبه حالتي.. ولذلك فنحن نتزاور وأقوم "بطهو" الطعام وإعداده كما أشارك أصدقائي في الكثير من الاحتفالات والتنزهات.
وعما يسعد "باسكال" قال لي.. أبناء شقيقي فأنا الأب الروحي لهم.. ثم وجدته ينظر إليّ قائلا :هل تعرفين أين أقضي إجازتي؟ أجبته بالنفي.. ليضحك قائلا: في شرم الشيخ والغردقة ، إنهما من أفضل المدن بالنسبة لي.. ففيهما سحر وجمال لا يتوافران في أي مكان آخر. يصمت قليلا قبل أن أسأله: لكن هذه زيارتك الأولي للقاهرة.. ليجيب قائلا.. نعم لقد كان حلمي أن أشاهد الأهرامات وآخذ صورا مع "أبوالهول" وها هو قد تحقق الحلم.
في أوراق دفتر الحياة قصص عجيبة.. حكايات أقرب من الخيال وإن كانت تنتمي لعالم الواقع.. والحميمية الشديدة التي ربطت بين "باسكال دوكن" والكاتب الكاميروني "سيمون أولوندو" رغم صعوبة فهم مايقوله سيمون إلا أن "باسكال" كان الوحيد فينا الذي يتفهم جميع الكلمات. وسيمون شاعر كبير أحدث كتاب يضم أشعاره "الحب بداخلنا" يقول في أحد أشعاره.. إن الحب هو الطريق للسعادة.. وهو نابع من الذات من الحب الذي يجعل الأشياء جميلة، ويجعلك تنتظر الغد.. الحب هو الفخر.. الحب هو العقل والجنون. سيمون كان يدرس الفلسفة قبل أن يصاب في حادثة مروعة.. أجبرته علي ترك الدراسة.. لكنه سخر فلسفته في الحياة لخدمة الشعر "النبيل" كما يقول.. فهو يكره بشدة كل ما هو زائف. سيمون كانت أحد أحلامه أن يزور مصر والأهرامات وها قد تحققت أمنيته.. لذلك لم يكن غريبا أن يتخطي كل العقبات الجسدية ليكون أحد الطيور الملحقة في ملتقي "أولادنا". وسوف نواصل الحكايات من دفتر الحياة لمتحدي الإعاقة.