الفرعون في القفص، لحظة فارقة في حياة المصريين، وحدث تاريخي بكل المقاييس، تاريخي معني ولغة، وليس كالخطب التاريخية التي كان يلقيها الرئيس السابق، حدث سيظل محفورا في وجدان مصر الثورة، الشعب الذي حرر إرادته بيده، وبعظيم التضحيات، أحفاد الفراعنة بأسلوب حضاري يحاكمون الرئيس الذي سمح للفساد أن يستشري وسمح بإطلاق الرصاص ودهس المتظاهرين. حدث له دلالته في الحاضر والمستقبل، في الحاضر أثبتت مصر الثورة أنها لا تنتقم من جلاديها، ولكنها لا تنسي ولا تضيع حقوق شهدائها، في المستقبل لن يستطيع أي رئيس قادم أن يتحول إلي فرعون، سيكون مشهد آخر الفراعنة وهو أسير في القفص، ماثلا أمامه يلاحقه كظله. أن يري الشعب الفرعون في القفص حدث لم يمكن تخيله، فعلي مدي تاريخ الحضارة المصرية غرق الفرعون في البحر بإرادة الله، ولكن لم يدخل فرعون القفص، وفي التاريخ المصري والعربي الفرعون، أو الرئيس، إما أن يموت أو يقتل أو يورث الحكم. لقد أثبتت المحاكمة العلنية للرئيس السابق، وأركان نظامه, أننا تخلينا بالفعل عن »شفافية« النظام السابق، وأن الثورة أصبح لها (شفافية) جديدة في التعامل مع الشعب، كله عالمكشوف، قد تطول المحكمات، فللمحامين أساليبهم ودفوعهم، والمحاكمات كما يقول العامة حبالها طويلة، ولكن المهم في البداية، والاستمرارية أكيدة، فالشعب يريد محاكمة الرئيس، وإرادة الشعب كالطوفان، لن تقف أمامها أية عراقيل. لقد أكدت ثورة 52 يناير، بهذه المحاكمات، أن مصر العظيمة، وإن وهنت ردحا من الزمن لأسباب خارجة عن إرادتها وبفعل الطغاة، إلا أنها ستظل عظيمة، تقدم دائما للعالم أجمع النموذج، في ثورتها شهد العدو قبل الصديق بعظمتها، وفي محاكمتها للطغاة والفاسدين لم تنتقم ولم تتشف بل قدمتهم لمحاكمة عادلة، بشفافية تدل علي عظمة مصر، مصر الحضارة، ومصر معلمة الأمم.