اللواء أركان حرب نجيب عبدالسلام (ماجستير العلوم العسكرية وزمالة أكاديمية ناصر العسكرية العليا)، تولي مناصب قيادية هامة في الجيش المصري منها قيادته للمنطقة الجنوبية العسكرية، وأُسندت إليه مهمة قيادة تحرير الرهائن الألمان والإيطاليين في المثلث المشترك بين تشاد والسودان ومصر، ونجح فيها بجدارة، فاختاره الرئيس الأسبق حسني مبارك قائدا للحرس الجمهوري في أبريل عام 2009، واستمر في منصبه حتي أبعده الرئيس المعزول محمد مرسي في الثامن من أغسطس عام 2012.. وطوال هذه الفترة التي تخطت ثلاث سنوات شهد أحداثا جساما أخطرها ثورة يناير منذ انطلاقها، حتي رحيل مبارك وتسليم السلطة لمرسي. وفي حديثه ل»آخر ساعة» يخرج اللواء نجيب عبدالسلام عن صمته ليزيح الستار عن أسرار هامة تفضح جماعة الإخوان المسلمين، وصراعهم الخفي داخل قصر الاتحادية، وسلوكهم الهمجي البعيد عن قواعد وأصول البروتوكول، ويشرح الأسباب المختلفة لفشل مرسي وحاشيته في حكم مصر. • لماذا تعدُّ قوات الحرس الجمهوري من النخبة في الجيش المصري؟ - قوات الحرس الجمهوري لها تشكيل خاص، ومهمة خاصة، وتسليح خاص، فلابد أن يكون أفرادها لهم صفات خاصة، ويتم اختيارهم بعناية فائقة، إذ يجب أن تتوافر فيهم الكفاءة القتالية والبدنية والعلمية، والانضباط العالي جدا عن أقرانهم. هل مهمتهم حماية رئيس الجمهورية فقط، وبالتالي لا تأخذ التعليمات إلا منه؟ - مهام الحرس الجمهوري عديدة منها تأمين الشرعية الدستورية والشعبية، متمثلة في رئيس الجمهورية وأسرته، وتأمين رؤساء وملوك وحكام دول العالم الزائرين لمصر، وأيضا تأمين أهداف السيطرة القومية، والأحداث الهامة والتاريخية علي شرعية جمهورية مصر العربية سلما وحربا، وبالتالي تأخذ أوامرها طبقا لتوقيت التنفيذ. اختيار قائد الحرس كيف تم اختياركم قائدا للحرس الجمهوري في عهد مبارك؟ - اختيار قائد الحرس الجمهوري له شروط معينة يجب أن تتوافر فيه في أي عهد من تولي رئيس الجمهورية، مع الأخذ في الاعتبار أن يتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية، وترشيح القائد العام للقوات المسلحة طبقا لمتطلبات المرحلة الراهنة، وعلاوة علي ذلك أن تكون له أعمال بارزة تميِّزه عن أقرانه خلال فترة خدمته الطويلة، وصاحب سجل مشرف، وعادة ما يكون برتبة لواء أو فريق، وأن يكون قد قام بأعمال بارزة في محيط عمله. وردا علي سؤالك فقد وقع اختياري قائدا للحرس الجمهوري، بعد إسناد مهمة قيادة تحرير مجموعة من السائحين الرهائن الألمان والإيطاليين والمرشدين المرافقين لهم في المنطقة الحدودية المشتركة بين مصر وتشاد والسودان، وكنت وقتها قائدا للمنطقة الجنوبية العسكرية، فقد استطاعت مجموعة إرهابية أن تتسلل وتخطف هؤلاء السياح، وكانت لهم مطالب مادية ضخمة. مهمة تحرير الرهائن ولأن هذا الاختطاف جري علي أرض مصرية، فقد تم تكليفي بهذه المهمة الكبيرة، ونجحت بفضل الله ثم قوات الجيش في تحرير هؤلاء المختطفين، بعد أن أطلق الإرهابيون سراحهم، وكان ذلك موقفا مشرفا في تاريخ العسكرية المصرية، مما أسعد الرئيس مبارك هذا الخبر، والقيادة العامة للقوات المسلحة، إذ رفعت هذه العملية رأس مصر عالميا لدي الرأي العام العالمي، وكان نجاحي الكبير في هذه المهمة أهم الأسباب التي دفعت القيادة لترشيحي لمنصب قائد قوات الحرس الجمهوري. حدثني عن دورك كشاهد علي أحداث ثورة 25 يناير بصفتك قائدا لقوات الحرس الجمهوري، وكنت قاب قوسين بين حماية مبارك ومطالب الشعب؟ - أولا يسعدني في حواري لآخرساعة أن أتوجه بالشكر لرجال الحرس الجمهوري، خاصة خلال فترة قيادتي لهم علي الجهد الذي بذلوه في الحفاظ علي مصرنا العزيزة، بما اتصفوا به من وطنية خالصة، وإيمانهم بقضية شعبنا العظيم ومطالبه العادلة، وأيضا في الحفاظ علي تاريخه وتراثه الذي لا يقدّر بثمن، وأيضا في الحفاظ علي تأمين أهداف السيطرة علي تحقيق أهدافه في مرحلة مصيرية من تاريخ مصر المعاصر، مما كان لذلك أثر كبير في الوصول بمصر لبر الأمان والاستقرار لبدء حقبة جديدة لتصحيح المسار. ثورة 25 يناير ثورة 25 يناير كان من أهم ظواهرها فقد سيطرة وشلل فكري، فأحداثها كثيرة ومتعددة، وكانت تتسم هذه الأحداث في مراحلها الأولي بالانفعالية والضبابية في المواقف علي الأرض، وفي مناحي الحياة كلها، فكان هدف من كان في المسئولية في ذلك الوقت هو الحفاظ علي مصر. تداخلت هذه الأحداث بسرعة كبيرة، فكان لابد من التعامل مع هذه الأحداث طبقا للأهم ثم المهم، وبناء علي هذه المعطيات كانت أهم مهامي التنسيق مع كل جهة متماسكة في ذلك التوقيت وهي قليلة، ولكن كان لابد من ذلك لأن الاستناد علي نجاح هو بمثابة نجاح أكبر، وبالتالي كانت هناك أوامر تصدر من رئيس الجمهورية الرئيس السابق حسني مبارك وهي قليلة جدا، وفي نفس الوقت مداومة التنسيق مع وزير الدفاع وقتها المشير طنطاوي، علاوة علي قرارات لقواتي لابد من صدورها في حينها، مع الوضع في الاعتبار المحافظة الدائمة علي المهمة الرئيسية لقوات الحرس الجمهوري. شخصيات لها أدوار حدثني سيادتك عن مواقف هؤلاء الشخصيات أثناء الثورة: عمر سليمان، زكريا عزمي، حبيب العادلي، جمال مبارك؟ - السيد عمر سليمان كان رئيسا لجهاز مهمته الرئيسية جمع المعلومات وتحليلها وعرضها علي رئيس الجمهورية، فكان يعلم كل شيء قبل وأثناء ثورة يناير، ولكن تسارع أحداث الثورة، والانهيار السريع وغير المتوقع لوزارة الداخلية أثّر كثيرا علي سرعة السيطرة علي الموقف، وكان المغزي الرئيسي لنا أثناء قيامنا بأعمال التأمين للمحافظة علي مصر وكان وطنيا بدرجة كبيرة، ومحبا لمصر، وبذل جهد كبير لتهدئة الموقف، والتوفيق بين الرئاسة ومطالب الثوار للوصول لبر الأمان، ولكن العبث كان كثيرا، ومن جهات متعددة، وقد قبل المنصب كنائب لرئيس الجمهورية ليس حبا فيه ولكن حبا لبلده لعل وعسي أن يكون طوبة في بناء الاستقرار لمصر في ذلك الوقت الحرج، وخاصة أنه كان محل احترام للشعب المصري كله، ولكن من يعبث علي الأرض ميدانيا كان له رأي آخر من الصعب في ذلك الحين الاطلاع علي جميع الأمور. يوم الحساب الدكتور زكريا عزمي كان منشغلا كثيرا بيوم الحساب وهو أول من تنبأ بقيام الثورة ونحن في آخر مؤتمر للرئيس مبارك مع رؤساء الدول العربية والإسلامية بشرم الشيخ، ولكن لم يكن مالكا من الوسائل والطرق للقيام بدور يساهم في السيطرة ولو علي بعض الأمور، وإنني أظن أنه كان متنبئا بكل ما سيحدث، وجلس بعيدا وعلي أطراف المركبة الجاهزة للغرق. أما الوزير حبيب العادلي فكان الشماعة التي علّق عليها كل من يملك القرار فشلهم، وهو للأسف الشديد ساعد في ذلك كثيرا، وبطريقة غريبة ومهينة، فقد كل شيء، وفي لحظة، وانهار بسرعة كبيرة فجأة، ولم يجد له مساعدين ولا منقذين، وبالتالي انهار كل شيء، والجميع فاقد الأمل المنهار في العودة مرة أخري للتماسك، كان واثقا جدا من القضاء علي هذه المظاهرات أيًا كان حجمها، وكان مطمئنا لذلك جيدا، وبالتالي انعكس علينا جميعا أنها فترة عصيبة وستزول، هذا تم تأكيده شخصيا لرئيس الجمهورية ومساعديه أثناء الاحتفال بيوم الشرطة ولم يحرك ساكنا. وبالنسبة لجمال مبارك كان حائرا ومتوترا يتحرك كثيرا بين جنبات قصر الاتحادية بدون هدف، يبحث عن شيء ما هو؟ الله أعلم. في رأيك هل تكشفت كل أبعاد ثورة 25 يناير بعد مرور 6 سنوات علي قيامها وكنت أحد شهودها البارزين؟ - أحداث هذه الثورة العظيمة كثيرة ومتعددة، رأيت منها بعيني الكثير، ومن أشخاص مهمين ومختلفين، وسط تداخلات دولية ومحلية، ومازالت هذه الأحداث يدور حولها لغط كبير وعلامات استفهام كثيرة ومتعددة، وهذه الأحداث لم يعرف منها بعد سوي القشور البسيطة، ولابد أن يأتي الوقت المناسب لتتكشف كل الحقائق والمخططات، ومازلت في حيرة أمام سرد كل أبعادها وأحداثها ونتائجها وتحليلاتها. مركب واحد إنني أُجيب هنا علي أسئلة محددة، وفي إطار محدد، وبرأي شخصي محدد أيضا، وليس من حقي أن أحاسب أحدا، ولا أن أضعه في المسئولية عن موقف ما في خضم كل هذه الأحداث، ولكن كلنا مسئولون، ويجب أن نقول ما رأينا وسمعنا بكل صدق وأمانة، ويجب البعد أيضا عن تحميل أشخاص بعينهم المسئولية الكاملة عما حدث، فكلنا مسئولون عن ذلك، لأننا جميعا كنا في مركب واحد، والقرارات التي اتخذت في ذلك الحين لا تلقي باللوم علينا، ولكن يجب أن نعي تماما ما هي الأجواء التي كانت تدور حول هذا الحدث أثناء اتخاذ أية قرارات صدرت، فعلينا تقييم الأمور بميزان الواقعية، وفصل اتخاذ القرارات في أجواء هدوء وسكينة، وبين أجواء الغيوم والضبابية. هل صحيح أن المشير طنطاوي والفريق سامي عنان سلما السلطة للإخوان؟ - غير صحيح، فمن معايشتي وقربي من المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، وخاصة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر أعلم تماما وطنية وصدق كل منهما، كل مواقفهما تدل علي ذلك، وهما يعلمان تماما التاريخ الأسود لجماعة الإخوان الإرهابية، لكن ماذا يفعلان وقد أتوا إلي السلطة بأول انتخابات رئاسية شعبية بدون أي ضغوطات خارجية أو تدخلات من أي نوع؟ الانحياز لإرادة الشعب المشير طنطاوي والفريق سامي عنان من بداية الثورة وحتي ظهور نتائج انتخابات الرئاسة انحازا تماما لإرادة الشعب، وعملنا جميعا علي ذلك، وكان الهدف الرئيسي لكل قادة القوات المسلحة، وهذه هي المهمة الرئيسية التي تربينا عليها وهي الانحياز دائما لإرادة الشعب، حتي جاءت هذه الأحداث، وجاء تسليم السلطة، فهل يمكن أن يتم ذلك بدون رغبة شعبية، لقد توالت في هذا التوقيت أحداث كثيرة ومتعددة أنا شاهد عليها، وليس المجال الآن مناسبا لذكرها، لكننا وضعنا أيضا في الاعتبار حقن الدماء في المقام الثاني بعد الإرادة الشعبية. وما تفاصيل مشهد تسليم السلطة والإعلان عن فوز محمد مرسي رئيسا؟ - نجح الرئيس السابق محمد مرسي في الانتخابات، وظهرت النتيجة بعد العصر تقريبا، حوالي الساعة 5,30 مساء، بعد كلام عن استحقاق الفريق أحمد شفيق للفوز وسط تهديدات ووعيد وخلافه، كنت في مكتبي بقيادة الحرس الجمهوري، وكل المجلس العسكري في أماكنهم وعلي رأسهم المشير طنطاوي، وسمعنا الخبر من التليفزيون كأي مواطن عادي. تهديدات الإخوان الإرهابية وكما ذكرت كانت التهديدات من قبل عناصر الإخوان الإرهابية إذا نجح الفريق أحمد شفيق، ومن هنا بدأت مهمتي ورجال الحرس الجمهوري لتنفيذ المهام طبقا للدستور، فتأمين رئيس الجمهورية وأسرته منذ تلك اللحظة مسئوليتي الشخصية كقائد للحرس الجمهوري، فقمت باستئذان المشير طنطاوي والفريق سامي عنان للقيام بمهمتي وفي مقدمتها إرسال قوات التأمين لمنزل الرئيس المنتخب مرسي، وتصدق علي ذلك، وتم إرسال عناصر التأمين، وبعد وصولها بساعة تحركت إلي منزل الرئيس، وقابلني جمع كبير أنصار مرسي أمام منزله بالهتافات المعادية، لكنها تحولت بعد دقائق إلي هتافات ترحيب بعدما علموا أنني قائد الحرس الجمهوري وحضرت لمقابلة الرئيس المنتخب. منزل مرسي دخلت المنزل وقابلت كلا من عصام الحداد، وأسعد شيخة، وأحمد عبدالعاطي، وعددا ممن كنت أراهم في التليفزيون أثناء الدعاية الانتخابية لمرسي، قابلوني بترحيب كبير وسعادة غامرة، وقرأت في عيونهم أنهم يعيشون حلما لم يكونوا ليصدقوه، ثم أدخلوني إلي غرفة الاستقبال داخل شقة بالدور الثاني دوبلكس بحي القاهرة الجديدة، وبعد وقت قصير حضر الرئيس السابق مرسي، كان نائما عند وصولي وأيقظوه، وأديت التحية العسكرية وباركت له، وجلس معي وعبّر عن سعادته لوجودي معه هنا، ثم سألني قبل ما نعمل مع بعض: هل أنت قائد الحرس الجمهوري اللي كان موجود في أحداث الثورة، ولاّ تغيّر؟، قلت له أنا، فقام بالسلام عليّ مرة أخري، وقال كان الأساس اللي ماخلناش نيجي بدري لقصرالاتحادية هو خوفنا من الحرس الجمهوري، كنا عاملين له ألف حساب، لأن أنا كنت المسئول عن الإخوان في ميدان التحرير. تسليم السلطة وتكشفت عندي بعض الحقائق، ثم جرت أحاديث أخري معه أهمها ماذا سيتم من إجراءات تسليم وتسلم السلطة، والجوانب الإدارية منها، وكان في تركيز كبير جدا، واتضح أنه ليس لديه أية خبرة أو خلفية في هذا، ثم صلينا خلفه جماعة، ثم طلب أن يقوم برد التحية من شباك الشقة علي الجمهور، وتحرك فعلا لتنفيذ ذلك، ولكنني منعته أن يقوم بهذا الشكل، وطلبت منه الانتظار، وأمرت رجالي باتخاذ الإجراءات اللازمة للتأمين قبل فتح الشباك، ثم قام بتحية الجمهور والعودة مرة أخري داخل مكانه في الصالة، وكان سعيدا جدا وقال أنتم بتعملوا حاجات كويسة قوي ومش سايبين حاجة خالص. وماذا كان شعور الذين حوله من جماعة الإخوان؟ - كانوا في سعادة غامرة، لكنني قرأت في عيونهم أنهم علي أعتاب مرحلة هامة جديدة، وحياة سعيدة، وأنهم بدأوا التخطيط لأنفسهم ومصلحتهم ومستقبلهم، وليس لشعبنا ومصرنا العزيزة. ميدان التحرير قيل إنك رفضت طلبه للتوجه إلي ميدان التحرير لتحية الحشود هناك؟ - لقد طلب أن يتوجه إلي ميدان التحرير لإجراء القسم أمام أهله وعشيرته، ولكنني رفضت في الوقت الحالي لأسباب كثيرة، ثم طلب التوجه إلي المقطم لشكر الشعب علي اختياره رئيساً من مبني التليفزيون بالمقطم، وسألت نفسي لماذا إصراره علي مبني المقطم بالذات، لكن سرعان ما عرفت السبب، وكان تأمينه صعبا جداً في ذلك اليوم، لكنه صمّم علي ذلك، فقد اتضح أن سيارة رئيس الجمهورية المدرعة لم تأتِ لأن كبير الياوران والقائم بأعمال رئيس الديوان رفض إرسالها لماذا؟.. لا أعلم، ولكن تم ركوب سيارة التأمين وهي مدرعة أيضاً، وذهبنا إلي المقطم، وقام بالتسجيل، لكنه أصر أيضاً علي عمل المونتاج بنفسه، وحدثت بعض الأمور التي تدل علي قصر الفهم، وعدم الخبرة، والتجاوز عن البروتوكول من أسعد شيخة وشلته، ولكن تم تجاوزها، وكانت هذه هي البدايات. مصالح الشلة نتيجة عدم انسجامك مع »الشلة» المحيطة بالرئيس وقتئذ ألم يأخذ مرسي منك موقفاً؟ - لم يأخذ مني موقفاً لأسباب عديدة منها أن قراراته المرتجلة لم يكن هو مصدرها وحده، ولكن كوكتيل الرئاسة مجموعة تلتقي علي مصالح شخصية تقود مصر، ويعلمون تماماً أن مصلحتهم في استمراري وعدم معاداتي حتي يكتسبوا الخبرات ويضعوا أقدامهم علي بدايات الطريق، وخاصة أن أسئلة مرسي واستفسارات من حوله كانت كثيرة جداً، رغم أنني كنت صريحاً معهم إلي أقصي حد، وكنت أضعهم فعلاً علي الطريق الصحيح لأكثر من سبب، لخدمة بلدي أولاً، وأن ذلك من صميم عملي ومهمتي، إلا أنهم كان لهم رأي آخر يحتفظون به ويخططون للوصول إليه بصرف النظر عن اعتباراتي واعتبارات غيري بما يرضي الله. لكنني مثل باقي قادة القوات المسلحة تعوّدنا أن نتقن عملنا بما يرضي الله، ثم يرضي شعبنا، والحقيقة فقد توهمت أن الأمور ستسير في الاتجاه الصحيح، وفي صالح البلاد، وتصحيح لأخطاء، ورفع مستوي معيشة الناس، والنهوض والتحرك سريعاً للأمام، وتحقيق الآمال والطموحات، ولكن ثبت أنهم لا يخططون أبداً لتحقيق هذه الأهداف القومية النبيلة، بل تخطيطهم لمصلحة أنفسهم أولاً وأخيراً. شاهدنا مرسي علي شاشات التليفزيون وهو يدخل قصر الاتحادية لأول مرة، ويتفحص مكتبه ومقتنياته بطريقة غريبة، هل رافقته في هذه الزيارة؟ - ظهرت نتيجة الانتخابات يوم 23 يونيو، أي قبل استلام مهام منصبه رسمياً بحوالي أسبوع، ولكن ثاني يوم من ظهور النتيجة كنا نستقبله في الاتحادية، دخله في استعجال شديد، وتفقد مكتبه وقاعة المؤتمرات، وخلافه، بطريقة »شيل عبي هات» وسط عصابته، وكان هناك لغط كثير فيمن هم حوله، وفجأة انقطعت الكهرباء، وحدثت مفاجآت غير متوقعة أبرزها أن الكهرباء قطعت بعد دخوله قصر الاتحادية، فقام أسعد شيخة بالصراخ والزعيق في وجه نائب رئيس الديوان بطريقة مستفزة ظناً منه أن قطع الكهرباء متعمد رغم أنه لم يمر ساعة علي تواجدهم في قصر الاتحادية. شكل غريب، ووضع مريب وضح لي من سلوكهم وتصرفاتهم، ووضح لي أننا مقبلون علي حالة فوضي ليس لها ضابط ولا رابط، »حكم الشللية» و»القعدات العرفية» واضح، والهرجلة هي السائدة، ثم الصلاة جماعة خلف مرسي، وقبل الأذان تري حاشية مرسي وجماعته يهرولون داخل القصر بأسلوب همجي كلٌ منهم يجري إلي الحمامات، وبدأت ظاهرة تعليق الفوط والمناشف علي الأكتاف، ثم تشمير البنطلونات حتي الركبتين والقمصان حتي الساعدين استعداداً للوضوء، والانتظار طويلاً قبل كل صلاة لحين وصول الإمام مرسي. الصدام مع المنتفعين ثم بدأ دخول أعداد كبيرة ومتنوعة قصر الاتحادية، ولا تعرف من أرسلهم ولا من سيستقبلهم، وبدأ صدامي مع رئيس الجمهورية وحاشيته بسبب الإجراءات الأمنية، وإصراري علي كل من ليس له وظيفة محددة ليس له مكان هنا في الاتحادية، وتصادمت بصفة خاصة مع أسعد شيخة، وكل مرة أواجه بهمجيته يردد أنه سيتولي رئيس الديوان ومن حقه أن يدخل من يشاء، ولا أنسي المشاهد اليومية المتكررة للرئيس مرسي وهو يتناول الغداء يومياً داخل الاتحادية مع الموظفين، والقيادات، والعمال، لماذا كل هذا، المفروض أن لرئيس الجمهورية برنامجا محددا ومنظما بالدقيقة لكن هذا لم يطبق مع مرسي وجماعته. وماذا حدث يوم تسلم السلطة رسمياً في أول يوليو؟ - في هذا التاريخ حلف مرسي كذا مرة في الدستورية العليا، وأحدث مشاكل كثيرة، وخاصة أنه في البداية لم يحضر التليفزيون للتصوير، فكان عايز يبقي القسم شكليا فقط، وكان هذا طعناً في شكل المحكمة مباشرة، ثم حضر التليفزيون بعد جدال حاد، لأن القسم القانوني المعترف به دستورياً ويعتبره القانون هو القسم أمام أعضاء المحكمة الدستورية العليا. أهله وعشيرته لكن مرسي كان لا يريد لهذا الشكل القانوني أن يتم فهدفه الأساسي للإعلان رسمياً عن أنه رئيس للجمهورية هو القسم في ميدان التحرير أمام أهله وعشيرته، وقد فطن لذلك أعضاء المحكمة الدستورية، وتم تفويت الفرصة عليه، هذا أول صدام مع مؤسسات الدولة، وكان مخططاً بالطبع من جماعة الإخوان المسلمين وقادتها، وكانت إدارة البلاد تدار بواسطة المجموعة ومكتب الإرشاد ورجاله، خيرت الشاطر ومندوبيه، وأحمد عبدالمعطي مدير مكتبه، وعصام الحداد القائم بأعمال وزير الخارجية، والتلقين كله يتم من خارج الاتحادية، وحضوره فقط القصر لإطلاع الرئيس مرسي علي ما تم وسيتم، وما سيقوم بتنفيذه، والمتابعون لذلك هم نفس المجموعة السابقة وباقي عناصر مكتبه، وخالد القزاز وابن عمه. ما النظرية السياسية لحكم الإخوان كما تعاملت مع رموزهم؟ - أنا أري أن النظرية السياسية لحكم الإخوان قائمة علي إنشاء الدولة الإسلامية وعاصمتها القدس، أما حكم مصر فهو فقط الخطوة الأساسية والرئيسية لتحقيق هذا الهدف، ولذلك فشل الإخوان في حكم مصر، وحاكم مصر لا بد أن يكون مؤمناً بالله ثم بشعبه، وله رؤية سياسية شاملة، ولديه خبرة كافية في هذا المجال، ولابد أن يسعي لتحقيق مطالب شعبه وليس من أجل فصيل أو فئة معينة، والمحافظة علي الأمن القومي المصري، وأن يكون شخصية إقناعية ومقنعة، وأن يمتلك كاريزما الوسامة والوجاهة، وكل هذه الصفات لا تتوافر في شخصيات الإخوان. هل صحيح أن موكب مرسي تضاعف عن أيام مبارك؟ - هذا صحيح بسبب عدم الانضباط، وتجاوز أهله وعشيرته في خروجهم من الاتحادية لسياراتهم المخصصة لهم، وكان هذا الوضع الغريب سبباً آخر في الصدام معهم، فمن مصلحة رئيس الجمهورية من الناحية الأمنية والتأمينية ألا يعطي أوامر في هذا المجال تخالف عملنا وتخصصنا، لأنها أساساً تصب في مصلحته ومصلحة أسرته، وألا يتدخل في خطط التأمين، لكن من يسمع هذا الكلام؟!.. هل كان مرسي صادقاً عندما رفع يديه في ميدان التحرير مردداً أن صدره بلا صديري واقٍ؟ - لم يكن صادقاً عندما رفع يديه، ووجه صدره للجماهير، وبأنه لا يرتدي القميص الواقي، لأنني أنا الذي أحضرته خصيصاً له، وبمقاس يناسبه، وبذلت في ذلك مجهوداً كبيراً لأنني كنت دائما قلقاً علي تأمينه، وخاصة في هذا اليوم. مغادرة الاتحادية لماذا قام مرسي بتغييرك من منصبك كقائد للحرس الجمهوري رغم كفاءتك؟ - جاءت محطات صدام كثيرة، ومواقف كثيرة كنت غير راضٍ عنها تماماً، ورويت في هذا الحديث بعضاً منها، علاوة علي التصدي لمواقف أخري كثيرة لا تصب في مصلحة بلدي، وقد رفضت طلبات متعددة منه ومن أهله وعشيرته مما أغضبهم كثيراً، فكان قرار مغادرتي الاتحادية. رافقت مرسي خارج البلاد، فهل كان سلوكه ومرافقوه يلتزمون الإتيكيت والبروتوكول؟ - سفرياته الخارجية أري أنها كانت تصب في مصلحة الجماعة أولاً، وكنت أشعر بعدم الرضا علي ما يقوم به من تجاوزات في البروتوكولات، وأعمال غير مقنعة بالمرة، فكل اتصالاته وسلوكياته مع الأطراف الدولية الأخري كانت تتسم بالعشوائية. في جامعة القاهرة لإذاعة القسم علي الهواء، هل صحيح أن قيادات الإخوان تعمدوا إحراج شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عندما سحبوا كرسيه ورفعوا اسمه من عليه وتجاهلوه وأهانوه؟ الواقعة صحيحة لإحراج شيخ الأزهر في جامعة القاهرة، وأنا شخصياً أصنفها بعدم الخبرة ومراعاة الأصول المهنية، والتخطيط العشوائي، والبعد الاستراتيجي للدولة، مما كان له الأثر الكبير في نفوس بعض الحاضرين، وما تم يدل دلالة قاطعة علي الاختلاف في الرؤي بين الجماعة في ذلك الوقت، والأزهر الشريف علي طول الخط، وهكذا كانت بداية النهاية.